الأربعاء  27 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

خلاص العرب في الدولة المدنية والمواطنة بقلم: عدنان الصباح

2018-11-16 06:59:30 PM
خلاص العرب في الدولة المدنية والمواطنة
بقلم: عدنان الصباح
عدنان الصباح

لا وجود لقيمة دون ناسها وبالتالي فلا يجوز لعن القيمة دون لعن ناسها كان نلعن العروبة دون ان نلعن العرب او ان نلعن العرب الآخرين دون ان نلعن ذواتنا فالعروبة نحن كما هي الشهامة نحن والمروءة نحن والكرامة والعزة والقومية والوطنية والإنسانية والعدل والحق والحرية فالقيم هي من صناعة ناسها الذين يصنعونها عادة لتنظيم حياتهم وهي بديل القوانين عبر التاريخ وعند الحاجة كوسيلة طبيعية لحاجة الناس لوحدتهم عند الضرورة وتتراوح هذه الوحدة بين الأنا الأسرة حتى الأنا كأمة إنسانية مرورا بالأنا العشيرة والبلدة والدولة وبدون هذه القيم كان يستحيل على أي جماعة ان تدير شؤون حياتها وبالتالي فالأمة التي كانت تتنازل عن قيمها او تدير الظهر لها او ترفضها او تصبح في حالة تعارض معها لهذا السبب او ذاك كانت تذهب بذاتها الى الانهيار او التغير بأشكال مختلفة

لقد اعتدنا نحن العرب لعن الأسماء والمسميات والتوقف عن لعن الذوات الخاصة فقد يصرخ الفلسطيني في لحظة ضيق متسائلا عن دور العرب في نصرته ولا عنا لهم لأنهم لم يهبوا كرجل واحد من اجله ولكنه لم يسال نفسه ماذا فعل هو أيضا للعراقي حين استبيحت أرضه وماذا قدم للبلد المضيف لبنان حين اجتاحته حتى أقصاه قوات الاحتلال الصهيوني وماذا كان دوره في حرب الاستقلال الجزائرية أو غيرها.

اليوم لا احد من العرب يمكنه ان يسال هذا السؤال على الإطلاق فقد اقتتل العراقي والعراقي والسوري مع السوري واليمني مع اليمني والليبي مع الليبي ولا زالوا حتى وصل الأمر الى اقتتال الفلسطيني مع الفلسطيني فلم يبق هناك احد أحسن من غيره  ولا نموذج يحتذى فالكل في الجريمة سواء متشابهين موحدين.

كانت العروبة وحدها متهمة ولم تكن الوطنية كذلك فحين يغضب المصري من عربه وعروبته كان يعود الى فرعونيته وكان البعض في أقطار المغرب العربي يحاولون الهروب من عروبتهم الى الأمازيغية ولا تزال اللغات الأمازيغية المختلفة " تاريفيت، تاشلحيت، وتامازيغت " متداولة في المغرب والجزائر حتى اليوم وهي تعتبر اللغة الثانية بعد العربية وان كانت الفرنسية تتقدم حتى على العربية أحيانا.

لم تستطع العراق التي قدمت نفسها كبلد قائد للقومية العربية على مدى عقود ان تجعل اسمها مرادفا للعربية بل ظلت تحافظ على اسمها بدون صفة قومية كالمملكة العراقية او الجمهورية العراقية حتى حين حكمها حزب قومي عربي إلا انه أدرك استحالة صبغ الدولة رسميا بالعروبة فالأكراد والقوميات الأخرى كالتركمان والسريان وغيرهم يشكلون حوالي ربع السكان معظمهم من الأكراد وبالتالي فقد وصف دستور العراق البلاد بأنها ثنائية القومية وحتى دينيا وطائفيا فان العراق غير متجانس على الإطلاق فالشيعة يشكلون أكثر من 60% من سكان العراق مع ان هناك إحصائيات متناقضة بهذا الشأن لغياب إحصائيات رسمية فبعضها يجعل من السنة أكثر بقليل من الشيعة, وما يقصد به هنا القول ان لا شيء موحد بالكامل ولا شيء متجانس بالكامل في العالم العربي لا قوميا ولا دينيا ولا طائفيا.

انعدام التجانس في العالم العربي ليس حالة عربية فقط وكذا حالة الصراع والاقتتال التي يعيشها العرب هي أيضا ليست حالة عربية خاصة بل هي حالة إنسانية عامة تطال العالم بأسره فايطاليا كانت مقسمة وخاضت حروب طاحنة فيما بين مكوناتها وكذا فرنسا والصين والهند ومع ذلك فنحن اليوم أمام أمم موحدة ومزدهرة وقادرة على الحياة ليس لأحد ميزة على غيره وهم موحدون تحت راية الوطن والمواطنة بدستور موحد قائم على الحياة المدنية والمواطنة ولم تصل هذه الأمم الى هذا الحال اعتباطا ولا بناء على رومانسية فارغة.

فرنسا التي تعتبر نموذجا يحتذى للدولة العصرية هذه الأيام خسرت مئات الآلاف في حروبها الداخلية ففي عامي 1793 – 1794 اعدم في غرب فرنسا من 16000- 40000 معارض وخسرت فرنسا في الحرب بين الزرق والبيض او الثوار والملكيين ما بين 200000 – 400000 راحوا ضحية تلك الحروب الطاحنة ومع ذلك تقف فرنسا اليوم بلدا عصريا قويا موحدا ومتقدما على كافة الأصعدة وكل ما قامت به الأمة الفرنسية أنها وحدت مصالحها بالحياة على أساس المواطنة والغد لا الماضي والأصل ولا العرق او الجنس او الدين او الجهة كما هو لا زال حالنا.

النماذج كبيرة وكثيرة لكن اخطر هذه النماذج وأكثرها تأثيرا هو النموذج الامريكي فبعيدا عن كون الأمة الأمريكية الحالية المعترف بها لا تمت في الأصل بأي صلة الى أمريكا كأرض ووطن وان هؤلاء هم أحفاد من أبادوا الأمة الأمريكية الأصلية حد الانتهاء منها وتحويلها الى أقلية صغيرة لا حول لها ولا قوة إلا ان ما هو مثير ان اللصوص استطاعوا ان يتوحدوا على قاعدة المصلحة المشتركة والتوافق على ذلك وخلق نمط نموذج لمواطنة عصرية وحديثة باتت أمنية الجميع من الشعوب الأخرى ووصل الأمر أصبح فيه الحصول على الجنسية الأمريكية هي أمنية من لا أمنية له, ومع ان الأمة الأمريكية الحالية لم تكتفي بإبادة الأمة الأصلية بل دارت حتى بينهم حرب أهلية طاحنة وتقول إحصائيات مختلفة انه في الفترة ما بين 1861 – 1865 قتل في الحرب الأهلية الأمريكية تلك ما بين 620 – 70 ألف شخص, إلا ان هؤلاء المقتتلين تمكنوا بالنتيجة وبقوة القانون والنظام والقيم المشتركة الوصول الى بناء الدولة الحديثة وبإرادة الأمة عبر إرادة قادتها وصانعي إرادتها باتت الأمة الأمريكية التي تشبه كشكول الشحاذين والتي يصح بها القول ان " لا أمريكان في أمريكا " باتت هي الأقوى في الكون بينما صار الشباب العربي الذين يتغنون بالأصل والعرق والتاريخ والدم والمصير المشترك يحلمون فقط بالهجرة الى بلاد اللصوص هؤلاء ومشاركتهم لصوصيتهم.

النموذج الأخطر الثاني هو محاولة تكرار تجربة أمريكا في فلسطين بإقامة دولة الاحتلال الصهيوني عبر تجميع اعتباطي لناس يوحدهم دين واحد ولا علاقة لهم بالقومية فهم ينتمون الى قوميات بعدد بلدان الأرض ومع ذلك استطاعت فكرة عنصرية ان توحدهم وتنقلهم الى بلد آخر لا ينتمون له على الإطلاق وخلال قرن واحد فقط تمكن المستوطنون الغزاة من اليهود من السيطرة على وطن ليس لهم وإقامة دولة عصرية استطاعت ان تهزم امة بأسرها وأيا كانت التبريرات التي ساقها العرب او قد يسوقوها من أمثال حكاية أننا نحارب أمريكا لا إسرائيل فان كارثية الواقع تبقى قائمة عن كيف تمكن كشكول الشحاذين هذا من الانتصار على امة تباهى بتاريخ ولغة وعرق وأصول ودم وأحلام وآمال ومصير مشترك بكل بساطة وصلت بالأمة العربية ومكوناتها حد الكفر بذواتهم والوصول الى حالة من انعدام الثقة بالذات.

الأمم التي توحدت بالحروب واستطاعت ان تنتقل من عصر العرق والدين الى عصر المواطنة كفرنسا وايطاليا وألمانيا وغيرها والأمم التي وحدت أعراق وأجناس وألوان واديان مختلفة بل ومتحاربة أحيانا كالهند والصين وغيرها والأمم او الشعوب المصطنعة كالولايات المتحدة الأمريكية والكيانات العسكرية العنصرية المفبركة كإسرائيل لم يتمكنوا من الوصول الى ما هم به إلا بتوحيد المصلحة وإدراكها عبر توحيد النظم والقوانين والامتثال لإرادة الكل الموحد على قاعدة المواطنة والدولة المدنية وفيما عدا ذلك فان الغناء والتغني عن الأصل والأجداد والتاريخ والدم الواحد والمصير الواحد بالشعارات والأغاني فقط لن يصل بأي امة الى أي تطور على الإطلاق وفي المقدمة الأمة العربية او التي تدعي كذلك دون ان تعير أي اهتمام للقوميات الأخرى التي تشاركها الوطن حقا وحياة والى ان نعترف بان المواطنة والدولة المدنية هي الأساس مستفيدين من الحروب الأهلية المتفرقة التي سادت الحال العربي في العقد الأخير فإننا سنبقى في آخر ذيل الأمم الى الأبد.

ينبغي للعرب وشركائهم في بلادهم من غير العرب كالأكراد والأمازيق وغيرهم ان يدركوا أولا ان لا فضل لأحد على احد وان الوطن للجميع على قدم المساواة على قاعدة المواطنة والدولة المدنية وان المصلحة المشتركة والحقيقية بالغد هي أساس الالتقاء للجميع وعلى قاعدة الوطن لا العرق ولا الجنس ولا الدين ولا الطائفة وذلك لن يتأتى إلا باستعادة الثورة من أصولها ضد النظم الديكتاتورية او العنصرية والانتصار على كل النظم البالية والاعتراف بعصرنة الدولة والشعب وإعادة تثقيف الأجيال بذلك عبر دساتير وقوانين ونظم عصرية ديمقراطية حقيقية وواضحة لا لبس فيها  تساوي بين المواطنين وتطلق الحريات بكل أشكالها حد الإبداع وتعميق الانتماء لوطن لك تحميه ويحميك لا وطن لغيرك تخونه ويقتلك وهذا وحده الطريق القادر على الانتصار على نظام القطيع الذي نعيش تحت سيطرة وسطوة وظلم الحكام الذين لا ينتمون لوطنهم ولا لمواطنتهم وبالتالي فهم أجراء لا سادة يديرون شركات لصالح غيرهم لا أوطان لصالح شعوبهم ويمثلون الغرباء ويعتقدون ان وجودهم مرهون بإرادة الغريب وقوته لا بإرادة شعوبهم وأمتهم ويعتمدون في مواصلة حكمهم على خدمة الغير لا على التشارك في تمثيل وحماية حقوق الشعب الذي يحكمون بإرادة جماعية واحدة موحدة.