بعد ردح من الزمن خمدت أوصالي، وتساقط عليها العفن. كما عشش العنكبوت على عقلٍ قد حسبته وهن. على سريري الهاوي غُصت في أحضان الكرى، فذهبت في سبات ظننته قبرا يواري أحزاني. لولا ستارة بالية هدها الزمن، سقطت على رأسي فأخرجته من سكن. فإذا النور يهاجمني، تُساعده خيالات الأشياء حولي فأثار رُعبي وقلبي ركن. ترنحت صورة أمي من هول ما جرى. وتراقص بروازها على حائط من صفيح صدئ. كذلك هرب الفأر من على رف يئن. وهوى جسم معدني أصدر دويا مزق الأذن. هممت إلى الأرض أحمله خائفا أن أعود لبحيرة ذكرى، ماؤها أسِن. هو وسام حرب نلته لشجاعة لم تكن. مات رفاق الحرب أذلة وذلي بأنني لم أندفن. عدت بعدها لأحيا في هذا الوطن. إلى المقابر حيث أمي لها سكن. وجدتها قد رحلت من العِشة بلا كفن. أصابها الويل بعد أن كان أبي قد سُجن، عندما سرق رغيفا لِيرُم به البدن. قال للقاضي: أنا مقعد ولي ابن معاق وآخر في خدمة العلم. كان القاضي عادلا فقال: السارق في بلادنا جزاؤه السجن.
كم أنا بليد وشعوري متجمد، لم أرَ قبر أمي حيث لم يكن. فقد باعوها مجزأة لطالب علم أو قادر على دفع الثمن. وأبي توارى في غياهب الزمن. وأخي تاه مقعدا، فكيف يتيه مُقعدٌ عنده أخ فطِن؟
خانتني أنفاسي وتصلبت شراييني فقلت ربما الماء يحييني. فركضت إلى الصنبور مسرعا عله يرويني فوجدته تالفاً لم يرَ ماء من سنين. ففتحت الباب مسرعا نحو ترعة تحاذيني، فوجدت الأغنام تسقي فسابقتها لعلي أفوز برشفة تغذيني. فأمسك راعيها بتلابيبي وصاح قائلا : قبضت على سارق الأغنام فيا شرطة إلحقيني.
في السجن لا زلت صالحاً لكنها الأيام تعاديني.