كلما مر بنا الوقت، كلما اكتشفنا العديد من القضايا التي يمكن وصفها بالقضايا المسكوت عنها، وذلك لأسبابٍ تتمحورُ في أغلبِ الوقتِ حولَ الموضوعِ الاجتماعي وحساسيتهِ من منظورٍ عشائري تقليدي، فيما الحقيقةُ التي لم نتطرق لها بشكلٍ واضحٍ وصريحٍ تقول: إن معظمَ هذه المشكلات مردها الأساس هو البعدُ السياسي وليس الاجتماعي كما نظن.
نعم قد يكون العنفُ سلوكاً إنسانياً موجوداً منذُ بَدءِ الخليقة، تفاعلَ ولا يزالُ مع الأحداثِ والمشكلاتِ الاجتماعيةِ التي تفرزُها إيقاعاتُ الحياةِ المدنيةِ والحضريةِ والصناعيةِ على حدٍ سواء.. إلا أنهُ وفي مراحلَ تاريخية بعينها يأخذُ بالتصاعدِ حدَّ إيذاءِ الفردِ للجمع، بوصفهِ إنكارٌ للآخر كقيمةٍ متماثلةٍ لـ الأنا في مقابلِ الـ النَّحن، وكذا ينسحبُ الأمرُ على المتسلطِ الجمعي؛ حينما تقومُ مجموعةٌ بشريةٌ بعينها، ذاتَ خصائصَ مشتركة، باستخدامِ العنفِ والقوة، وسيلةً من وسائلِ تحقيقِ تطلعاتِها الخاصة، أو تطبيقاً لأفكارِها وسياساتِها.
والعنفُ بوصفهِ ظاهرةً فرديةً أو مجتمعية، هو تعبيرٌ عن خللٍ ما في سياقِ الجمع، سواءً أكان عنفاً نفسياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً أو سياسياً.
هنا حيث تتعددُ الأسبابُ وتتعاظمُ النتائج، نجدُ رجلاً يعتدي على زوجتهِ بسكين، وآخرَ بالرصاص، وما بينهما يقومُ فتاً بطعنِ صديقه، وطالباً بالتهجمِ على معلمه، ومواطناً على الشرطي، والشرطي على المواطن، والزميلُ على زميلهِ والجارُ على جاره وهكذا دواليك حتى أصبحنا وكأننا نُعظمُ من قانونِ الغابِ على حسابِ قانونِ الرحمةِ والتأخي والشراكة. ليبقى السؤالُ يجرُ السؤالَ: أين وكيف ولماذا؟
أين نحن والأسبابُ "الدينية" ما بين مزدوجين تُجابهُ الأفكارَ السياسية؟ وكيف وهذه وتلك لا تزالُ تصارعُ الأسبابُ الاقتصاديةِ والاجتماعيةِ تحتَ نيرِ الاحتلال؟ ولماذا وتعريفُ الضحيةِ في المعنى "السيكولوجي" أو النفسي لا يميزُ بين الغالبِ والمغلوب؟
أهو الانغلاقُ الفكري أم القهرُ المجتمعي أم الظلمُ السياسي أم كلُ ما ذكر مجتمِعاً، السببُ الرئيس فيما وصلنا إليه؟
من جهة أخرى يحق لنا القول: إن السلوكيات الاجتماعية السّلبية، الفردية منها والجمعية في مجتمعاتنا العربيةِ، كالاتّجارِ بالمخدرات، والسّرقةِ، والقتلِ، وارتفاعِ منسوبِ الجريمةِ بشكلٍ عامٍ والأهم اختفاءُ أو تدني مفاهيم القيمِ الاجتماعية، هي ظواهرَ باتت تعلبُ دوراً مؤثراً في الحياةِ العامة والخاصة معاً.
وبالتزامنِ مع ذلك أخذَ القانونُ العشائريّ مساحةً أوسعَ مما يجب، جعلته بشكلٍ أو بآخرَ يعلو على دورِ وسيادةِ دولة القانون التي تعدّ مفاهيمها واحدةً من أهمّ أشكالِ وأدواتِ الدولةِ الحديثة بكلّ ما تحمل الحدّاثة من معنى.
وبين مفهومِ دولةِ القانون، وقانونِ العشائرِ تقعُ الكثير من المشاكل التي وجب أن نتوقف أمامها بعمقٍ لنطرحَ عديدَ الأسئلة المشروعة كأن نقول:
ما هي الأسبابُ الاجتماعية لارتفاعِ منسوبِ الجريمة بشكلٍ عام في مجتمعنا؟ وما الذي أوصلنا لهذا المكان؟
أين نحن من مفهومِ دولة القانون في بيئة عشائريةٍ بطبعها وطبيعتها؟
ما هي مفاهيمُ دولة القانون التي نريد؟ ولماذا يشعر المواطنُ بأنَّ قانون العشائرِ أخذ من الدورِ الطبيعيِّ والمفترض لسيادة القانونِ المدني؟ وهنا يأتي السؤال مفتاح السر في كل ما ذكر أعلاه: هل من إشكالٍ حقيقي بين تطبيقِ سيادةِ القانون، وسطوةِ قانونِ العشائر؟ والأهم ما علاقةُ العنفِ الاجتماعي بالعنفِ السياسي؟ خاصةً ونحن ندورُ في فلكِ هذا الأخير منذُ ما يزيد عن عقدٍ من الزمن.
أخيراً، إن وجدنا إجاباتٍ شافيةٍ عن مجملِ هذه الأسئلة المشروعة، حتما سنتمكنُ حينها من إيجادِ صيغٍ مقبولةٍ لحلِ العديدِ من مشاكِلنا الاجتماعية ذاتَ الابعادِ السياسية.