يستحق الفلسطينيون من قيادتهم أكثر من مجرد التصريحات السياسية والمواقف التفاوضية. فبينما نحن في انتظار حل سياسي محتمل، فقد حان الوقت لبناء الاقتصاد الفلسطيني ومنح الفلسطينيين الفرص التي يستحقونها. خلال الأشهر الـ 22 الماضية، ركزنا على وضع خطة سلام شامل للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني. إننا نأمل أن يشارك كل من إسرائيل والفلسطينيين في خطة حكومة ترامب. ومع ذلك، وبغض النظر عن الخطة نفسها، فإن الفلسطينيين يستحقون حياة أفضل ومستقبلا أفضل مما لديهم حاليًا. إننا ندرك أن الفلسطينيين ليسوا مهتمين بالسلام الاقتصادي وحده.
إن الإمكانات غير المستغلة للاقتصاد الفلسطيني والظروف الاقتصادية المؤسفة للشعب الفلسطيني أمر واضح. وفي حين أن أسباب هذه المسألة معقدة، فإن رغبة القيادة الفلسطينية في منع الفلسطينيين من الشعور بالارتياح هي عامل رئيسي. فهؤلاء القادة يعتقدون أنه إذا شعر الفلسطينيون بالارتياح من الناحية الاقتصادية، فإنهم سيفقدون الاهتمام بالقضية الفلسطينية. وهكذا، سنة بعد أخرى، يعاني الفلسطينيون ولا يستطيعون أن يعيشوا حياة مريحة. إن الفلسطينيين يعيشون بجوار أحد أكثر المجتمعات نجاحًا من الناحية التكنولوجية على هذا الكوكب، إلا أن القيادة الفلسطينية ترفض المشاركة مع إسرائيل لصالح الفلسطينيين العاديين.
من الواضح تمامًا أن الفلسطينيين أشخاص متعلمون جيدًا وموهوبون، لكن العديد منهم ممنوع من ترجمة تلك الصفات إلى مهن أو وظائف توفر لهم ولأسرهم لقمة العيش. إن حكومة ترامب مستمرة في السعي للتوصل إلى اتفاق سلام، لكن الفلسطينيين بحاجة إلى مساعدة اقتصادية الآن - مع أو بدون اتفاقية سلام.
إن قطاع التكنولوجيا في الضفة الغربية وقطاع غزة يتمتع بإمكانيات كبيرة ويمكن تطويره دون المساس بالقضايا الأساسية المثيرة للجدل في النزاع. نحن نعتقد أننا إذا بدأنا بتحسين الاقتصاد بينما نعمل على خطة السلام، وواصلنا ذلك خلال فترة المفاوضات المأمول إجراؤها حول اتفاق سلام، فإن الفلسطينيين سيحصلون على الكثير من المكتسبات. وإذا نجحنا في إبرام اتفاقية سلام، فإن مجال التكنولوجيا الفلسطيني سيكون في الصدارة. أما إذا كان الفشل هو مآل جهودنا نحو السلام، فعلى أقل تقدير سوف تتحسّن حياة الفلسطينيين.
منذ بضعة أشهر، وبالتنسيق مع رجال الأعمال الفلسطينيين والإسرائيليين والأميركيين، قمنا بتطوير فكرة لجلب مئات من الوظائف ذات الأجور المرتفعة إلى الضفة الغربية. وهذا البرنامج المُخطط سيعتمد على الحكومات المحلية والقطاع الخاص لتطوير دورة تدريبية مكثفة في مجال البرمجة والترميز تشمل رعاية كاملة للفلسطينيين الموهوبين الذين لديهم بالفعل شهادات جامعية استغرقت الدراسة فيها أربع سنوات. وسيكون من الممكن ضمان توظيف خريجي البرنامج – الذين قد يصل عددهم إلى المئات سنويا - مع الشركات المشاركة. وهذا سيكون مجرد البداية.
لقد حظيت هذه الفكرة باستحسان الفلسطينيين، رجال الأعمال والمواطنين العاديين على حد سواء. فقد رأوا قيمة الوظائف التي أُدرجت والأموال والإمكانات بالنسبة لقطاع التكنولوجيا. إذ إن الفلسطينيين الموهوبين والأذكياء حاضرون وتواقون للمشاركة والعمل مع المستثمرين والشركات الإسرائيلية المتحمسة والمقتدرة، وربما أيضًا مع المستثمرين والشركات الخليجية، التي تقف على أهبة الاستعداد للمساعدة في بناء الفرصة. فالأحلام لم تتحقق لأن القيادة الفلسطينية منعت المبادرة – فهم يقولون إن التطبيع يعني أن الإسرائيليين يريدون فقط عمالة رخيصة. والنتيجة هي: ضياع الفرصة على الفلسطينيين العاديين والشباب الفلسطيني المدربين تدريبا عاليا الذين يصبحون غير قادرين على الحصول على وظائف مُرضية. ورجال الأعمال الإسرائيليون يقومون ببساطة بالاستعانة بمواهب من أماكن أخرى - الوظائف يتم إرسالها إلى أماكن أخرى. كيف يساعد ذلك الفلسطينيين؟
إنني أواصل مقابلة الفلسطينيين العاديين، وما يثير الدهشة أنه على الرغم من أنهم يقومون بالشكوى من سياسات حكومة ترامب، إلا أنهم يركزون بشكل كبير على تحسين اقتصادهم. معظمهم يعترض على سياساتنا المتعلقة بالفلسطينيين. ولكن عند مناقشة هذه القرارات معهم، يتضح أنهم مُضلَّلون بشأن المبررات والحجج. وبعد أن يستمعوا إلى حجتنا ومنطقنا، لا يزال الكثيرون يختلفون مع القرارات، لكنهم يدركون أن هذه القرارات مدروسة وأن للولايات المتحدة الحق في اتخاذ هذه القرارات التي تصب في مصلحتها. إنهم يفهمون أن ما يقرأونه ليس هو الصورة الكاملة. كما أنني أسمع السؤال المشروع: إذا كانت الولايات المتحدة ستقطع المساعدات وستواصل ذلك، فما هي الخطوة التالية؟ هل هناك طريقة للولايات المتحدة لمساعدتهم بحيث يمكن تحسين حياتهم دون الاعتماد على المعونات والمساعدات؟ الفلسطينيون أناس لديهم عزة وكرامة ويريدون أن ينتجوا بأنفسهم ويكسبوا عيشهم مما تصنع أيديهم. إنهم يعتقدون، كما أعتقد، أنه ينبغي السماح للفلسطينيين بتحسين اقتصادهم دون خشية أن يؤدي ذلك للتخلي عن قضيتهم الوطنية.
إن هذه السياسة الفلسطينية المدمرة تلقي بظلالها على جميع التفاعلات الاقتصادية بين الفلسطينيين والإسرائيليين. إنها سياسة تتناقض بشكل مباشر مع ما اتفق عليه الفلسطينيون في أوسلو - فهي سياسة ترفض إتاحة الفرص للفلسطينيين من أجل مناورات سياسية خاطئة وفاشلة. إن هذا الأسلوب الفلسطيني يتعارض تعارضا مباشرا مع البروتوكول الخاص بالتعاون الإسرائيلي الفلسطيني المصمم لتحقيق النمو الاقتصادي، خصوصًا وبصراحة لصالح الجانب الفلسطيني. إن هذه السياسة المناهِضة للتطبيع لم تصل بالفلسطينيين إلى تحقيق أي شيء وتستمر في إهمالهم ودفعهم إلى الوراء بشكل متزايد.
ومع اتخاذ الولايات المتحدة الموقف المتمثل في أنها لن تساهم بعد الآن في تمويل هذه الفلسفة السياسية الفاشلة، بدأت دول العالم تتساءل عن جدوى ما تقوم به. فهم يقيّمون ما إذا كانوا سيستمرون في التبرع بمئات الملايين من الدولارات لسد الفجوة عامًا تلو الآخر، أم أنه يجب عليهم أن يساعدوا الولايات المتحدة في مساعدة الشعب الفلسطيني والمساعدة على خلق اقتصاد مزدهر في انتظار التوصل إلى حل سياسي. ينبغي أن تكون القيادة الفلسطينية مستعدة عندما يدرك الآخرون أن الطريقة التي اختاروها على مدى العقود الماضية ليست في مصلحة دافعي الضرائب في البلدان المانحة وبالتأكيد ليست في مصلحة الفلسطينيين العاديين.
إن الفلسطينيين يستحقون ما هو أفضل من المواقف المتجمدة التي فشلت في تحقيق السلام وفشلت في توفير الوظائف والفرص للفلسطينيين. دعونا نكون واقعيين - إن 136 ألف فلسطيني يذهبون للعمل مع الإسرائيليين كل يوم لأن الفرصة موجودة. لكن هؤلاء بشكل عام عمالة يدوية. كم عدد الفلسطينيين الآخرين الذين يمكن أن يعملوا لدى مايكروسوفت وغوغل وشركات التكنولوجيا الإسرائيلية في الوقت الحالي؟ لن نعرف - لقد وضعت القيادة الفلسطينية الحواجز أمام شعبها لتمنع عنه تلك الفرص. إن الاقتصاد الفلسطيني يحتاج إلى مبادرات الآن دون تثبيط تطلعات الفلسطينيين السياسية. إن مناهضة التطبيع سياسة فاشلة لا تضر إلا بالفلسطينيين. دعونا نسمح للفلسطينيين بالازدهار بقدر ما لديهم من التعليم والقدرات وما يستحقونه بالفعل. إننا لن نتعب من محاولة حل النزاع السياسي (وبالتأكيد لن يتعب الفلسطينيون كذلك)، لكن علينا التركيز على مساعدة الاقتصاد الفلسطيني حيثما أمكن، قبل أن يفوت الأوان.
المصدر: القدس