ساهمت وسائل الإعلام الجديدة وتحديدا وسائط التواصل الاجتماعي في عصرنا هذا في رسم وتأطير حياة وأفكار غالبية مستخدميها، والتأثير عليهم في كثير من القضايا المطروحة سواء كانت سياسية او اقتصادية او اجتماعية او ثقافية ...الخ، وبالتالي أضحت هذه الوسائل لاعبا أساسيا في قولبة العقول ودغدغة العواطف أكثر من أي وسيلة أخرى لاسيما الاعلام التقليدي، وعند تكويننا لقناعات معينة فإننا بالغالب نفسر حقائق واقعية بالنظر اليها من خلال قيمنا ومشاعرنا وخبراتنا المتراكمة، فلذلك إن أكثر أقوالنا وكتاباتنا يمكن أن تندرج ضمن أحد الأبواب الاتية: حقائق أو آراء أو اعتقادات أو رأي مسبق.
وهناك تعريفات كثيرة لمصطلح " الاعتقاد " وهو قناعة موروثة مستندة على مبادئ أو قيم أو عادات كالاعتقاد القائل او السائد بأن “حواء هي من أخرجت ادم من الجنة " ولكنه في حقيقه الأمر مجرد اعتقاد لأنه لا يرتكز على أدلة موضوعية . والاعتقادات لا يمكن دحضها أو نفيها بطريقة موضوعية فلا يمكننا استخدامه كنظرية أو حجة في نقاشاتنا.
ولأن المواطن العربي بشكل عام غير قارئ ولا يكلف نفسه كثيرا في البحث عن الحقائق والمعلومات الصحيحة لاسباب كثيرة ويستقي هذه المعلومات والشائعات والقصص المختلقة والمختلفة المنشورة من على وسائل التواصل الاجتماعي ويعتمد عليها في تكوين الرأي والاعتقاد والانطباع في ان واحد فان هذه الوسائل أضحت المصنع الرئيسي في تكوين الاعتقاد عند الجمهور وتوجيهه في العديد من القضايا الشائكة داخل مجتمعاتنا .
إن ما تؤصله وسائط التواصل الاجتماعي من معلومات ومؤثرات في الخريطة العقلية العربية، لا سيما في الناشئة لها تأثيرات سلبية أكثر مما هو إيجابي، ذلك لأن هذه الوسائط (عربياً) تموج في محيط من المعطيات والأخبار والأفكار المؤدلجة التي تجعل من المستخدم قطيعاً الكترونياً لا واعياً فكرياً.
هذه الوسائط التي تتهافت عليها أعداداً كبيرة من العرب لم تؤسس لحالة ثقافية ملتزمة، أو قاعدة فكرية متوازنة أو أصيلة بقدر ما تخلق فضاءات من المعلومات التي تُبقي المستخدم تائهاً بين هويته الافتراضية الهشة والغامضة وبين واقعه المستباح بأفكار لا يقوى على مواجهتها حيناً أو حتى على تفسيرها أو فهمها أحياناً.
هذا الأمر يؤدي إلى الحاق مفهوم " الاعتقاد" والظن بعقلية هي في الأساس تتلاطم بتيارات ثقافية وفكرية متخبطة أحياناً. وهذا التخبط يجعل من العقل ذو نهج بصري صوري لا فكري تحليلي او استقرائي.
كل ذلك يؤدي إلى إفقار البيئة بمقومات خلاقة أو إيجابية، الأمر الذي يجعل من هذه البيئة موطناً سهل للاختراق والعبث.
فغالبا ما يكون الصوت المرتفع (الاعتقاد الموجه ) مسنودا باللوجستيات والأموال والإمكانات الضخمة من هيئات غير حكومية دولية ومدعوما من شركات عالمية محترفة للدعاية والاعلان وتكون وسائل الاعلام الجديدة والاعلام الاجتماعي ووسائطه المختلفة رأس الحربه في ضخه واطلاقه نحو الجمهور المتلقي , وهنا نصل الى حقيقة مفادها ان الاعتقاد هو أقل درجة من الرأي لان الرأي مبني على الجزم والتسليم واليقين اما الاعتقاد فهو مبني على مايسمع ويشاهد ويقرأ أي على الظن والشك, والخطير فيه انه يمكن من خلاله استغلال الجمهور لتمرير أجندة وأفكار وسياسات لجهات وأطراف معينة .
إن الدور الذي تؤديه وسائل التواصل الاجتماعي ، والميديا الجماهيرية بشكل عام في حسم الصراعات الكبرى، والاضطرابات، وتعبئة الرأي العام، لا يصح التقليل من أهميته من حيث أبعاده الميدياتيكية والسوسيولوجية . كما لا يصح المغالاة في شأنه، إذا أدركنا أن قدرة وسائل الإعلام على الحشد والتعبئة وتوجيه الرأي والحسم في القضايا المصيرية، فضلًا عن كونها من طبيعة بلاغية-ميدياتيكية، فإنها في المقام الأول نابعة من واقع مركَّب تتحرك في ساحته العوامل المُهَيِّئة لنجاح التعبئة وتحقيق الحشد، والحسم، وصناعة الاعتقاد و الرأي .
وخلاصة القول إن وسائل الاعلام الجديده ووسائط التواصل الاجتماعي أصبحت المنصة الأولى والرئيسية في اعتمادنا على استقاء المعلومات والاخبار والحقائق والانطباعات والاعتقاد والشائعات والراي والرأي المسبق , وذلك أولا : لانتشارها وكثرة استخدامها من قبل الجمهور العربي , وثانيا : لتأثيرها عليه بطريقة أكبر وفاعلية أقوى , وثالثا : لضعف الاعلام التقليدي من حيث التأثير والاستخدام وتراجعه أمام الثورة التكنولوجية المعلوماتية الهائلة التي فجرتها العولمة في وجه البشرية جمعاء .