سماح هي بطلة من بطلات فيلم أجرت تحقيقه استاذة الإعلام في جامعة بيرزيت جمان قُنيص، وأخرجه مراد نصار، ليكون أحد أفلام محاربة العنف ضد المرأة، عبر حث النساء على الخروج عن صمتهن وتحدي الجلاد لا لشيء إلا للخلاص أولا والانتصار للإنسانية أولا وأخيرا، فبأي منطق يستمر العنف والاضطهاد للنساء.
تطرق الفيلم أو التحقيق لحالات عديدة ومتنوعة الجغرافيا والواقعة حيث يعرض أشكالا شتى من العنف في مناطق مختلفة من فلسطين وخارجها لفلسطينيات تعرضن للتعنيف الجنسي والجسدي واللفظي والألسنة الطويلة التي تطال السمعة، ولم يكن ذلك التعنيف من الرجل لوحده في قصص الفيلم، وهنا تظهر علاقة الأفراد بالمجتمع والبيئة المحيطة وهذا الربط بين الحالات الفردية وطبيعة المجتمعات الذكورية هو الحبكة الناجحة في مضمون التحقيق، فمعظم الحالات المعنفة من قبل الزوج أو الأخ أو الرجل بشكل عام أيضا يرفض أقرب المحيطين بهم مثل الأم والأسرة فضح تلك الممارسات بحق بناتهم وأخواتهم والتصدي لها خشية الفضائح وعدم تصديق الرواية والمقاطعة من قبل المجتمع الضيق فالأكبر وبعض المعتقدات السائدة.
عددت جُمان في تحقيقها النماذج فكانت المرأة المهملة من قبل زوجها نموذجا قويا في التحقيق، ربما لا يرى البعض في التجاهل تعنيفاً لأنه لا يستخدم صاحبه يده ولا يضرب، لكنه في الحقيقة يوجع بنفس القدر وأكثر حيث حاولت "سماح" الانتحار جراء إهمال زوجها لها وتجاهل وجودها حتى في أشد اللحظات احتياجا له أثناء ولادتها في الغربة، فحتى في ذلك اليوم لم يبالِ ولم يذهب معها، بل وأصر أن تمر بكل مراحل المخاض حيث صادر حقها في اختيار سبل تخفف الألم الذي لا مثيل له فرفض أن تكون "حقنة الظهر" سبيلا لتسهيل الولادة، لم يتوقف تجاهل الزوج عند هذا الحد بل أيضا التعاطي معها كأنثى يكاد ينعدم فهو لا يعبر لها لا عن جمالها ولا عن أهمية وجودها بحياته، بل يتعاطى معها كوعاء لتفريغ طاقته الجنسية.
أما الحالات الأخرى فلا تقل بشاعة إن لم تزد، فكانت إحدى الضحايا تروي بحسرة حكاية تحرش حماها (والد زوجها) بها الذي كبر يوما بعد يوم دون أي تدخل من الزوج لإيقافه، وما يزيد الأمر سوءا هو لجوئها إلى أمها الذي يفترض أن تحميها بكل ما أُوتِيَت من قوة ألا إنها نصحت ابنتها بعدم التذمر والشكوى لأن أحدا لم يصدقها.
كما وكشف التحقيق النقاب عن إجبار بعض الأزواج نساءهم على فعل ما يرفضنه، ولم يهمل التحقيق الطلاق جراء الخيانة الزوجية، فإحدى حالات التحقيق بدأ زوجها بضربها وضرب أولادهما بعد اكتشافها إقامته لعلاقة مع أخرى علما أنه تزوجها بعد قصة حب جميلة، وما إن ناقشته بعلاقته بغيرها فطلقها.
"تجنبتُ المرآة لمدة 6 سنوات" هذه الجملة قالتها امرأة معنفة كرهت نفسها وحياتها إلى الحد الذي جعلها لا تحب النظر إلى المرآة.
سماح، وسراب، وآية، وأحلام كلهن ضحايا لأنواع مختلفة من العنف (القذف وتشويه السمعة، الضرب والإهانة، والإهمال والتجاهل، التحرش والاغتصاب، القمع)، ما خلق فيهن الكثير من الوجع والألم والمرض النفسي والعزلة وأحيانا الفقد والانتحار، طبعا وما خفي أعظم.
عُرِض الفيلم بقالبٍ إخراجيٍ جميل وفيه تأثيرات بصرية وحسية كبيرة، فكان في كل قصة وضحية حكاية إخراج في الصورة وفي الخلفية التي جلست أمامها الضحايا وأيضا أ.جمان من أجرت التحقيق ليجعلنا نتخيل كم الوجع في السرد، فكانت المباني المهجورة في نقاط التركيز بينما الخلفية الأكبر هي المدن الجميلة كما نراها من فوق أو كما نراها من بعد ما يشير إلى رمزية عميقة، فالصورة الجميلة ليست هي الحقيقة المجردة
وليست العلاقات كما نظنها.
واستمر إبداع المخرج طيلة الفيلم، فكانت الصور تروي الكثير من التفاصيل مع الضيوف الذين جرى اللقاء معهم من رجال دين (مسلمين، مسيحيين، ويهود) ورجل إصلاح وسيدات في مجال القضاء والحقوق وطبيب علم الأعضاء، صور الأماكن وصور المعلقات على الجدران والمجسمات هنا وهناك، وبذلك صفقت يد النص مع يد التحقيق لتخرج عملا يدعو كل النساء إلى الخروج عن صمتهن ضد العنف الممارس عليهن تحت ذرائع لا تزيد الأمر إلا سوءا، وانتهى الفيلم بتحدي الضحية لجلادها وللمجتمع واتخاذ موقف لإنهاء حالة من اللاإنسانية نحو الإنسانية بصورةٍ لتماثيل في مكان جميل طلبت فيها أ.جمان قنيص قتل تلك التماثيل في النساء، فلقد منحتهن تجربة التحدي الحياةَ من جديد وعلمتهن أن الصمت عن العنف لا يخلق إلا عنفاً أكبر، وأن مصيبتهن كانت في خوفهن من ردة الفعل المجتمعي والأسري والتي بدورها أخسرتهن سنينَ من أعمارهن وجزءا مهماً من إنسانيتهن.
"ليس المجتمع الفلسطيني بشع إلى هذا الحد" بهذه الجملة ردت أ.قنيص على من علقوا أن الحالات التي عرضها الفيلم لم تصدمهن ولم تكن غريبة عليهم، وبهذا يبقى لدينا شعاع من الأمل نحو احترام النساء وتسييدهن كنجمات تزين سماء المجتمع.