الأربعاء  27 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

بانوراما الحالة الفلسطينية/ بقلم: ناجح شاهين

2018-12-09 12:42:24 PM
بانوراما الحالة الفلسطينية/ بقلم: ناجح شاهين
ناجح شاهين

”مر الكلام زي الحسام، يقطع مكان ما يمر. أما المديح سهل ومريح، يخدع لكن بيضر “

 أحمد فؤاد نجم/الشيخ امام

كتبت صديقة جميلة الروح معلقة على نص أنتقد فيه الممارسة "البحثية" المحزنة لمجلة القدس المفتوحة "المحكمة": "كثرت مهاجماتك أستاذ ناجح دون داع." ابتسمت في حزن وشرعت أفكر في أشياء يمكن أن أكتب عنها "مادحاً" ومقرظاً في هذا الوطن الممتد من البحر إلى البحر. صدقوني أنني لم أجد شيئاً. هل أنا متشائم وأبحث عن المنغصات وأتجاهل النجاح والفرح والجمال والإنجازات؟

1.منذ يومين تمكنا بالكاد من دحر مشروع لإدانة حماس في الأمم المتحدة. لم يحصل القرار على غالبية كافية، لكن عدد الدول الموافقة على إدانة حماس كان أكبر بكثير من الدول المعارضة. لمن لا يعرف نقول: قبل عقدين من الزمن كانت ساحة الجمعية العامة ساحة فلسطينية بدرجة أن التصويت لصالح فلسطين كان تحصيل حاصل. كان الاعتراض ضد فلسطين يأتي من إسرائيل وأمريكا وحدهما. أحياناً تنضم لهما دول مثل بريطانيا وجنوب أفريقيا أيام العنصرية. باختصار نحن في وضع من التراجع لا نحسد عليه.

2 . أذهب للطبيب. تعرفون أن معظم الموظفين يغطيهم تأمين الوطنية أو العالمية. الطبيب يريد أن يسعدنا بإعطائنا الإجازة التي نريد، والوصفة التي نرغب بها. حرفياً: سألني الطبيب عما أشكو منه، فقلت له كيت وكيت. سألني عن الدواء الذي أفضله –وقد لاحظ أنني أتكلم الإنجليزية التي تدل على العلم والنبوغ والعبقرية في عرف مجتمعنا المبهور بأمريكا- فقلت له الدواء كذا، فسألني كم علبة أريد، ثم سألني إن كنت أريد إجازة. لم يتحرك الطبيب من مكانه، قدم لي كل ما أريد بحسب رغبتي دون أن يتحقق من وجود الحالة التي أزعم أنني أعاني منها.

طبعاً كنت سعيداً بذلك، فهي معاملة طيبة وسريعة "خالية من البيروقراطية". ليس من ضير في ذلك: الرعب يبدأ عندما أفكر في الذهاب للمشفى، عندما أكون عاجزاً عن تشخيص حالتي، لحظتها أعرف أن مزيجاً من الإهمال والجهل واللامبالاة في انتظاري. ومن يتابع مسلسل الموت غير المسوغ في مشافينا يعرف بدقة عم أتحدث. بالمناسبة قبل مدة سمعت أن وزير الصحة نقل موظفين من بيت جالا إلى نابلس والعكس وهكذا "تم حل" مشكلة الموت المتكرر في بيت جالا ونابلس على السواء!

3. أذهب للمدارس التي تنهمك منذ عقدين في الخطابة حول الإبداع والتفكير الناقد والمنطقي وتضع لوحة حقوق الإنسان في مكان الصدارة في المدرسة بقرار قديم لا أعرف من اتخذه. ربما يكون الراحل عرفات أو وزير تعليم سابق ما.

أجد الشتائم والضرب والإهانة ما تزال سيدة الموقف. أجد التلقين والملل والحفظ الصم ما يزال سيد الموقف. لكن والحق يقال هناك تطور: نجح وزير التعليم الحالي في قتل أية فرصة فرح لدى الأطفال عن طريق التخلص من حصة الرياضة بشكل شبه نهائي ليتفرغ أطفال الصف الأول الى الرابع لاستكمال بحوثهم في اختراع القنبلة الهيدروجينية الفلسطينية قبل نهاية هذا العام. وهناك تطور آخر: رقمنة التعليم بمعنى استعمال الأطفال أجهزة محمولة من عائلة "اللاب توب" و"التابلت". ولولا أنني أفتقر للمعلومة لفكرت في أن يكون من وراء ذلك مصالح تسويقية ما.

4.  أستمع بدون شهية للأخبار عن إصرار السلطة على فرض مشروع "الضمان" في الوقت الذي بدأ الكثير منا في تخيل أن سقف المشروع الصهيوني هو تنظيف فلسطين كلها من بحرها لنهرها من الشعب الفلسطيني "الوسخ" واللاسامي ...الخ. أفكر: ما مغزى الضمان في هذه اللحظة التاريخية؟ أهرب من هم الضمان إلى هموم الأسطوانة التي لا تنتهي عن فتح وحماس وسلطة رام الله وسلطة غزة. يصيبني إحساس مثل الذي يلخصه مظفر النواب: "يا رب كفى."

5. أدخل محلات البقالة والسوبرماركت التي كتبت منذ بعض الوقت على أبوابها "خال من منتجات المستوطنات" باعتبار أن بقية "إسرائيل" شرعية مثلما تعلمون، فأجد البضائع من القطر الجار قد عادت لتملأ الرفوف. لا مقاطعة ولا من يحزنون. عموماً النخب الثرية، نخب المال والسياسة لا تثق بالإنتاج المحلي، وتفضل السلعة "الإسرائيلية" الأجمل شكلاً، والأجود محتوى. على الأقل هذا ما يروج في الثقافة المحلية.

6. أشاهد إنتاج الجامعات المحلية التي تسهم في البحث الكوني بما مقدراه صفر لا أكثر ولا أقل. أشاهد مختنقاً كيف أن خريجة الهندسة المعمارية تعرف اللغة العربية خيراً من خريج اللغة العربية، وتعرف الإنجليزية خيراً من خريجة اللغة الإنجليزية. أتذكر معادلة علمي/أدبي: كانت الصبية في التوجيهي "أشطر" من زميلتها أو زميلها من الفرع الأدبي في كل شيء خصوصاً اللغات. دراسة الجامعة بالنسبة لطالبة اللغة لم تضف لها شيئاً، فظلت المهندسة "أشطر" بفضل معلومات التوجيهي وحدها. أما برامج الماجستير فيتم فيها إعادة برنامج البكالوريوس، ولكن بشكل أكثر يسراً ليشجع الطلبة على دفع ثمن الساعات بدون انزعاج.

7. أشاهد الزراعة تتهاوى وحصتها من الميزانية لا تصل إلى واحد في المئة، وأشاهد أنوية الصناعة البسيطة تختفي، وأشاهد الاقتصاد "الوطني" كله يتحول إلى اقتصاد ريعي (يعتمد على الريع السياسي) مختزل في تمويل أجنبي سخي للسلطة ومنظمات المجتمع المدني. أشاهد الفساد ينخر ذلك كله، وأشاهد مدراء هنا وهناك يعيشون بمستوى علماء فيزياء في فرنسا وألمانيا. أتأمل في طريقة توليد النخب السمينة الموالية لمستعمريها، وأبحث في المتاهة عن بصيص أمل.

 8. أشاهد المواطن يتحول إلى وحش في مواجهة أخيه المواطن، يحملق في وجهه غاضباَ دون سبب. حتى الغزل الذي يفترض أن يكون تعبيراً عن الحب والعاطفة يتحول إلى فعل عنيف يتضمن النظرات الجارحة –خصوصاً من الرجال نحو النساء- وأحياناً يمتد ذلك ليشمل الضرب أو الاصطدام العنيف....الخ.

9. أشاهد المواطن يمارس الاحتيال والغش من أجل أن "يعيش" ولا يوفر في سياق ذلك قريباً ولا بعيداً، وينكث بأشد الأيمان المغلظة من أجل تحقيق أية منفعة مهما صغرت. أشاهد المواطن وهو يتملق الجندي على حاجز الاحتلال، وهو يتملق أي موظف نافذ في السلطة على أمل، فقط على أمل، أو خوفاً من الزمن. أتذكر النص القراني الكريم "يدعون ربهم خوفاً وطمعاً". ونحن نتزلف للنافذين خوفاً وطمعاً.

10.  ينتابني الإحساس بأن منظومة كاملة تشمل السياسة والاقتصاد والتعليم والصحة وبنية المجتمع قد ضربت بقوة وأنها في حاجة إلى ثورة شاملة.

11. أهرب من أوجاعي إلى أخبار سوريا والمقاومة اللبنانية البطلة، أو حراك الجماهير ضد الليبرالية في فرنسا وبلجيكا. أحاول أن ألتقط قبساً من النور يساعدني على رؤية شيء في حلكة هذا الديجور.