الأربعاء  27 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

من يعتقد أن "داعش" انتهت فهو واهم/ بقلم: د. غسان طوباسي

2018-11-06 06:23:44 PM
من يعتقد أن
د. غسان طوباسي

 

الآن وبعد أن عاد الاستقرار تدريجياً إلى سوريا والعراق بعد هزيمة فلول التكفيريين والإرهابيين رغم التكلفة البشرية والمادية الهائلة، إلا أن الحفاظ على الوطن وصون كرامته وحدته كانت هي الإنجاز الأهم.

ورغم ما قد يُقال عن التدخل الروسي والإيراني في الحرب وعن مسؤولية النظام بداية بسبب غياب الحريات والديمقراطية والحُكم الدكتاتوري الأحادي، إلاّ أن ما حصل من مؤامرة كُبرى على الوطن العربي وخاصة بلاد الشام؛ استدعى من كل الشرفاء الدفاع عن الوطن أولاً وإلحاق أكبر هزيمة بالظلاميين والتكفيريين والإرهابيين ومن ثم العمل على بناء وطن تسودهُ العدالة والحرية والديمقراطية.

إن الصورة الحالية لما جرى في سوريا شبيهة تماماً بما حصل فترة الحرب العالمية الثانية، وذلك عندما حاول هتلر وجيشه احتلال وتدمير الاتحاد السوفييتي، وقتها هبت كل الشعوب في الدفاع عن الوطن الأُم بعيداً عن وجود قيادة دكتاتورية مُمثلة بستالين وصحبه، وكان وقتها الثمن غالياً حتى وصل عدد الشهداء إلى ما يقارب 20 مليون شخص، و ذلك إيماناً ووعياً من هذهِ الشعوب أن الوطن أغنى وأهم من القائد أو الشخص، ولو لم يكن هذا الوعي موجوداً لسقط الاتحاد السوفييتي  ومعهُ أوروبا كاملة في قبضة الوحش النازي والذي كان ممكنا أن يحول مجرى التاريخ إلى عقود طويلة ويُدخلهُ في مرحلة من الظلام والقهر والقتل والعذاب.

هذا التوصيف يأتي متزامنا مع ما يجري في منطقتنا عامة، وفي فلسطين خاصة هذه الأيام، فبعد عودة الهدوء النسبي إلى سوريا؛ بدأت تنشط المؤتمرات النقابية والعلمية في دمشق، ومنها ما عقد قبل أيام مثل مؤتمر أطباء الأسنان وما سيُعقد مثل مؤتمر للمهندسين، وطبعاً وبناء على ذلك تكثر النقاشات حول المشاركة أو عدمها من قبل أوساط نقابية وسياسية مختلفة، فهناك من يرى أنها تأتي من باب دعم النظام و بالتالي لا يجوز المشاركة وهناك من يرى أنها تأتي في دعم الشعب والوطن وأن المسؤولية الوطنية والأخلاقية تستدعي المشاركة. أما ما يُشعرك بالذهول هو أن معظم المُعارضين للمشاركة حجتهم أن النظام السوري العلوي المدعوم من الشيعة والكفار الروس قاتل الأطفال والنساء، أما المشاركة في مؤتمرات تُعقد بالرياض أو دبي أو واشنطن أو حتى تل أبيب فهي حلال لأن فيها مصلحة علمية.

إن ما حصل مع داعش في سوريا والعراق هو خسارة معركة وليس هزيمة، لأن العقلية التكفيرية العنصرية لم تُهزم وهي لا تزال مُتجذرة في عقول وقلوب الكثيرين وما حصل في مصر مؤخراً دليل على ذلك. إن ما يهمنا نحن في فلسطين هو التعلم من التجارب المُحيطة ودراسة مُسببات هذا الفكر والعمل على مُحاربتهِ بدءا بمناهج التربية والتعليم لطلبة الروضة وصولاً إلى الجامعات . فللأسف الشديد أن السلطة الوطنية والتي من المُفترض أن تعكس الفكر القومي العِلماني والذي على أساسه انطلقت الثورة الفلسطينية المُعاصرة مُمثلة بحركة فتح "عمودها الفقري" لا تزال تُغمض عينيها وتدفن رأسها بالرمال وكأن الموضوع لايهمها. فالمناهج التدريسية وإن تطورت نوعاً ما لم ترتق أبداً إلى الحد الأدنى من مستوى التنشئة الوطنية الفلسطينية ولم نقم بأي جهد من أجل بلورة هوية وطنية فلسطينية جامعة، ولا تزال الهوية الدينية هي الطاغية على حساب الهوية الوطنية أو القومية. ومن هنا فإذا لم نعمل بشكل جدي على التحول إلى مجتمع مدني علماني سنبقى أسرى للفكر الديني وسيصبح الأمر مستحيلاً بالمستقبل من منع أي تمدد للفكر الأصولي المُتطرف والذي سيكون أول اهدافه القضاء على السلطة الوطنية نفسها.

إن القضية الوطنية الفلسطينية الآن على أعتاب مرحلة جديدة تماماً وخاصة بعد التطبيع العربي الرسمي مع إسرائيل والانحياز العلني والصريح والواضح للولايات الأمريكية مع إسرائيل وانسداد أُفق ما يُسمى بعملية السلام واستحالة إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967م ، إن هذا الواقع يستدعي صياغة برنامج سياسي واستراتيجية جديدة كُلياً والعمل على دعم الصمود الفلسطيني فوق أرضه والأهم من ذلك العمل على صقل الشخصية الوطنية الفلسطينية من خلال تعبئة فكرية وأخلاقية جديدة تُثبت الهوية الفلسطينية الموحدة. أما غير ذلك فهو تعزيز للفكر الديني والقبلي والعشائري وكل ذلك بلا شك يُشكل أرضية خصبة لنمو وازدهار الحركات الأصولية والتكفيرية والتي قد تستخدم العنف والإرهاب لنشر فكرها و برنامجها.