تمر القضية الفلسطينية اليوم في أسوأ حالاتها، وتواجه أخطر فصول مؤامرة إلغاء هوية شعب فلسطين وتهويد وطنه التاريخي عبر صفقة القرن الأمريكية التي تقوم حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة بترجمتها إلى واقع على الأرض الفلسطينية، من خلال التنكر لوجود الشعب الفلسطيني وحقه بالحرية والاستقلال وإنهاء الاحتلال وإقامة دولته على أرض وطنه وعاصمتها القدس الشريف.
وتتجلى خطورة المؤامرة في التخلي العربي الرسمي العلني عن دعم شعب فلسطين وقيادته المتمثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية في نضاله من أجل تحقيق بعض حقوقه المشروعة التي تقلصت في إقامة دولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس وحق اللاجئين في العودة وفق قرارات الشرعية الدولية.
ووصلت المؤامرة على قضية فلسطين إلى ذروتها هذه الأيام في التطبيع العلني بين الأنظمة العربية والكيان الصهيوني دونما رد فعل شعبي عربي يذكّر حكام العرب بأن قضية فلسطين طالما تغنوا بها على أنها القضية المركزية للأمة العربية.
وللأسف أن نقول إن المواقف العربية من القضية الفلسطينية منذ وعد بلفور وسايكس بيكو قبل مائة عام وحتى اليوم لم تكن مواقف مبدئية أو صادقة، بل كانت مواقف توظيفية لتبرير القطرية العربية وتكريس التجزئة وعزل فلسطين عن محيطها، لتكون غنيمة سهلة للصهيونية لإقامة الوطن القومي لليهود وطرد أهلها منها وتشريدهم في أركان الأرض الأربعة.
ولا يستغرب المعايش للقضية الفلسطينية من تراجع مكانتها في الأولويات العربية وخذلان الأنظمة العربية، وإلى حد ما الشعوب العربية وأحزابهم الوطنية والقومية والإسلامية على مختلف توصيفاتها لشعب فلسطين ومقاومته وتطلعه للحرية والاستقلال والعيش في وطنه التاريخي بحرية وكرامة واستقلال.
ولا أدل من خذلان العرب لفلسطين على مر تاريخ فلسطين أن شعب فلسطين كان صاحب أرض فلسطين كلها، يعيش في 100% من قراها ومدنها وبواديها إلى أن حلت نكبة 1948 وهزيمة الجيوش العربية الرسمية أمام العصابات الصهيونية وطرد شعب فلسطين بمعظمه من 78% من وطنه التاريخي وتشريده في أربعة أركان الأرض، ثم جاءت نكبة 1967 ليتم احتلال كامل أرض فلسطين وتهجير قسم كبير من شعب فلسطين من الجزء المتبقي من فلسطين (الضفة الغربية)، ليلتحقوا بقوافل اللاجئين الفلسطينيين السابقين وتؤسس لهم مخيمات جديدة.
وأمام هكذا واقع، انطلقت حركة المقاومة الفلسطينية المسلحة وأنجزت في مسيرتها النضالية عدة أهداف وطنية، أهمها بعث الشخصية الوطنية الفلسطينية من جديد والتي اندثرت بعد النكبة، واعتراف العالم بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من حزيران 67 وحق العودة للاجئين وفق قرارات الشرعية الدولية.
إلا أن التفكك والصراعات التي حلت بالدول العربية والدمار الذي شمل معظم هذه الدول هيأ الأرضية لصفقة القرن، وإطلاق يد "إسرائيل" في ممارسة سياساتها العنصرية التهويدية والاجتثاثية للشعب والأرض الفلسطينية.
لقد اتسعت المشكلات التي تواجه القضية الفلسطينية والقيادة الفلسطينية وقلت إمكانية طرح الأسئلة حول مستقبل القضية، ولم يعد النفاق والرياء العربي الرسمي والشعبي يخفى على أحد، فقد فضحت زيارات نتنياهو وارنس والوفود الرياضية والثقافية الإسرائيلية والدعوات المتتالية لنتنياهو لزيارة العواصم العربية فضحت النفاق العربي وانحطاط النظام الرسمي وعمالته المجانية للولايات المتحدة و"إسرائيل"، وبات المواطن العربي لا يختلف كثيرا عن حاكمه في النفاق والجبن، فلم يعد يهتم حتى فيما يجري في بلده فكيف به يهتم بما يجري لأمته وقضاياها القومية والمصيرية؟
إن هذا الواقع المر يحمل الشعب الفلسطيني وقيادته مسؤوليات جسام في مواجهة مؤامرة في ذروتها وتتمثل أولا في التمسك بثوابتنا التي أقرها القانون الدولي كحقوق للشعب الفلسطيني، وثانيا تعزيز صمود شعبنا وتمسكه بأرضه، وثالثا التمسك بالمصالحة الوطنية كخيار استراتيجي، ورابعا الدولة الواحدة في الصفقة والقطاع وعاصمتها القدس الشرقية خيار كل الشعب الفلسطيني.
ليس قدر الشعب الفلسطيني أن يعيش تحت احتلال عنصري إسرائيلي، ورغم كل الظروف المحيطة التي تحيط بفلسطين فإن إدارة الشعب الفلسطيني صلبة وعزيمتها قوية للحفاظ على حقوقه ودحر الاحتلال عن أرضه والعيش بسلام في دولة خاصة به قابلة للحياة عاصمتها القدس أولى القبلتين وثالث الحرمين.
ونكر ليسمع العرب والمسلمون أن القدس التي احتلتها "إسرائيل" وتتخذها عاصمة لها؛ هي أولى القبلتين وثالث الحرمين وتخص العرب جميعهم والمسلمين جميعهم والمسيحين والإنسانية جمعاء، فهي مهد الديانات السماوية الثلاث وملتقى الحضارات ولا تطبيع قبل أن تعود السيادة الفلسطينية للقدس كعاصمة لدولة فلسطين، فهل تسمح الشعوب العربية والإسلامية ومحبو السلام والعدالة أن تجرِ المؤامرة على فلسطين؟
ليس أمامنا غير الصمود والصبر وقول ما قاله قائدنا الشهيد أبو عمار "يا جبل ما يهزك ريح"، فتحية له في ذكرى رحيله والخلود لكل الشهداء الأبرار.