يوماً ما حدثت أكبر خيبة أمل عرفها أطفال وطني. بلا أسباب واضحة، استفاق الأطفال فوجدوا أن أحداً قد سرق الويفر الذي كانوا يعرفونه ب ( الويفر المشلح) من البقالات. من أين سيأتي الطفل ببديل! أصر البعض على تكرار السؤال عن الحلوى التي يألفون، وفي كل يوم يرد البائع "لا يوجد" فيسحب الطفل يده الصغيرة عن طاولة البقال، ويغرس بحزن قطعة النصف شيكل في جيبه بخذلان ويمضي. ولأنهم كانو أطفالاً نسوا الأمر، ونسوا أن يسألوا عن السبب. مرت الأيام والسنين و اعتاد الأطفال غياب الحلوى، وراح كل شيء!
مع أن الجمعة السوداء أو ( البلاك فرايدي) عرف أمريكي يعود الى القرن التاسع عشر. أتحدى إن كنا نسمع بضجته هذه قبل عشرة أعوام! ليس هذا فحسب، شخصياً في طفولتي لم يكن مصطلح (سوبر ماركت) مالوف لدي، و كذلك مصطلح ( مول) وتعرفت على الجمعة السوداء قبل سنوات فقط بحكم عملي في المبيعات. ولأن البلاك فرايدي دخيل على الثقافة المحلية، رفض بعض المتدينين التسمية، فلا تكون الجمعة سوداء في ثقافتنا الدينية، واختاروا أن يستبدلوه بالجمعة البيضاء تماشياً مع كل محدثات الثقافة الغربية التي تصل مشوهة. سازيدكم من الشعر بيتاً، أنا من الجيل الذي افتقد (كرتونة الويفر المشلح) المستطيلة. واحتفيت مع أقراني في العمل قبل أيام حين علمت أنهم سيعيدون انتاجها! في عين الوقت أتعرض لضغوطات نفسية و عائلية لاستغل الجمعة السوداء في شراء كل ما لا أحتاج، حالي كحال المصطفين في طوابير على أبواب المتاجر اليوم.
يرتبط البلاك فرايدي بعيد الميلاد، يشتري الناس في الغرب الهدايا مستغلين التخفيض بعد يوم واحد من عيد الشكر. وقد استحدث العرف إبان الأزمة المالية الأمريكية عام ١٨٦٩ كحل للخروج من الكساد عبر التخفيضات. لا نتبادل في ثقاتنا المحلية الهدايا في عيد الميلاد، ولسنا ننتج شيئاً حتى نخشى كساده، لماذا لدينا جمعة سوداء؟
لا يخفى على أحد سطوة التحول الرأسمالي في وطننا التي بدأت ملامحها بالظهور قبل سنوات. وتغولت أكثر فأكثر بلا رحمة، حتى دخلت كل ملامح النظام الرأسمالي الى الضفة الغربية. حمى الماركات و علو المولات. شركات ومطاعم متعددة الجنسيات. بات لدينا أيضاً تسوق الكتروني و حرب بلا رحمة في سوق صغير جداً مليء بالحيتان. توسعت الفجوة أكثر فاكثر و تجلت في ميرسدس (مايباخ) تسير جنباً الى جنب مع سوبارو موديل ١٩٨٧ في شوراع أقل عرضاً من عرض السيارة الشبح! ولأن البقاء للأقوى، والديمومة للأصلح. مات الويفر المشلح.
لست عالم اقتصاد، ولكنني طفل يبحث عن جواب منذ سنوات. تباً لعلم الاقتصاد، ولطفل الرأسمال المدلل علم التسويق أيضاً. سأعلن السر الذي توصلت إليه اليوم لجميع أطفال جيلي الآن.
يا ابناء الثمانينات: الذي سرق الويفر المشلح هو (البلاك فرايدي)