كان من الأجدر فلسطينياً في الذكرى الرابعة عشر لرحيل الشهيد المؤسس ياسر عرفات، الاستفادة من تجربته الثورية الفريدة وحنكته السياسية والسير على نهجه، وإجراء مراجعة سياسية شاملة، بما يتمثل بمراجعة الاستراتيجيات الفلسطينية، عبر أسئلة من نوع: أين نجحنا وأين أخفقنا؟ وأن لا تكون مجرد توصيات، بل العمل على وضع اليد على الأخطاء التي كان لها دور، بشكل أو بآخر، بتعقيد المشهد الفلسطيني، وإيصاله إلى وضعه الحالي، والخروج من الواقع واستبداله بحالة تنقلنا من ردة الفعل إلى الفعل.
تستحق تجربة الرئيس ياسر عرفات الإنصاف والتقييم، كان يمكن الاستعانة بها في هذه المرحلة الحرجة والخطيرة من تاريخ شعبنا وقضيتنا والبناء عليها، في ظلّ حالة من التردي العربي والخذلان الذي تمرّ به القضية الفلسطينية.
كان عرفات محافظاً على أن لا يقطع شعرة معاوية مع أحد من أبناء شعبه، وكان يحتوي كل تيارات شعبنا، وجميع ألوان الطيف السياسي الفلسطيني بدون تمييز، وكان الأب والأخ والصديق والإنسان والموقف، وهذا ما نفتقده اليوم.
من الصعب أن نعثر على عرفاتية جديدة، وأن نرى ما كان يفعله الزعيم، حينما يتعلق الأمر بحال الناس. وهنا أورد قصة من آلاف القصص: كان الشهيد الرئيس ياسر عرفات، يقرأ الصحيفة فشاهد مناشدة لطفل مريض وحالته حرجة جدا يدعى محمد فضل السلطان، فلم ينتظر أن يوّقع على كتاب لعلاج الطفل، وقام بالتوقيع على الصحيفة التي يقرأها مخاطبا وزير الصحة الدكتور، رياض الزعنون، بعلاج الطفل فورا، ووقع على الصحيفة أيضا، آمراً المسؤولين بتوظيف والد الطفل، حتى يوفر لهم حياة كريمة.
كان الطفل رضيعا يهدّده الموت، مصاب بمرض خطير ونادر، ويحتاج لعلاج خارج فلسطين، وخرج للعلاج بأمر الرئيس، ياسر عرفات، آنذاك. الآن هو متزوج، ويحتفظ بالصحيفة التي خطّ عليها أبو عمار قبل 22 عاما قرارات علاجه وأنقذ حياته.
هذا الاهتمام الكبير بذكرى رحيل الزعيم الخالد يعبّر عن حنين لزمن العرفاتية، زمن لم يغلق بابه فى وجه أحد، زمن لم يصل فيه الناس إلى حد الموت جوعا، زمن غصن الزيتون في يد والبندقية في اليد الأخرى، زمن الوحدة الوطنية والقرار الوطني المستقل.