الحدث- ريم أبو لبن
الحالة الفلسطينية مختلفة الملامح والأوجه، وهنا وفي بقعة لا تتجاوز مساحتها (26,990 كم² ) توضع التشريعات والقوانين وفي ظل غياب فعلي للمجلس التشريعي، إثر انقسام داخلي بدأ عام 2007 واستمر حتى اللحظة، وقد يصفه البعض بـ "صراع الأخوة" لينتهي الأمر بـ سلطتين سياسيتين وتنفيذيتين في الضفة الغربية وقطاع غزة ومتمثلة بحركتي (فتح وحماس).
وبعيداً عن الحركتين، فإن ما يجابه الفلسطيني الآن هو كم من القوانين التي تلامس جيبه وتثقل كاهله، فيما يجد نفسه غير قادر على البوح في مجتمع يدعي تقبل الرأي والرأي الآخر، وكان آخر تلك القوانين هو تنفيذ قانون الضمان الاجتماعي والذي أقره مجلس الوزراء، فيما جوبه هذا القانون برفض فلسطيني لاعتباره مجحف بحق الموظف. فهل تُسمع كلمة الشعب؟ وهل يتم التشاور مع الشعب لوضع التشريعات؟
طرق هذا الباب، جاء بالتزامن مع إصدار البنك الدولي تقريراً يوضح بمضمونه بأن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي الأقل في العالم من حيث الشفافية والتشاور مع شعوبها في وضع التشريعات، حيث صنفت المغرب بأنها الأفضل حسب المؤشر وبمقياس ((5/4 علامات ، بينما حصدت 5 دول عربية أخرى درجة (0/5( ومنها السعودية وليبيا واليمن وقطر وسوريا.
أما فلسطين فقد نالت وبحسب المؤشر درجة (1.75( ، وهذه الدرجة تمثل وفق التقرير درجة التشاور مع الشعب الفلسطيني من أجل وضع التشريعات، حيث تم استكشاف الممارسات التشريعية في (186) دولة وفق التقرير وفي المجالات التالية : ( الشفافية حول اللوائح المقترحة، التشاور بشأن محتواها، استخدام تقييمات التأثير التنظيمي، الوصول إلى القوانين المعمول بها).
وعليه فقط حققت المغرب أفضل نتيجة عربية بـ 4 درجات تليها الإمارات ( 3.25) درجة، ثم تونس بـ (2.5) درجات، ثم نالت كلا من الأردن والبحرين بدرجتين، أما باقي الدول العربية فقد حصدت أقل من ذلك بحسب مؤشر البنك الدولي.
" في فلسطين : سياسة إدارة الظهر للشعب"
"نحن نشكل الدولة الأولى في العالم في عدم الشفافية وعدم استشارة الجمهور والاستئساد في إدارة الظهر للشعب".هذا ما أكدته لـ"الحدث" نجاة أبو بكر وهي عضو في المجلس التشريعي الفلسطيني.
أضافت موضحة ذات الفكرة : "والدليل على ما سبق، نشاهد مئات الآلاف الذين يخرجون للشارع الفلسطيني ولا يجدون من يخاطبهم ويحاورهم، وفي المقابل خرج 7 آلاف في باريس وخرج معهم رئيس المجهورية الفرنسية وقال إنه قد ألغى كل القرارات والقوانين التي تمس الطبقة الفقيرة، وقام بتعديل النظام الضريبي".
واستكملت حديثها : " نحن إن قدمنا احتجاجا على أي قضية تطرح نتهم بأننا نحمل أجندات خارجية. والسؤال هنا الذي أطرحه دائما ما هي الأجندات الخارجية بالنسبة للمشرع والسلطة التنفيذية في ظل اغتيال واختطاف لدور السلطة التشريعية".
وفي سؤال آخر، قالت : " ما هي المعايير التي يتم على أساسها بناء القوانين التي يتم إصدارها كل مدة قصيرة، لاسيما ونحن الآن في حالة اشتباك مع قانون الضمان أي (الدمار الاجتماعي)، بينما نسمع عن قانون آخر يهدد جيب المواطن والسلم الأهلي ألا وهو قانون الاستئجار والمستأجرين".
" إذا هناك عملية ادارة ظهر لكل مناحي الحياة، لاسيما وأننا نلمس استخفافا بالانسان الفلسطيني، بجانب ثقافة الازاحة التي يتمتع بها المسؤولين، والذين يقررون ويجتهدون ويمتلكون قوانين معدة وجاهزة وبشكل مستمر، وهم استباحو ما لديهم من امكانيات لزيادة الشعور الفلسطيني بالهموم والتفكير بما يدور من حوله، وهم بذلك قد نسفوا القضية الأساسية والتي تدور حول الشعور بالاحترام تجاه المسؤول، وعززو فكرة الاستهزاء من كل فرد يحمل صفة (مسؤول)، وهي من أخطر القضايا التي وصلنا إليها".
فيما تطرقت للحالة الفلسطينية الآن في ظل الغياب الفعلي لدور المجلس التشريعي، بأن المجتمع الفلسطيني قد وصل إلى حالة من (الانفكاك والتفكك)، وحالة (الاشتباك) والثقافة السمعية، والازاحة والهشاشة.
قالت أبو بكر : "نحن مقبلون على مرحلة خطيرة وليس الهدف منها هو المساس بجيوب الناس فقط، وانما المساس بضمائرهم كي تصبح أكثر هشاشة".
وعن دور المشرع في الدول العربية، قالت أبو بكر : "في الدول العربية مجتمعة لا يوجد دور حقيقي للمشرع، وهم يؤمنون بأن المشرع يلعب دور المختار الذي يقدم المساعدات الإنسانية، وبالتالي لا يؤمون بدوره في وضع القرارات، غير أنه يتم ازاحة رأيه ويصور على أنه يحصل على راتبه من جيوب الشعب ذاته".
أضافت : "عندما نسأل المجتمع الفلسطيني ماذا تعرف عن عضو المجلس التشريعي وما هي مهامه؟ تكن الاجابة: هو يتقاضى راتب 3 آلاف دولار .. هذه هي الخاصة التي يعلمون بها فقط".
واستكملت حديثها : " عضو المجلس التشريعي نظيف اليد هو (يخسر) ماليا وجسديا ولا يكسب شيء".
في ذات السياق، قالت : " اذا تركت هذه البلاد تعيش في منظومة الفساد فإن تلك الفئة ستصبح متنفذة لن يراقب على ادائها ونحن الخاسرين جميعا، لاسيما وأن الفاسدين يكسبون المال ولكنهم بالمقابل يخسرون احترامهم وحضورهم وضمائرهم".
وفي رصد الحلول، قالت أبو بكر : " هذه البلاد تحتاج إلى أناس مثقفين، ومتمكنين، وكتلة بشرية واعدة تستطيع أن تحمي الحريات ..ولكن للأسف الجديد أنا لا أجد ذلك".
وتعقيباً على التقرير الصادر عن البنك الدولي، قال د.حسن خريشة، وهو النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي : "هو تقرير واقعي، ويؤكد حاجتنا لوجود أجسام رقابية حقيقية ممثلة بالمجلس التشريعي، أما الأدوات الرقابية الأخرى فهي أدوات يتم استخدامها سياسيا لتحقيق مصالح فئات سياسة متواجدة في السلطة الفلسطينية".
أضاف : " للمجلس التشريعي الحق بأن يكون فاعلاً ويسن القوانين والتشريعات، وهذا الحق قد ُسلب من قبل الرئيس الفلسطيني محمود عباس لاعتباره بأنه يصدر مراسيم وبشرط ان تحمل صفة الضرورة والطوارئ، وعليه لا يوجد قانون قد أقر حتى اللحظة ويحمل صفة الطوارئ ولا يمكن تأجيله وخير مثال قانون الضمان الاجتماعي".
واستكمل حديثه : "الأصل في التشريع يعود لمجلس تشريعي منتخب، ثم للدور الرقابي وبعد ذلك نتوجه إلى قضاء لجلب الحقوق، وللأسف هنا السلطة القضائية غير قادرة على جلب الحقوق نتيجة عوامل كثيرة".
فيما أوضح النائب خريشة بأن غياب أجسام (رقابية) حقيقية أدى إلى التفرد والانفراد في السلطة، لاسيما وأن قاعدة الحكم على حد تعبيره قد ضاقت كثيراً وبهذا فقد ازداد الفساد.
ما قبل الغياب؟
"سابقاً كنا نقوم بنشر القوانين لدى الصحف الرسمية بجانب عمل ورشات مناطقية أو حتى داخل المجلس التشريعي ونقوم بوضع القوانين بالتشاور مع جميع الأطراف، ومثال على ذلك قانون العمل، وقاموا بتشكيل لوبيات ضاغطة على المجلس، حيث كانت تلك القوى الضغط تترك أثرا وتحدث تغيراً". هذا ما أشار إليه د. حسن خريشة في حواره مع "الحدث".
قال : "كانت القوانين التي تصدر في المجلس الأول، هي انعكاس لرغبات وحاجات الناس، وكان يتم التشاور بها".
أضاف : "الشفافية كانت متواجدة في البداية، لاسيما وأن المواضيع المطروحة كانت تناقش اعلاميا وبشكل حر، بينما اليوم لدينا قانون الجرائم الإلكترونية الذي يعيق تلك الحريات، حتى بعض نواب المجلس التشريعي قد آثروا الصمت على أن يتحدثو رغم امتلاكهم الحصانة البرلمانية".
وعليه، وبحسب وصفه فإن الشفافية لم تعد كما كانت في المجلس السابق، لاسيما وأن الحكم أصبح على حد تعبيره (متفرداً) وبحكم شخص واحد، بجانب تعمد الحكومة تغييب المؤسسات الفلسطينية وهي بدورها تقود الشأن العام الفلسطيني.
في ذات السياق، قال: " مايجري في الواقع، بأن الحكومة الفلسطينية تسن القوانين، وترسله للرئيس عباس وهو بدوره يقوم بالمصادقة عليها، وبعد المصادقة يتم استخدام بعض أعضاء المجلس التشريعي والتابعين لتيارات سياسية مختلفة وبدعوى الجلوس معاً ويمررو القوانين".
وفي نهاية حديثه، أضاف : " في المرحلة الحالية، يتم استخدام كل شيء لصالح حكم الفرد".
إذا فإن غياب المجلس التشريعي لعب دوراً كبيرا في اعتبار فلسطين من بين الدول التي تنخفض بها نسبة الشفافية، وهي بعيدة عن المساحات التي توفرها الأنظمة للشعوب في دول آخرى كما في الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا وحتى الاتحاد السوفيتي، حيث اكتمل المؤشر في أمريكا ليحصد المواطن الأمريكي الدرجة (الخامسة) وفق مؤشر البنك الدولي فهو يمتلك صلاحية الابحار داخل القوانين ليبدي رأيه أو يغير في منظومة قد تمس حقوقه.