الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الضمان... وبعدين

ال مش مواطن/ بقلم: جوده أبو خميس

2018-12-10 08:29:34 AM
الضمان... وبعدين
وقفة سلمية ضد قانون الضمان الاجتماعي

 

تستبسل حكومتنا بالدفاع عن منجزها الهام "قانون الضمان"، وتستعد لملء صندوقه بالعطايا من الكادحين وأرباب العمل. ولا أستبعد أن هناك من حلق في فضاء ما سيتيحه الصندوق من خيرات تحل المعضلات الاقتصادية وتوفر السيولة لعصر ذهبي من الاستثمارات في اقتصادنا الهش. وفي ذات الوقت، يستبسل أرباب العمل متسترين بموظفيهم رفضا للقانون، بعد أن أدركوا خوازيق الالتزامات المستجدة على كل منهم، ما بين تحويل المستحقات الشهرية المسجلة ورقيا، وصدمة تكييش حقوق الموظفين عن سنوات عملهم في المدى المنظور، بأضعاف ما كان يرصد لهم في الموازنات السنوية.

ما الذي فعله بنا الاختلاف على تطبيق القانون ما بين المصالح، فهو من ناحية منح الأمل بعودة قوة الشارع إلى الواجهة، وجسد صورة رومانسية لرجل الأمن الذي يحمي الحق بالتعبير عن الرأي، وأفرد مساحة للشبيبة ليكون لديها قضية في ظل تغييب القضية الأساس، وأخرج من السبات حوارات لا تعد ولا تحصى حول فكرة سن القوانين المؤقتة لمعالجة أوضاع دائمة في ظل ظروف سياسية مجهولة، وأصبح في كل منزل ما يتم الحديث حوله بدلا من الاستغراق في العالم الافتراضي.

من ناحية أخرى، فقد أبرز استخفاف النظام السياسي بما يقلق الشارع الفلسطيني، وكرس مفهوم غياب الشراكة برفض الاستماع للرأي الآخر أو الاستماع على قاعدة "قل ما تريد وأنا أفعل ما أريد"، وتسبب في انقسام الشارع وحرف الأنظار عن ممارسات الاحتلال والاستيطان وانتصارات "إسرائيل" المتتالية على الساحة العربية والدولية.

خلاصة القول، نقدر للحكومة جهودها، ولكن الشارع قال قولته، وإن أضعف الإيمان أن تأخذ حكومتنا برأي الشارع، حتى لو كان على ضلال. فقد تمكن منظمو الحراك من إخراج الجموع للشارع بأعداد لم نر مثلها منذ زمن بعيد، وتبدو قضيتنا اليوم أصغر من مساحة رغيف الخبز بالمقارنة مع قضية الرغيف لدى المحتجين، وآن الأوان للاعتراف بأن قانون الضمان ولد من رحم السراب، كما هو الحال مع ذلك الراعي الذي بنى قصوره في الهواء، والتي أنقلها حرفيا:

"كان لدى راع سمن جمعه في جرة معلقة في كوخه، وبينما هو ذات يوم يجلس في كوخه عند غروب الشمس وهو متكئ على عصاه أخذ يفكر بما يعمله في ما اجتمع عنده من السمن، فقال في نفسه: سأذهب به غدا إلى السوق وأبيعه وأشتري بثمنه نعجة حاملا، فتضع لي نعجة أخرى ثم تكبر وتلد لي مع أمها نعاجا أخرى وهكذا إلى أن يصير عندي قطيع كبير، ثم اتخذ أي أجير يرعى غنمي وأبني قصرا عظيما، ومتى كبر ولدي أحضر له معلما يعلمه القراءة والكتابة وآمره بطاعتي واحترامي، فإن لم يفعل ضربته بهذه العصا.. ورفع يده بعصاه فأصابت الجرة فكسرتها وسقط السمن على رأسه وثيابه وطار التخطيط وضاعت الأحلام سدى".

خسرنا كثيراً في المراهنات على أحصنة خاسرة، وضاقت بنا السبل في خضم الانهيارات حولنا وبيننا، ولم يبق لنا سوى هذا الشعب بما له وما عليه.

ضب الطابق يا ريس