ولي العهد الأمير محمد بن سلمان هو "معشوقة" وسائل الإعلام العالمية الرئيسة التي يدعوه الكثير منها، تحبباً، بذكر الأحرف الأولى من اسمه: MBS. كثيرا ما يذكر الرجل القوي الجديد في المملكة الحاجة إلى إصلاح المملكة العربية السعودية وتحديثها، اجتماعيا واقتصاديا. هل يمكن ل م ب س (محمد بن سلمان) السير قدماً في مشروعة المثير؟ إن هجوم ولي العهد الساحر هو، على الأقل جزئيا، وسيلة للتغطية على محاولته الفاشلة لتخويف دولة قطر ودفعها الى النكوص والتراجع في حزيران الماضي. ولكن ماذا يمكن أن تكون نواياه الأخرى بجانب إطلاق ساتر دخاني لإخفاء ما قام به من ممارسة فاشلة للقوة ضد قطر؟
نبدا بالقول إن كل ما يستخدم لوصف المحاولة الخجولة للتغيير في المملكة العربية السعودية بأنها "ثورة ثقافية"، مثلما تفعل معظم الصحف في الغرب، هو محض خداع. الإصلاحان المهمان الوحيدان اللذان دفع بهما ولي العهد حتى الآن هما الرفع الرمزي إلى حد كبير للحظر المفروض على قيادة النساء، والحد بشكل طفيف من قوة الشرطة الدينية التي فقدت سلطة القبض على الأشخاص بشكل مباشر. وبغض النظر عن النوايا الناقصة للإصلاح، فإن المملكة العربية السعودية ملكية مطلقة، يحكمها فعلياً ولي العهد الذي توجد بيديه كل عناصر القوة تقريبا، بعد الاانقلاب في القصر. وما تزال المملكة العربية السعودية نظاما استبداديا، حيث يتم حظر دور السينما والمسارح والكحول، وحيث يتم الفصل بين الرجال والنساء ان لم يكونوا اقارب. وهي بلد يبلغ عدد سكانه 33 مليون نسمة يمارس على نطاق واسع القمع القديم المتصل بفصل الناس على أساس النوع الاجتماعي. وهناك حالة كبت اجتماعي تتم بإشراف المحافظين المتشددين من رجال الدين الوهابيين في مجتمع 55% من سكانه تحت سن 25، وتبلغ نسبة البطالة فيه 35%..
"سوف أنقل المملكة الى الاسلام المعتدل،" يقول ابن سلمان في مقابلة حديثة، ولكن هذا غير دقيق تاريخياً، لأن الايديولوجية عمود السند لآل سعود كانت وما تزال الوهابية
يجدر بنا ان نقتبس محمد بن سلمان حرفياً لنرى مجافاته للحقائق:
"إننا ببساطة نعود الى ما كنا عليه سابقاً، اسلام منفتح على العالم والديانات أجمع. ما حصل في الثلاثين سنة الأخيرة ليس هو العربية السعودية. وما حصل في الثلاثين سنة الأخيرة ليس هو الشرق الأوسط. بعد ثورة ايران 1979 اراد الناس ان يستنسخوا هذا النموذج في دول مختلفة. إحداها السعودية. لم نعرف كيف نتصرف حيال ذلك، وانتشرت المشكلة في العالم كله. لقد حان الوقت للتخلص من تلك الظاهرة."
تبدو محاولة ابن سلمان للوم الثورة الايرانية فيما يتصل بمشاكل المنطقة وما يتصل بنهوض الاسلام السياسي شبيهة على نحو مثير للسخرية بالدعاية الأمريكية ضد الشيوعية اثناء الحرب الباردة المستندة الى نظرية الدومينو حيث يتوقع ان تسقط الدول فريسة للشيوعية واحدة بعد الاخرى ان لم تتدخل الولايات المتحدة لحمايتها.
لكن رأي الأمير يدغدغ مشاعر الغرب بكل تأكيد، وخاصة الولايات المتحدة المنغمسة في سياق تجدد المشاعر المعادية لإيران، لكنه غير دقيق تاريخيا وجيوسياسيا. والواقع أن الملك فيصل بن عبد العزيز، الذي حكم المملكة العربية السعودية في الفترة من 1964 إلى 1975، وضع سياسات التحديث والإصلاحات، بما في ذلك الإلغاء الرسمي للعبودية، وقام بخطوات في اتجاه التسامح الدني ، وأدخل البث التلفزيوني. وقد ادى ذلك الجهد من قبل فيصل لإصلاح المملكة العربية السعودية الى اغتياله، على يد ابن أخيه، نيابة عن الوهابيين المحافظين المتشددين.
لذلك، فإن الانحدار الاجتماعي في المملكة العربية السعودية جاء قبل أربع سنوات من الثورة الإيرانية. ولم يكن بسببها، بل بسبب بعض القوى والصراعات الأيديولوجية داخل المملكة. وبعد مرور اثنين وأربعين عاما، ما تزال بعض هذه القوى تمارس دورها. وقد أدى توطيد زعامة ابن سلمان مؤخرا بثمن قاس داخل الأسرة المالكة إلى صراع شديد داخل البيت الحاكم نفسه. ويجب أن يكون مصير الملك فيصل حكاية فيها العبرة لولي العهد الشاب الذي أزعج التوازن التقليدي الحساس للسلطة داخل الأسرة نفسها.
إن مفهوم الإسلام الأصلي المعتدل في المملكة العربية السعودية هو مغالطة. في الشرق الأوسط، يوجد الإسلام المعتدل في لبنان، ولكن ليس في الخليج بالتأكيد. والعائلة الحاكمة في السعودية لن تنجو في حال وقوع ثورة حقيقية سواء أكانت ثقافية أم اجتماعية. ومثلما هو الحال مع أي ديانات أصولية تدعم السلطة المطلقة، فإن وظيفة الإيمان الوهابي هي السيطرة على أيديولوجية السكان وجميع سلوكياتهم الاجتماعية. بدون الوهابية ورجال الدين، سيكون بيت آل سعود بيتا من ورق.
هناك انفصام بين ما يقوله السعوديون وما يفعلونه حقا. منذ أكثر من 40 عاما، مولوا الجهاديين وبنوا المساجد التي يديرها رجال الدين الأصوليين في جميع أنحاء العالم. وبقيامها بذلك، كانت السعودية داعما رئيسيا للإرهاب، إلى جانب قطر. وما لم يعترفوا بهذه الأنشطة، ويشجبوها ويوقفوها، فإنني لا أرى إمكانية حدوث أي تحول. في المملكة العربية السعودية، ما لم يتوقف رجال الدين الأصوليين عن إدارة كل شيء في الحياة اليومية، من المناهج الدراسية في المدارس إلى قوانين النظام العام، مثل قوانين اللباس القمعية، لا شيء يمكن أن يتغير. ويكمن النفاق الحالي في ذلك: فبدون دعم رجال الدين المتشددين، يمكن أن يصبح النظام الملكي المطلق الاستبداد موضع التساؤل، ومع الأخذ في الاعتبار الضغوط الديموغرافية وعدم المساواة، فإن ذلك النظام سينهار في نهاية المطاف.
أما الحديث السامي عن الثورة الاجتماعية فهو إلى حد كبير ستار من الدخان. القصة الحقيقية يمكن أن تكون أكثر ارتباطاً بالسعي المبتذل وراء المال: محمد بن سلمان يخلق السراب عن مجتمع مفتوح في المستقبل بغرض جذب المستثمرين الدوليين. ويحاول ولي العهد جمع الأموال لمشروع بقيمة 500 مليار دولار أمريكي يضم المملكة العربية السعودية ومصر والأردن. ويعد هذا المشروع الكبير عبارة عن جسر عملاق عبر البحر الأحمر بين المملكة العربية السعودية ومصر، فضلا عن منطقة تنمية حضرية ضخمة مستوحاة من دبي.
لكن هناك محاذير فيما يتعلق بهذه المنطقة الاقتصادية للبحر الأحمر، التي من المفترض أن تكتمل بحلول عام 2025: صندوق الثروة السيادية في المملكة العربية السعودية، وهو الداعم الرئيس للخطة، استنفد على مدى سنوات بسبب سوء الإدارة ومشتريات الأسلحة الضخمة والمجهود الحربي في اليمن، فضلا عن انخفاض أسعار النفط. ويوجد لدى الصندوق حاليا 230 مليار دولار؛ لذلك يخطط محمد بن سلمان لطرح أولي في عام 2018 فيما يخص أرامكو السعودية، أكبر شركة في العالم تسيطر على جميع أصول النفط في المملكة. ويعتزم بن سلمان بيع 5 في المئة من شركة أرامكو، التي من المتوقع أن تعود عليه بعدة مئات من مليارات. نقول بسخرية ولكن بموضوعية، إن اقتراح هذا الاكتتاب العام على جوهرة تاج المملكة قد أسال لعاب كبار المستثمرين في جميع أنحاء العالم. وهذا الانخفاض في السيادة المالية، الذي قد يتعمق مع الوقت من ناحية النسبة المئوية، يمكن أن يكون بداية النهاية لبيت آل سعود.