السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

خربشات ضبابية/ بقلم: غسان عنبتاوي

2018-12-09 09:46:20 AM
خربشات ضبابية/ بقلم: غسان عنبتاوي
غسان عنبتاوي


منذ مدة لم أقرأ لك شيئا.. هكذا باغتني صديقي بعبارة أشبه ما تكون بعتاب رقيق وتابع: أصبحت تكتفي بعبارات قصيرة مكثفة تنشرها على شبكات التواصل الاجتماعي بدل كتابة مقالة، لماذا؟
صديقي هذا ناقد لاذع، بل هو متابع شرس لما ينشر ويكتب، ودوما ينصحني بتقليص عدد كلمات المقالة، التي قلما أكتبها، وينصحني دوما بإيصال ما أريد من أفكار بأقل الكلمات عددا وأقصر الطرق سبلا.
أوَليست عباراتي المكثفة بكافية؟ واستدركت نفسي سريعا لأقول: كتبت أم لم أكتب، ما الفرق؟
قال: إن نأى الكل بنفسه عن الميدان لمن سيترك؟ كيف ستحارب الإحباط إن لم تكن شمعة تضيء الطريق؟ هل ستكتفي بالامتعاض أم ستفعل شيئا لتحجيمه ومحاربته؟
فيما قال منطق، ولكني أجبت بأنني مللت من الكتابة بحذر، ومللت من الكتابة الدبلوماسية حتى لا أثير حفيظة أحد، ومللت من السلبية المستشرية في أذهان الناس وعلى ألسنتهم، ومللت من الاستماع لمعاول الهدم التي تعمل بلا كلل ولا ملل من النقر في أساس هويتنا وعزيمتنا وإرادتنا، سئمت من عدم الاكتراث للنقد غير البريء والهدّام، والأهم أنني سئمت من سعة صدري ومما يحمل فلم أعد أعرف له حدودا ولا شكلا.
حاولت رد المباغتة فسألت صديقي: عن ماذا أكتب؟ عن الضمان الاجتماعي؟ عن المصالحة؟ عن تصريحات الهباش السياسية أو الاجتماعية التي يتحفنا بها؟ عن "الإنجاز" المتحقق في تصويت الجمعية العامة ضد القرار الأمريكي باعتبار حماس والجهاد منظمات إرهابية؟ عن حال البلديات بعد المنخفض الجوي؟ عن زراعة الحشيش المنتشرة في كافة أرجاء البلاد؟ عن حالة الفساد التي عمت البلاد؟ عن التهكم الهدام للبعض على كل شيء ومن كل شيء؟
يسهل عليّ يا صديقي كتابة كل ما ذكر بلغة الصم والبكم، فهي أبلغ في هذا المقام من الكلمات والمفردات، سأختصر المقالات كلها، بتفاصيلها وحذافيرها، بمضمونها ومفرداتها بحركة واحدة بالغة المعنى من يد واحده بل وأقل من ذلك، فهي ستصف الحالة وتختصر مسافات التعبير ما بين الوصف والنتيجة.
أجاب ضاحكا: لم أعهدك تخرج عن حدود اللباقة يوما... كل ما ذكرت هو نتيجة، إبحث عن السبب واكتب عنه وستجد حينها أذنا صاغية.
لجأت إلى لوحي الأبيض بعيدا عن صديقي، رسمت الخطوط والتقاطعات، رتّبت الأسباب والمسببات فما وجدت أساسا لكل ما نراه من سلبيات سوى الانهزام الداخلي الذي يؤدي لضعف الثقة بالنفس وبالآخر، ولغياب القناعة بالقدرة على التغيير، ولانحراف البوصلة واستشراء الانهزامية التي عمل على ترسيخها وعلى تشويه قيمنا الاجتماعية والنضالية والثقافية والحضارية، من يعادينا.
مسافة أعوام كثيرة مضت منذ اندلاع الانتفاضة الأولى في مثل هذا اليوم وحتى الآن، وما بينهما من اعداد الشهداء والجرحى والأسرى والمبعدين والمشردين والأراضي المصادرة والحقوق الغائبة المغيبة، هذه الصورة السريالية تجبرنا على أن نقول كفى وأن نسعى لاستعادة الثقة بأنفسنا وبقدرتنا على التغيير واستعادة حقنا غير المنقوص هذا هو مفتاح الحل.