باستمرار تتكرر الأحداث البطولية الفردية لأبناء شعبنا في مواجهة الاحتلال ومستوطنيه ويوميا يبادر الاحتلال إلى فرض العقوبات بأشكال وألوان مختلفة ضد شعبنا ويوميا تجتاح قوات الاحتلال مدننا وقرانا ومخيماتنا بدون أي رادع وما حدث في رام الله ولا زال يحدث ليس استثناء فهو تكرار لما يجري في كل مناطق الضفة الغربية بلا توقف منذ أوسلو وحتى اليوم يدخلون إلى شوارعنا وزقاقاتنا وبيوتنا يفتشون ويعتقلون ثم يغادرون وقد يجدوا بعض الشبان الصغار الذين يخرجون لمواجهتهم كما اعتادوا بالحجارة والصدور العارية ولكنهم أبدا لم يجدوا مواجهة جماعية في تلك الأحياء تعطل قدرتهم على الأداء وبدلا من ذلك نلجأ للخطابات عن بعد ومصمصة الشفاه ولعن الحال لا أكثر ولا اقل.
أسوأ ما في الصورة هي تلك الأحداث التي تترافق بنزول المستوطنين الى الشوارع لإلقاء الحجارة او الاعتداء على سيارات المواطنين الذين يتنقلون بين المدن خصوصا بين رام الله وشمال الضفة وجنوبها فما ان يعلن عن وجود مستوطنين هنا او هناك بجانب زعترة او حوارة او الجيب او ترمسعيا حتى نبادر فورا بالبحث عن بدائل للمبيت او لتلافي المواجهة بأي شكل من الأشكال ان لم يكن للهروب من المواجهة دون ان يلتفت احد لا شعبيا ولا رسميا لخطورة ذلك ودون ان تبادر فصائل الثورة الى الاستنفار لحماية طرقنا والدعوة للمواجهة في زعترة التي لنا ضد الدخلاء الذين يمنعوننا من استخدام دروبنا ويعتدون علينا حد البحث عن بطولات في الهرب كبطولة استضافة من تقطعت بهم السبل والإعلان عبر الفيس بوك عن وجود بدائل ثورية في البيوت والمؤسسات او جمع الفراش من البيوت لتحويل مسجد او أي مؤسسة أهلية أخرى الى منامة واعتبار هذا الفعل بطوليا من طراز رفيع دون ان نرى فيه إخلاء للطرق لصالح الاحتلال جيشا ومستوطنين.
أيا من القوى والفصائل لم يعلن الاستنفار والدعوة الى السفر الى هناك فورا لمنع عربدة المستوطنين ولكي نقول لهم جماعيا بأننا شعب حي لا يتراجع وبدل ذلك ننتظر بطلا من هنا وبطلا من هناك لينتقم لنا ثم نصفق له وهو مختفي ونصفق لدمه وهو يستشهد ولا شيء أكثر.
كثيرة هي أسماء الأبطال العظماء من أبناء شعبنا الذين قدموا حياتهم دفاعا عن بلادنا وشعبنا وقضيتنا منفردين ولو اجتمعوا معا لسدوا وجه الشمس عن الاحتلال وإفرازاته وفي المقدمة المستوطنين ولكننا لم نعد نتقن غير التصفيق من على الأرصفة وحتى حين يصل الاحتلال الى البرغوثي في كوبر و نعالوة في عسكر او جرار في جنين وغيرهم وغيرهم لا نجد منا سوى مصمصة الشفاه والسير بالجنازات وكفى الله المؤمنين شر القتال.
الأسوأ من ذلك أننا بتنا نستخدم الأسماء العبرية لبلادنا فالجيب هي ( يتسهار ) واللبن هي ( عيلي ) ودير شرف هي ( شافي شومرون ) ووادي النار هو ( الكونتينر ) وهكذا الى أن أصبح الجمع المفرق فينا حين تغلق منطقة من هذه المناطق يبدع في البحث عن بدائل للالتفاف وترك الطريق الرئيس لمستوطني الاحتلال يعربدون كيف شاءوا بدون رادع على الإطلاق وبدل وصول الآلاف من المسافرين الى زعترة نبادر الى تركها لبضعة مستوطنين يعربدون وحدهم وكان الأرض لهم والطريق لهم مما يزيد من قناعتهم أنهم الأقدر والأقوى ويلغي خوفهم من مواجهة شعب بأسره دفاعا حتى عن حقوقه اليومية البسيطة فهذا التسليم السريع من قبلنا بالحق حتى في المرور لا أكثر, يعطي الاحتلال ومستوطنيه شعورا بالنصر والقوة نحن الأقدر على منعهم منه فقط باستعدادنا لان نكون معا في مواجهة جماعية ضد اللصوص الذين من المفترض ان يفروا فورا من مواجهة أصحاب الحق ان استفاقوا لحقهم معا.
لسنا موجودين بالمعنى الجمعي في مواجهة الاحتلال لا شعبا ولا قوى فلا يمكن للبطل الفرد الانتصار حتى النهاية ان لم يجد من حوله بطل الجماعة تحميه وتزوده بالقدرة على المواصلة وتشاركه بذلك بهذا الشكل او ذاك وتشد من أزره وتمنع الأعداء من الوصول إليه بدل ان نتركه وحيدا وننشر أخباره وصوره ونقدم الكاميرات للاحتلال دون أدنى ممانعة بل ندعها موجودة وفعالة بانتظار حضوره وحين نخسر البطل نعاود التصفيق أياما قليلة لروحه ثم يغيبه النسيان كما الحال مع من سبقه فلقد تغنت كل الضفة الغربية ببطل وادي عيون الحرامية في الانتفاضة الأولى وغنت اقل لأحمد جرار واقل لنعالوة واقل للبرغوثي ولا احد يدري ما الذي ينتظر البطل القادم من صمت ان ظل حال البطل الجماعي الغائب هذا الحال.
الاحتلال يبني المستوطنات يوميا ويقيم الطرق ويخطط لحرماننا منها ونحن نجد أنفسنا نقدم له يد العون حين نبدأ بالبحث بأنفسنا عن طرق بديلة للطرق المعروفة والتي يحتاجها لمستوطنيه فقط في سبيل تهويد الأرض غدا وفرض سيطرته المطلقة على الضفة الغربية في ظل غياب تام لإستراتيجية وطنية واحدة وموحدة لكفاحنا في سبيل التحرير الحقيقي لأرضنا والحرية لشعبنا.
هذا هو حالنا إذن ... الاحتلال يطارد بطلا من أبناء شعبنا ونحن نصفق للبطل ننشر صوره ننقل أخباره ونتغنى به حد تسليم خزائن كميرات بيوتنا ومتاجرنا للاحتلال وجنده دون أن نبذل جهدا صغيرا بمسح محتوياتها إلى أن يضيق الخناق عليه فنصمت قليلا ثم نعاود الغناء من جديد ولكن هذه المرة للشهيد أو الأسير إلى أن يغيب, بعد كل حادث يلجا المستوطنون إلى إغلاق طرقنا ببضعة قليلة منهم فنترك لهم الطريق فورا ونبحث عن بديل أيا كان إلا بديل المواجهة الجماعية للصوص أرضنا وقوى الشعب والثورة غائبة ومغيبة وفيما عدا حركة حماس التي تملك برنامجها والجهاد الإسلامي وبعض الأنشطة الفردية هنا وهناك يظل الاحتلال مدركا لان الجموع غائبة وهو ما يجعله أكثر قدرة على الإمعان في جرائمه ليس الآنية والمباشرة فقط بل والبعيدة المدى في التهويد للأرض ونهبها والتخلص من الشعب بأشكال وأنماط مختلفة أهمها التيأييس والإخضاع للشعب بأسره فلن ينتصر شعبنا بأبطال يولدون فرادى ويرحلون فرادى بل بالبطل الجماعي الكامن في الشعب كل الشعب حين يقرر التوقف عن الغياب.