أن يصدر في نفس اليوم 17/12/ 2014 قرار عن محكمة العدل الأوروبية بإسقاط حركة حماس من قائمة الإرهاب، وقرار عن البرلمان الأوروبي يًقر بمبدأ قيام دولة فلسطينية، وأن يأتي القراران متزامنان مع التحولات المتسارعة في الساحة الدولية التي تشهد حالة من التأييد المتعاظمة لعدالة القضية الفلسطينية وحق الفلسطينيين في دولة خاصة بهم ، و محاصرة إسرائيل وكشف خطابها وممارساتها التي سادت لعقود ، مروِجَة أنها دولة مسالمة ، وأن الفلسطينيين إرهابيون ولا يريدون السلام ، هذا الأمر يحتاج لوقفة تفكير وتمعن لأنه مؤشر على تحول مهم في الرأي العام الأوروبي تجاه القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني ، من يمارس منه العمل الدبلوماسي ومن يمارس العمل المسلح ، ولكن في نفس الوقت قد ينتج عن ذلك منزلاقات يجب الحذر منها .
في حال التزام المستوى السياسي الأوروبي بقرار المحكمة بإسقاط حركة حماس من قائمة الإرهاب فذلك يتضمن تصحيحا لخطأ أرتكبه الأوروبيون تحت الضغط الأمريكي والإسرائيلي ، عندما صنفوا حركة حماس كحركة إرهابية مع إنها لم تمارس أي أنشطة عسكرية خارج حدود فلسطين المحتلة . قد نختلف مع حركة حماس سياسيا وقد نختلف معها حول ممارستها المقاومة المسلحة فصائليا وبدون استراتيجية عمل وطني ، ولكن لا نختلف معها حول حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال ، وهو ما تدركه أوروبا جيدا حيث مارست كثير من دولها حق مقاومة الاحتلال أثناء الاحتلال النازي لأوروبا، كما تعلم أوروبا وكل دول العالم أن القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وكل المواثيق الدولية تعترف للشعب الخاضع للاحتلال بمقاومة الاحتلال ، وخصوصا أن حركة حماس وبقية حركات المقاومة الفلسطينية مارسوا المقاومة المسلحة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وليس خارجها .
قرار محكمة العدل الأوروبية بقبول استئناف حركة حماس لإسقاطها من قائمة الإرهاب يأتي في هذا الوقت كرد على المحاولات الإسرائيلية لخلط الأوراق من خلال المساواة ما بين الحروب التي تجري في العالم من حولنا كسوريا والعراق واليمن وليبيا الخ ، والحرب التي يخوضها الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال. فإن كان يجوز تعدد الاجتهادات والمواقف تجاه ما يجري في تلك الدول ، وتجاه الجماعات المقاتلة إن كانت شرعية أم غير شرعية ، فلا يجوز ذلك تجاه نضال الشعب الفلسطيني من اجل نيل استقلاله فكل الشرائع الدينية والدولية تمنح الشعوب الخاضعة للاحتلال الحق باللجوء لكل الوسائل لنيل استقلالها بما في ذلك الكفاح المسلح .
الفلسطينيون يقاتلون من اجل الاستقلال الوطني وضد الاحتلال ، أما الحروب الاخرى فهي حروب مصالح ومشاريع وهمية ومغامِرة ومصطَنعة لتدمير الدولة الوطنية لصالح مشاريع استعمارية أو وهمية ، حتى وإن وسمت نفسها بسمة الإسلام . فكيف يجوز للشرعية الدولية ولدول العالم أن تدعم وتمول جماعات تقاتل من اجل السلطة وتخوض حروبا أهلية في سوريا والعراق واليمن وليبيا الخ ولا تدعم وتمول شعبا يناضل من اجل إنهاء الاحتلال ؟ .
وحتى في حالة الاعتراف الدولي بدولة فلسطين ، فهو اعتراف بدولة فلسطين خاضعة للاحتلال ، وحيث إنه لا نعتقد أن القرار الذي قد يصدر عن مجلس الأمن سيكون حسب المادة السابعة التي تُلزم المنتظم الدولي بتنفيذ القرار بالقوة الدولية المسلحة ، فلا نعتقد أن إسرائيل ستنسحب في اليوم التالي لصدور القرار، أو في فترة العامين المتفق عليها لإنهاء الاحتلال أو إنهاء المفاوضات ، وعليه سيكون من حق شعب الدولة الفلسطينية أن يمارس حقه بالمقاومة بكل أشكالها من اجل إنهاء الاحتلال .
مقاربتنا السابقة لقرار المحكمة الأوروبية تنطلق من وجود حسن نية عند القضاء الأوروبي من وراء صدور القرار، أي أن للقرار طابع قانوني دون خلفيات سياسية ، ومن حسن نية لدى حماس من حيث كيفية فهمها وتوظيفها للقرار ، ولكن ، وحيث إننا لا نعتقد أن الهدف الرئيس لمحكمة العدل الأوروبية من وراء قرارها هو إضفاء صفة الشرعية على المقاومة الفلسطينية المسلحة ، لذا نتمنى ، ليس من باب التشكيك ولكن من باب الحذر ، أن لا يوظف البعض من الأوروبيين أو واشنطن القرار الأولي بإسقاط صفة الإرهاب عن حماس لتوظيفها كورقة ابتزاز مزدوج . ابتزاز لحركة حماس حتى تتخذ إجراءات مطلوبة ومحددة حتي يتم إسقاط تهمة الإرهاب عنها بشكل نهائي ، وابتزاز للسلطة ومنظمة التحرير من خلال التلويح بأن حركة حماس لم تعد حركة إرهابية بل حركة شرعية فازت عن طريق صناديق الانتخابات وهي اليوم تملك السلطة في قطاع غزة ولها حضور واضح في الضفة ، وبالتالي إما أن تخضع السلطة والمنظمة للشروط الأوروبية والأمريكية للعودة لطاولة المفاوضات وتعديل مشروع القرار الفلسطيني في مجلس الأمن ، أو فالبديل جاهز وهي حركة حماس وقد سقطت عنها صفة الإرهاب التي كانت تعيق التعامل الدولي معها ، وربما تصل الأمور لحد توظيف هذا القرار للتمهيد لدولة فلسطينية في قطاع غزة تحت حكم حركة حماس ، وقد تكون هذه الدولة تطبيقا لقرار مبهم يصدر عن مجلس الأمن بخصوص الاعتراف بدولة فلسطينية .
نتمنى أولا أن يتم تنفيذ قرار المحكمة الأوروبية بأقرب وقت ، كما نتمنى من حركة حماس أن توظف قرار المحكمة الأوروبية بما يخدم المصالحة الوطنية والمشروع الوطني الفلسطيني ، خصوصا أن القرار سيشجع الأوروبيين على خطوات إيجابية أخرى تجاه حركة كسلطة حاكمة في قطاع غزة. نعم القرار يشجع ويفتح الطريق أمام حركة حماس أن تكون مشاركا أساسيا في النظام السياسي الفلسطيني أو في الدولة الفلسطينية التي يدعمها الأوروبيون وهذا شيء إيجابي ومن حق حماس أن تكون شريكا مهما في المشروع الوطني والنظام السياسي سواء كان هذا النظام السياسي سلطة وطنية أو دولة ، ولكن نرجو أن لا يدفعها القرار لتلعب لعبة البديل لمنظمة التحرير الفلسطينية ، وخصوصا في هذا الوقت بالذات حيث تسعى بعض الأطراف للعب في الساحة الفلسطينية كما يلعبون في الساحة السورية والعراقية والليبية واليمنية ، في محاولة منهم لإنقاذ إسرائيل من مأزقها الداخلي وحصار العالم لها.