الناصرة- محمد وتد
أطلقت مؤسسات ولجان شعبية وحركات جماهيرية وشبابية حملات إغاثة إنسانية بالداخل الفلسطيني، وذلك على إثر العاصفة الثلجية التي اجتاحت فلسطين والبلاد ودول الشرق الأوسط والتي زادت من معاناة المهجرين واللاجئين السوريين والمحاصرين في قطاع غزة وأهل القرى العربية التي لا تعترف بها إسرائيل في النقب الصامد.
وأتت الحملة التي أطلقتها مؤسسة لجنة الإغاثة الإنسانية للعون ومقرها الناصرة بعنوان: «سوريا الجريحة وغزة المحاصرة والنقب الغريق»، وخاطبت العقل والمشاعر لأصحاب الضمائر الحية ولأهل النخوة والمروءة، وأهل العطاء والإحسان بالداخل الفلسطيني الذين لبوا النداء لإغاثة أهلنا من اللاجئين والنازحين السورين وأبناء شعبنا المحاصرين برا وبحرا وجوا في غزة وإخواننا الغرقى والمشردين في النقب.
وتحت عنوان «أطفالهم أطفالنا ومعاناتهم معانتنا ... دثروني .. دثروني»، أُطلقت ببلدة باقة الغربية حملة إغاثة إنسانية ركزت جل نشاطها على دعم وإغاثة اللاجئين من أبناء الشعب السوري، فيما تتواصل حملة «الجسد الواحد – دفيني» التي تنظمها الجمعية الإسلامية لإغاثة الأيتام والمحتاجين لإغاثة أطفالنا في سوريا وغزة والنقب.
وتعيش القرى العربية في النقب وتحديدا القرى مسلوبة الاعتراف كارثة إنسانية بكل ما تحمل الكلمة من معنى حيث كشفت موجة البرد والأحوال الجوية العاصفة والماطرة حجم الإجحاف وتقصير الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بحق سكان القرى غير المعترف بها في النقب.
حملات إغاثة تخطت الحدود والجغرافيا
ويرى رئيس اللجنة الشعبية في المثلث المربي سميح أبو مخ في حملات «أطفالهم أطفالنا ومعاناتهم معانتنا ... دثروني .. دثروني»، و»سوريا الجريحة وغزة المحاصرة والنقب الغريق» و «الجسد الواحد – دفيني»، رد فعل طبيعي لفلسطينيي 48 بتلبية نداء الواجب الإنساني والأخلاقي، حيث اعتادوا أن يكونوا دائما السباقين بكل عمل خيري وإغاثي للشعوب العربية والإسلامية وحتى الشعوب النامية والضعيفة في كل أنحاء العالم.
وقال أبو مخ: «للأسف الشديد هموم شعبنا ومعاناة أمتنا العربية والشعب السوري أثقلت كواهلنا بالداخل الفلسطيني، وعلى الرغم من ذلك تركزت الجهود في آن واحد على النقب وغزة وسوريا، لأننا نؤمن أننا جسد واحد نحمل هم كل محتاج ومكروب ونحاول ان نفرج هموم أهلنا جميعا أينما تواجدوا».
وتابع رئيس اللجنة الشعبية حديثه بالقول: «على إثر موجات الصقيع ومعاناة الأطفال والنساء والشيوخ، فهذا المشهد الإنساني غيب المشهد والسجال السياسي وتوحدت الجهود وتنافس الجميع فيما بينهم بحملات الإغاثة وتكاتفت الأيادي من أجل تقديم المساعدة لهذه الشريحة التي تعرضت للكوارث والنكبات».
وخلص إلى القول: «نحن لا نؤمن بالحدود الجغرافية المصطنعة، فكل من يحتاج إلى مساعدة نشعر به ونعيش معاناته وذلك بغض النظر إذا تواجد داخل الوطن أو خارج أراضي الـ 48، فالهم واحد ونعيش ألم واحد كذلك، إذ لا بد من مشاعر إنسانية واحدة لتعيد لحمة الشعب الواحد والانتصار لحق وللشعوب في العيش الكريم».
تعاليم الدين والواجب الأخلاقي والوطني والإنساني
من جانبه، قال المنسق الإعلامي لحملة «.. دثروني .. دثروني» عبد اللطيف أبو عودة: «لا يخفى على أحد حجم المأساة التي ألمت بأهل الشام من ويلات حرب ودمار، تشريد وتجويع، وفي هذه الأيام يعاني أهلنا السوريون من برد الشتاء في ملاجئهم في شتى بقاع الأرض، ولا يجدون المأوى ولا الغطاء ولا الطعام، وانطلاقاً من تعاليم ديننا الحنيف والواجب الأخلاقي والوطني والإنساني أطلقنا الحملة التي ستتواصل حتى نهاية الشهر الحالي وها هو عضو من جسد المسلمين والعرب يشتكي ويصرخ من شدّة البرد والألم والجوع فماذا نحن فاعلين ؟».
وأضاف أبو عودة: «أمام هذا الإعصار والعواصف التي كان لها الأثر الأكبر لدى الأهالي في تلبية نداء العون والإغاثة، إذ تفاعلت كل المدينة بمختلف فعالياتها الشعبية والشبابية والنسائية والطلابية، وأسندت الحملة بمواد إعلامية إرشادية وتوعية لطلاب المدارس وعرض أفلام وثائقية تجسد معاناة اللاجئين السوريين، وذلك بقصد إثارة مشاعر السكان وتحفيزهم على التجنيد والتبرع، والملاحظ الدور الأبرز للأطفال الذين يتقاطرون إلى مركز التبرعات لإغاثة الأطفال السوريين اللاجئين بمصروفهم اليومي وكتابة الرسائل الداعمة والمساندة».
إسرائيل لم تفلح في كبح أو إبعاد فلسطينيي 48 عن امتدادهم العربي
ما يثير الاهتمام فعلًا يقول محمد خيري الناشط في الحراك الشبابي بالداخل الفلسطيني: «هو حجم التفاعل من قبل النّاس وعلى رأسهم البسطاء في حملات الإغاثة الإنسانية، فهذه ليست الحملة الأولى التي تعنى بجمع تبرعات الإغاثة لأهلنا في سوريا وقطاع غزة ومؤخرًا النقب، ورغم ذلك وفي ظل ظروف اقتصادية صعبة ما زال هناك تجاوبا يزداد مع ازدياد الحالات الإنسانية في مختلف المناطق».
وتابع حديثه إن: «حملات الإغاثة التي تنشط اليوم في كل مناطق الـ48 المحتلة جمعت النّاس على همّ واحد وكلمة واحدة، فالتف الجميع من حول المنكوبين في مخيمات اللجوء السورية بالأردن، وأهالي غزة المحاصرين، والأهل في النقب الذين فتك الصقيع بهم، على اختلاف الأديان والمذاهب الحزبية، ضاربين بذلك مثالا يحتذى به من التعاون بين النّاس والاتفاق على حفظ رسالة الإنسانية الراقية.
ويجزم خيري بأن الواقع يقول إن هنالك أهل لنا بحاجتنا، وصراخ أطفال ينادينا، ومن أجل ذلك تجد أهالي الداخل الفلسطيني يلبون النّداء، وقد فاقت التبرعات الحدود المتوقعة، واختلفت في أشكالها، هناك من تبرّع نقدًا وهناك من لم يجد ما يتبرع به سوى غطاء أحد أطفاله، أو ملابس البعض منهم، ولم يجد حرجًا في ذلك، فأطفال سوريا لا يكادون يجدون غطاءً يقيهم برد الشتاء ولا لقمة تقيم أصلابهم.
ومضى إلى القول: «أعتقد أن الاحتلال الإسرائيلي لم يستطع حتى هذه اللحظة ورغم مرور عشرات السنوات، أن يسلخ العربي في الداخل الفلسطيني عن محيطه، فها هو ينسى كل خلافاته ويقف صفاً واحداً دعماً للمنكوبين، بالأموال والمواقف، في ظل حالة فقر متفاقم سببها الاحتلال أيضا، والتي لم تفلح هي أيضا في كبح جماحهم أو إبعادهم عن امتدادهم العربي».
إغاثة وتعزيز صمود بدو فلسطين بالنقب الذين شردتهم الكوارث الطبيعية
وتجندت مؤسسة النقب للأرض والإنسان لتوثيق الأضرار وحجم الكارثة والخسائر التي تعيشها القرى، وأطلقت حملات إغاثة محلية سرعان ما تحولت إلى قطرية لتعم جميع بلدات الداخل الفلسطيني للمشاركة في إغاثة وتعزيز صمود بدو فلسطين في النقب الذين شردتهم الكوارث الطبيعية والعواصف الثلجية والسيول والفيضانات.
يقول المنسق الإعلامي للمؤسسة سلمان أبو عبيد: « لقد أدركنا حقيقة حجم المعاناة وعظم المأساة وتفاقم الحالة الإنسانية لدى عشرات القرى والتجمعات غير المعترف بها بالنقب، مشاهد توقظ كل صاحب ضمير إنساني حي، الآلاف من السكان يعيشون في قرى منكوبة وفي بيوت من الزينكو تطايرت وتركت خلفها الأطفال في العراء يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، يتجرعون مرارة الصقيع والبرد القارس في ظل انعدام الكهرباء والماء والمرافق الصحية أطفال ولدوا وترعرعوا في بيئة لا تعرف إلا المأساة والمعاناة تكالبت عليهم المحن من كل حدب وصوب ففي الوقت الذي لم تهدأ جرافات الهدم الإسرائيلية عن مواصلة جرائم هدم البيوت تأتي العاصفة لتكشف وجها آخر للمعاناة».
أمام هذه المعاناة يقول أبو عبيد: «كان لا بد أن ينهض أصحاب القلوب الرحيمة والنفوس الزكية للوقوف إلى جانب المنكوبين وتفريج كربات المكروبين، فإغاثة أهلنا في النقب هي إغاثة لأنفسنا لأن دعم صمودهم يعني الحفاظ على وجودنا في النقب ويعني في نفس الوقت إتاحة المجال للأجيال القادمة لكي يكون لها احتياط أراض حاضرا ومستقبلا، ونحن نقدم ألف تحية على صمودهم ونرى فيهم عنوان الثبات المطلوب في أرض النقب وأبناؤهم هم فرسان النقب الذين يقومون بدور الحارس الأمين فيها».
أشار إلى أن هناك توجهاً غير مسبوق للأهالي في النقب لطلب العون والإغاثة، لكن على الرغم من ذلك إلا أن هناك الكثير من العائلات التي تجاوبت مع نداء الواجب الإنساني والأخلاقي في دعم وإغاثة شعبنا في غزة وإخواننا وأبناء أمتنا العربية من اللاجئين السوريين، ومن عمق المعاناة تقاسمت العائلات القليل مما تملك ومدت جسورها إلى غزة وسوريا للعون والمساعدة ما يشير بأن الجرح واحد والألم واحد والأمل واحد.
تتجسد بذلك معاني الترابط والتلاحم التي تخطت الحدود المصطنعة
وقال رئيس لجنة الإغاثة الإنسانية للعون الشيخ عبد الكريم حجاجرة إن يد العون من الأهل بالداخل الفلسطيني «أبت إلا أن تقتسم هول المعاناة والكارثة مع أهلهم بالنقب وأبناء شعبهم المحاصر بغزة وأهلهم من اللاجئين السوريين الذين يعجزون عن توفير متطلبات عائلاتهم من مستلزمات غذاء ودواء لتتجسد بذلك معاني الترابط والتلاحم التي تخطت الحدود المصطنعة».
وتابع حجاجرة: «بات آلاف الأطفال يبيتون في البرد القارس وتحت الخيام البالية التي أصبحت لا تقي حتى من زخات المطر حتى أن بعض الأطفال السوريين أصبحوا يبيتون على الثلج في ظروف قاسية لا تصلح للحيوانات، لذا تهيب مؤسسة لجنة الإغاثة الإنسانية في الداخل الفلسطيني بمد يد العون والتبرع بما تجود به أنفس أهل الخير لإنقاذ ما أمكن من آلاف الأطفال والنساء والشيوخ».
وتتواصل الحملة بجميع بلدات الداخل الفلسطيني على مدار أسبوعين، إذ ستنتهي في نهاية شهر ديسمبر - كانون الأول الحالي، وسيتم الإسراع في توصيل شحنات الإغاثة بالتنسيق مع مؤسسات ولجان دولية لشراء الأغطية والمواد الغذائية وتوصيلها إلى العائلات المنكوبة في كل منطقة.
ووسط إقبال واسع من المواطنين بالداخل الفلسطيني بالتبرع والدعم والمؤازرة تتواصل حملة «الجسد الواحد – دفيني» التي تنظمها الجمعية الإسلامية لإغاثة الأيتام والمحتاجين لإغاثة أطفالنا في سوريا وغزة والنقب، حيث تجوب سيارات الإغاثة شوارع المدن والقرى لاستقبال وجمع التبرعات من المواطنين.
وأوضح رئيس الجمعية الإسلامية لإغاثة الأيتام والمحتاجين د. إبراهيم العمور: «منذ أن أعلنا عن حملة «الجسد الواحد - دفيني» كنا على يقين أن الأهل في الداخل الفلسطيني لن يخذلوا إخوانهم في المخيمات السورية الأبية وأزقة غزة المحاصرة وخيام النقب الصامد، وأكد أن الحملة مستمرة لأسبوعين على الأقل وأن رجالات الإغاثة ومكاتبها في كامل الجاهزية لإنجاح هذه الحملة المباركة، وللمتبرعين أقول: لا أراكم الله سوءاً فيمن تحبون، وجعل كل ما قدمتم وتقدمون في ميزان حسناتكم»