الحدث /خاص:
يكشف فحص القرارات الصادر عن مجلس الوزراء بخصوص الشراء المباشر وتحدید الاحتياجات والسلع المطلوب شراؤھا، أن الكثير من ھذه المشتريات لا تقع ضمن الشروط والمحددات التي نصت علیھا المادة 28 من القرار بقانون الشراء العام رقم 8 لسنة 2014 والذي أصبح نافذا بصيغته الجديدة، والذي أقرّ بتاريخ 28/6/2016، والمادة 106 من لائحته التنفیذیة، فھي تتعلق في الكثير من الحالات بسلع متوفرة لدى أكثر من مصدر، ولا تأتي في إطار المواد التكميلية، أو في ظل حالات الطوارئ أو الكوارث الطبیعیة التي یشیر إليها القانون، كما ھو الحال في شراء الخدمات الفندقية من قبل المجلس الأعلى للشباب والرياضة وشراء الاشتال والبذار العلفية من قبل وزارة الزراعة، وطباعة الكتب المدرسية في وزارة التربیة والتعلیم العالي، وھو ما یمس بالأھداف التي سعى القانون إلى تحقیقھا وفي مقدمتھا ترشيد النفقات وتعزيز المنافسة العادلة وإتاحة فرص متكافئة ومعاملة عادلة لجميع المنافسين، وفي ذلك أيضا مس واضح بمبادئ الشفافية وقيم النزاھة في عمليات الشراء العام.
وسعت بعض المؤسسات العامة ومنذ تفعيل القرار بقانون الشراء العام للحصول على قرار من الرئيس مباشرة من أجل استثنائھا من تطبیق القانون وشراء احتیاجاتھا عبر التعاقد المباشر ودون سقوف محددة لعمليات الشراء. كما تقوم مؤسسات أخرى بعمليات شراء مباشرة دون اتباع طرق الشراء القانونیة.
ويؤكد الباحث د. أحمد أبو دية أن بعض المؤسسات والھیئات العامة التي تخضع لأحكام القانون تسعى بوسائل متعددة لاستثناء نفسھا من تطبيقه وبشكل مخالف للقانون قبیل اعتماد أنظمة خاصة للشراء (مثل حالة صندوق النفقة، ومحافظة الخلیل)، أو محاولة الحصول على قرار من الرئیس باستثنائھا من تطبيق القانون والموافقة على اعتماد الشراء المباشر لاحتیاجاتھا، (كحالة مؤسسة الإذاعة والتلفزيون) أو الاستمرار بتطبيق بعض أحكام القوانين السابقة التي ألغيت بموجب قرار بقانون الشراء العام وھي (قانون اللوازم العامة، وقانون العطاءات العامة) وذلك في إطار التھرب من الإجراءات والقيود التنظیمیة التي یضعھا القانون الجدید على عمليات الشراء العام، بالرغم من أن القرار بقانون الشراء العام قد حصر الحالات المستثناة من تطبيق أحكام القانون بشكل واضح).
وقال: (إن عملیات الشراء المباشر لا زالت تجري على نطاق واسع من قبل العديد من الوزارات والمؤسسات العامة ومن خلال قرارات صادرة من مجلس الوزراء وبمبالغ مالیة كبیرة تصل إلى ملایین الشواقل، (كما ھو الحال في وزارة الصحة ووزارة الزراعة ووزارة التربیة والتعلیم العالي)، وذلك بالرغم من سعي القرار بقانون الشراء العام واللائحة التنفیذیة له إلى حصر عمليات الشراء المباشر في أضيق حدود وضمن شروط مشددة).
واقع استخدام الوزارات والمؤسسات العامة للاستثناءات في عمليات الشراء العام
وبعد مراجعة قرارات مجلس الوزراء المنشورة في الوقائع الفلسطینیة والمتعلقة بمنح الإذن بالشراء المباشر للوزارات والمؤسسات العامة وذلك خلال الفترة من تاریخ 28/6/2016 وھو تاریخ تفعیل القرار بقانون الشراء العام وحتى نھایة شھر شباط 2018، وكذلك مجلس الوزراء ودائرة العطاءات المركزية في وزارة الأشغال العامة والإسكان، ومدیریة اللوازم العامة في وزارة المالیة، تبين وجود مجموعة كبيرة من قرارات وعملیات الشراء المباشر والمتمثلة بـ:
1. قرار مجلس الوزراء رقم 34 لسنة 2016 بتاريخ 9/8/2016 بشأن شراء طعم الحجاج والمصل الخاص بالأفاعي، حیث جاء القرار بناء على تنسيب من وزير الصحة وتضمن الموافقة على الشراء المباشر لطعم السحايا الرباعي الخاص بتطعيم الحجاج بمبلغ قدره 150 ألف دولار، والموافقة على الشراء المباشر للمصل الخاص بالأفاعي الفلسطینیة بمبلغ قدره 20 ألف دولار.
2. قرار مجلس الوزراء رقم 38 لسنة 2016 بتاريخ 16/8/2016 بالتعاقد المباشر مع مطابع لطباعة الكتب المدرسية، حیث جاء القرار بناء على تنسيب من وزير التربیة والتعلیم العالي وتضمن التعاقد المباشر لطباعة الكتب المدرسية للصف الأول حتى الصف الرابع الأساسي، والصف الثاني عشر "التوجیھي" بتكلفة تقديرية (18,5 مليون شیقل)، على أن تلتزم المطابع بتقديم الفواتير الضریبیة حسب الأصول.
3. قرار مجلس الوزراء رقم 66 لسنة 2016 بتاریخ 18/10/2016 بالتعاقد المباشر لتشغیل الشبكة الحكومیة N.P.V ،حیث جاء القرار بناء على تنسيب من وزیر المالیة والتخطيط ووزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وتضمن التعاقد المباشر مع شركة الاتصالات الفلسطینیة لتشغیل الشبكة الحكومية V.P.N والإنترنت، ضمن خصم 40% من قيمة الفاتورة الشھریة الحالية، وتكليف وزارة المالية والتخطيط ووزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بتنظيم الاتفاقية الخاصة بالشبكة الحكومية وتوقیعھا لمدة خمس سنوات حسب الأصول.
4. قرار مجلس الوزراء رقم 15 لسنة 2017 بتاریخ 7/2/2017 ،بالتعاقد والشراء المباشر لصيانة محركات ومضخات مياه الضفة الغربیة، وجاء القرار بناء على تنسيب من رئيس سلطة المياه، وتضمن الموافقة على التعاقد والشراء المباشر لصیانة محركات ومضخات دائرة میاه الضفة الغربیة من موازنة سلطة المیاه لسنة 2017.
5. قرار مجلس الوزراء رقم 11 /144/17/2017 بالتعاقد المباشر لشراء خدمات فندقية لاستضافة بطولة كأس آسیا للسیدات بقيمة 120 ألف دولار بناء على تنسيب رئیس المجلس الأعلى للشباب والرياضة.
6. قرار مجلس الوزراء رقم 7/164/17/2017 بالتعاقد المباشر لشراء معدات خاصة بالأمانة العامة لمجلس الوزراء (فیدیو كونفرنس بقيمة 6 آلاف دولار، ومقصات كھربائیة بقيمة 24 ألف شيقل).
7. قرار مجلس الوزراء رقم 6/170/17 /2017 بصرف مبالغ لعدد من الجمعيات الخيرية لشراء أجھزة مساندة، بناء على تنسيب من وزير التنمية الاجتماعية.
8. قرار مجلس الوزراء رقم 10/178/17/2017 بالتعاقد المباشر لشراء البذور العلفیة المقاومة للجفاف لدعم الثروة الحیوانیة بقيمة 500 ألف شیقل، بناء على تنسیب وزیر الزراعة.
9. قرار مجلس الوزراء رقم 8/183/17/2017 بالتعاقد المباشر لزیارة أھالي الأسرى الثانیة لأبنائھم في سجون الاحتلال بمبلغ 40 ألف دولار شھریا بناء على تنسيب وزير الأسرى والاتفاقية الموقعة مع الصلیب الأحمر الدولي.
10. قرار مجلس الوزراء رقم 9/188/17/2018 بالتعاقد المباشر لشراء مضخات لدائرة میاه الضفة الغربیة من موازنة سلطة المیاه وبناء على تنسیب رئیس سلطة المیاه.
11. قرار مجلس الوزراء رقم 5/186/17/2018 بالتعاقد المباشر لصیانة برنامج "جیمول" الخاص بتحديد الإحداثيات/ عقد صيانة سنوي، بتكلفة 704.64 ألف دولار بناء على تنسيب وزیر الحكم المحلي.
12. مجموعة من عملیات الشراء المباشر التي تمت من خلال المدیریة العامة للوازم في وزارة المالیة في عام 2017 لصالح وزارة الصحة بناء على قرارات من مجلس الوزراء وھي عبارة عن أجھزة طبیة (شراء تیوب لصالح مستشفى رفیدیا وآخر لمستشفى بيت جالا بقيمة 360 ألف دولار، وشراء أجھزة "ستي سكان" بقیمة 576.1 ملیون شیقل، وصیانة جهاز الرنین المغناطیسی في مجمع فلسطین الطبي بقيمة 800.382 ألف شیقل).
13. مجموعة من عملیات الشراء المباشر التي تمت من خلال المدیریة العامة للوازم في وزارة المالیة في عام 2017 لصالح وزارة الزراعة بناء على قرارات من مجلس الوزراء (شراء لقاحات بقیمة 495.439 الف شیكل، وشراء كواشف وأجھزة مخبرية بقیمة 72.240 ألف شیقل).
ویضاف إلى ما تقدم من استثناءات بالتعاقد المباشر عملیات الشراء المباشر التي یتیحھا القانون ضمن السقوف المالیة المحددة والتي تتمثل بـ 3 آلاف دولار للوازم و 5 آلاف دولار للأشغال العامة كما یمكن شراء خدمات استشارية دون الإعلان عن طلب التعبیر عن الاھتمام بسقف 100 ألف دولار.
ويقول د. أبو دية: (إن فحص القرارات الصادرة عن مجلس الوزراء بخصوص الشراء المباشر وتحديد الاحتياجات والسلع المطلوب شراؤھا؛ یظھر أن الكثير من ھذه المشتريات لا تقع ضمن الشروط والمحددات التي نصت علیھا المادة 28 من القانون والمادة 106 من لائحته التنفیذیة، فھي تتعلق في الكثير من الحالات بسلع متوفرة لدى أكثر من مصدر، ولا تأتي في إطار المواد التكميلية، أو في ظل حالات الطوارئ أو الكوارث الطبیعیة كما یشیر ذلك القانون، كما ھو الحال في شراء الخدمات الفندقية من قبل مجلس الأعلى للشباب والرياضة وشراء الاشتال والبذار العلفية من قبل وزارة الزراعة، وطباعة الكتب المدرسية في وزارة التربیة والتعلیم العالي، وھو ما یمس بالأھداف التي سعى القانون إلى تحقیقھا وفي مقدمتھا ترشيد النفقات وتعزيز المنافسة العادلة وإتاحة فرص متكافئة و معاملة عادلة لجميع المناقصين، وفي ذلك أيضا مس واضح بمبادئ الشفافية وقيم النزاھة في عمليات الشراء العام).
تفعیل المجلس الأعلى لسیاسات الشراء والقرار بقانون الشراء العام
ويرى د. أبو دية أن حل المشكلة يتطلب ضرورة العمل على إزالة كافة العوائق أو التحفظات التي تحول دون تفعيل القرار بقانون الشراء العام، خاصة فیما یتعلق باستكمال البناء المؤسسي والوظيفي للمجلس الأعلى لسياسات الشراء العام، خاصة وأن القانون أصبح نافذا منذ عام 2016، إضافة إلى قیام مجلس الوزراء بمخاطبة كافة الوزارات والمؤسسات العامة الخاضعة للقانون من أجل الالتزام بأحكامه ووقف منح أي استثناء لأي جھة من الخضوع لأحكام قانون الشراء العام وتحت أي مبرر، وقیام ديوان الرقابة العامة وإلى حین تفعیل المجلس الأعلى لسياسات الشراء بمضاعفة جھوده الرقابة على الوزارات والمؤسسات العامة لفحص مدى التزامھا بأحكام قانون الشراء العام، إلى جانب أھمیة تشدد مجلس الوزراء في منح الاستثناءات للشراء المباشر وحصرھا في أضيق الحدود وضمن الشروط والمحددات التي نص علیھا قانون الشراء العام، وضرورة إحالة كل قرارات الشراء المباشر الصادرة عن مجلس الوزراء إلى الجھة المشترية ومدیریة اللوازم العامة في وزارة المالية ودائرة العطاءات المركزية في وزارة الأشغال العامة والإسكان لتنفیذ عملیات الشراء المطلوبة باعتبارھا الجھات المختصة في ھذا المجال.
إقرار رسمي بوجود استثناءات للشراء المباشر
فيما أقر المهندس هشام سلامة – عضو الإدارة العامة في مجلس الشراء العام، بوجود استثناءات خلال الفترة الماضية وقال: (كان هناك استثناءات على القانون، إلا أن مجلس الوزراء أصدر منذ حوالي 3 أشهر قرارا يمنع بموجبه أي جهة حكومية التقدم بطلب للشراء المباشر دون عودتها ورجوعها إلى المجلس الأعلى للشراء، كما وأقر بوجود إشكاليات حالت دون تفعيل مجلس الشراء سببها ليس في المجلس وإنما في مقاومة تطبيق القانون).
وتابع: (وافقنا في المجلس الأعلى على طلب واحد فقط من بين 10 طلبات تلقيناها، والطلبات الأخرى أوجدنا لها حلولا خلاقة، ومن ناحية ثانية فإن المجلس وعبر نافذته الموحدة الإلكترونية أعلن جاهزيته منذ سنة ونصف لاستقبال طلبات المؤسسات للشراء العام).
ويؤكد سلامة، مقاومة تطبيق قانون الشراء العام لأنه يمس مصالحهم، وقال (من المؤكد هناك من يستفيد من عدم تطبيقه لذلك فهم يقاومون تطبيقه، وبالتالي فإن البوابة الموحدة التي تم تطبيقها منذ سنة ونصف ولكن الوزارتين الوحيدتين اللتين التزمتا بها هما الأشغال العامة والتربية والتعليم وباقي المؤسسات حاولنا جهدنا معها، حيث خاطبنا كل الوزارات والمؤسسات الحكومية وزودناها بالعنوان الإلكتروني ورقم الاستخدام السري الذي يمكنها من الولوج للبوابة واستخدامها لتقديم المناقصة للشراء والتي يجب أن تكون عبرها فقط وأي مناقصة للشراء تتم خارجها تعتبر غير قانونية ويمكن الطعن بها).
تعديل المناهج سببه تأخير إعلان عطاء الكتب المدرسية
ويبرر محمد القاروط - مدير دائرة العطاءات والمشتريات في وزارة التربية والتعليم العالي، لجوء الوزارة إلى الشراء المباشر دون الإعلان عن عطاء، والاكتفاء باستدراج عروض أسعار بقوله: (إن تعديل المناهج كان له الأثر في تأخير إعلان عطاء الكتب المدرسية من الصف الأول ولغاية الثانوية العامة، وجاء الاستثناء بطلب من وزير التربية والتعليم إلى رئاسة الوزراء، حيث تم إرسال طلب استدراج أسعار إلى سبع مطابع، وعليه تم تجزئة العطاء مناطقيا إلى الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، وتمت الترسية بغضون أسبوع بدل 60 يوما كما المعتاد).
وأشار إلى أن عطاء الكتب المدرسية ينقسم إلى قسمين وإلا لكانت تكلفته حوالي 20 مليون شيقل، أما عن سبب اللجوء إلى الشراء المباشر، فقال: (كان هناك طلب بخصوص تعديل المناهج وتغييرها لكافة المراحل من الصف الأول أساسي لغاية الثانوية العامة، وإجراء التعديل على الكتب المدرسية وطباعتها يتطلب من 3 – 4 أشهر، بينما جاء القرار في شهر آذار، وحلت نهاية شهر تموز والكتب لم تكن جاهزة، ومن هنا فلا مجال لطرح عطاء يحتاج إلى 60 يوما، لذا أعددنا قوائم أسعار وزعناها على 7 مطابع في الضفة والقدس وغزة وتم تشكيل لجنة الشراء لتبت في الأمر في غضون أسبوع واحد).
حالة من عدم الوعي الكامل بتفاصيل قانون الشراء
بينما انتقد عبد الله العلي - رئيس وحدة الرقابة والتدقيق الداخلي في ديوان الرقابة الإدارية والمالية، حالات استغلال الاستثناء، بالرغم من أن هناك بند الطوارئ في القانون والذي تم تحديده بشروط ومعايير تجيز الشراء بالاستثناء لضيق الوقت، ولكن لأن القانون غير واضح فيما يعنيه بالطوارئ ما يجعل البعض يعتبرون كل شيء طوارئ، عدا عن لجوء بعض المؤسسات إلى الرئيس مطالبة باستثنائها من القانون وهناك وثائق تؤكد حصول عدد من المؤسسات على موافقة الرئيس باستثنائها من أحكام قانون الشراء العام، وهذه مشكلة، لأنها مخالفة للقانون.
وأكد العلي، على وجود حالة من عدم الوعي الكامل بتفاصيل قانون الشراء الذي بالأساس يعاني من فجوات لم يعالجها، ولذا يجب أن تعقد لجنة للبت وحل الفجوات التي يعانيها.
كلما ازدادت عمليات الاستثناء والشراء المباشر كلما انتشرت فيها فرص وجود فساد بشكل أكبر
في حين يقول مجدي أبو زيد - المدير التنفيذي للائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان): (إن أحد أهم الأماكن وأكثرها حساسية التي فيها فرصا كبيرة للفساد هي عمليات الاستثناء والشراء المباشر، وكلما ازدادت كلما انتشرت فيها فرص وجود فساد بشكل أكبر، ولا يمكن تفسير أو تبرير الحالات الاستثنائية كشراء غرف فندقية وطباعة كتب مدرسية، ولا يمكن أن يكون هناك إعاقة لتنفيذ قانون الشراء العام تتعلق أو تزيد الاستثناءات بالشراء المباشر، إلا أن يكون هناك من يستفيد منه.. )، محذرا من خطورة استمرار عدم تفعيل المجلس الأعلى للشراء العام وتطبيق القانون ووصفه بالوضع الخطير الذي يحتاج إلى حل فوري.