الأربعاء  27 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

السلطة وحماس ونموذج حزب الله ناجح شاهين

2018-12-15 01:21:56 PM
السلطة وحماس ونموذج حزب الله
ناجح شاهين
ناجح شاهين

كان أداء المقاومة الفلسطينية في الآونة رائعاً بكل معنى الكلمة. لم ينقصه الشجاعة ولا الابداع ولا حسن التصرف أو وروح المبادرة. وقد بدا على إسرائيل الارتباك وتعالت الأصوات التي تتبادل الاتهامات بالتقصير، تماماً مثلما كان يحصل في المواجهات الفالشلة مع حزب الله.

كان من المترض أن يقود ارتقاء الفعل النضالي إلى توليد فرصة "للتنسيق" بين القوى الفلسطينية. لكن يوم أمس شهد التصادم المؤلم بين متظاهرين من أنصار حماس وأجهزة السلطة التي قامت بقمعهم كما ينبغي لأية أجهزة أمنية في العالم الثالث أن تقمع. بالطبع نحن نتمتع بخصوصية مؤلمة هي أن القوة القامعة لا تملك فعلياً السيطرة على الأرض التي تمارس القمع فوقها.

لكن أليس من الأجدى للسلطة وحماس معاً أن يذهبا إلى إتمام المصالحة؟

دعونا نتفحص هذه الإمكانية.

ماذا يريد فريق رام الله من المصالحة، وماذا يريد فريق غزة؟

فريق رام الله يريد شيئاً من قبيل عودة الأمور إلى "نصابها": العودة إلى ما قبل الانفصال أو الانقلاب مثلما يحبون أن يسموه. إنهم يريدون شطب العقد الأخير كله، وإعادة التاريخ إلى مساره "الطبيعي" الممتد من سنة 1993 إلى سنة 2007. ما تلا ذلك كان انحرافاً بالمسيرة واختطافاً للقطاع من قبل حماس والقسام.

فريق غزة يريد عودة الوضع المالي إلى وضعه الطبيعي. بالتأكيد هم لا يريدون العودة إلى الخضوع لسلطة "رام الله" وأمنها وشرطتها وأجهزتها. السلطة بالطبع واعية لذلك، وقد اوضحت على ألسنة كثيرين بمن فيهم الرئيس ذاته أنها ليست مصرفاً أو "صرافاً آلياً" عند حماس أو غيرها.

قد تكون حماس مقتنعة بأن هذا غير ممكن عملياً، وأن عودة "الصراف" وفتح المعابر يتطلب أن تتسلم السلطة فعلاً المسؤولية عن غزة لتخضع "للسيادة" الفعلية سياسياً وقانونياً وإدارياً للسلطة، لكنها تظل على ما يبدو تعيش بأمل ان تتمكن من تحقيق "اختراق" ما.

هناك من يتحدث عن نموذج حزب الله الذي يعني وجود "الدولة" مع احتفاظ الحزب بكيانه وقراره المستقل سياسياً وعسكرياً وثقافياً واقتصادياً...الخ ولكن هل هذا ممكن؟ يقال إن رئيس السلطة قد أوضح أنه لن يسمح بحزب الله في غزة، وكذلك نتانياهو وآخرون.

مرة أخرى يشكل حزب الله النموذج المزعج للدولة العبرية: قدم مثالاً لم يكن متوقعاً على أن العرب قادرون على القتال الشجاع المبدع والذكي، وأن بالإمكان هزيمة إسرائيل. وقدم نموذجاً سحرياً لإمكانية تعايش المقاومة مع الدولة مع وجود طريقة لعيش مشترك لا يعتدي فيه طرف على الآخر.

لكن إسرائيل بالطبع لن تسمح أبداً بأن يتحول القسام إلى جناح حزب الله في فلسطين. بالعكس ربما أملت إسرائيل في أن تصل وضعاً تضع فيه الورقة الفلسطينية في جيبها بعد أن وضعت السعودية والإمارات ومصر في صفها، وحيدت قطر وتركيا وآخرين. ربما أن إسرائيل تريد غزة هادئة ومسالمة في حال ذهابها إلى حرب جديدة مع حزب الله الذي يدخل المعارك الصعبة ويربحها، ليتفاقم خطره على وجود الدولة العبرية وأمنها واستقرارها.

تصر حماس على أنها لا تقبل مناقشة أية شروط إسرائيلية للمصالحة، وتشدد على أن سلاح المقاومة سيظل مرفوعاً حتى زوال الاحتلال. بالطبع نعرف أن السياسة لا تتعلق فقط بالنوايا أو التصريحات، وإنما بالإمكانيات الواقعية المتاحة، وطبيعة االتوازنات الاقليمية التي تحدد موازين القوى. حماس تعاني من حصار خانق يهدف إلى تقويض شرعيتها وشعبيتها عن طريق إرهاب الجوع. تتم عملية رهيبة لتثوير الجمهور ضد حماس عن طريق تجويع جماهير غزة. ولا بد أن ما يحصل حالياً قد سجل نقاطاً صافية في صالح حماس عندما اتضح أن بالامكان وضع حد لنموذج رام الله الاستهلاكي الذي لا "يتدخل" في السياسة ويقف على الحياد في الصراع بين المقاومة واسرائيل.

بالطبع ترغب إسرائيل في المصالحة الفلسطينية حتى في ظل قيادة نتانياهو المتطرقة. لكنها تريد من المصالحة أن تقود الى الاعتراف بالدولة العبرية دون قيد أو شرط، ونزع سلاح حماس، والانصياع "للقرارات الدولية" ونبذ الارهاب، وصولاً إلى التفاوض "المتحضر" حول الخلافات بين اسرائيل والفلسطينين العزل من اية قوة عسكرية أو سياسية، باعتبار أن المحيط العربي فقد في معظمه صفته العروبية، واصبح جسماً اقليمياً يدور في فلك اسرائيل.

فيما مضى ظهر أن السلطة الفلسطينية لا تبدو متلهفة على اتمام المصالحة واستحقاقاتها، وهذا أمر مفهوم سياسياً باعتبار أن من الضروري اعطاء الفرصة للثمرة "الحمساوية" حتى تنضج تماماً وتسقط في الموقع المنتظر بدقة ودون اي انحرافات. وفي هذا السياق اشتكت قيادات حماس مراراً من انفتاحها التام في مقابل تمنع فتح والسلطة في موضوع المصالحة.

في ذلك السياق لم توقف السلطة "العقوبات" المفروضة على قطاع غزة في مجالات الكهرباء والمياه والموظفين ومستحقات الاسر الفقيرة. كذلك ظل الخطاب عالي النبرة ضد المقاومة وضد سلاحها.

بالطبع هذه الشكوى تعني سياسياً ان السلطة كانت في وضع "قوي" لتفرض أجندتها، وهي أجندة تتضمن تحقيق الشروط الأمريكية/الأسرائيلية التي لا سبيل الى تحقيق المصالحة دونها. ولا بد أن مصر ذاتها لن تغير موقفها من غزة قيد انملة ان لم يتم الانصياع الكامل للشروط الأمريكية.

نتانياهو وقادة الدولة العبرية كلهم لا يتركون لنا مجالاً للتفكير أو الاجتهاد: العدو الرئيس الاستراتجي الأسوأ في هذه اللحظة هو ايران ومعكسرها ممثلين بحزب الله وسوريا والجهاد الإسلامي. لكن يبدو أن حماس مرشحة دائماً للعودة إلى هذا المعسكر.  ويبدو أن هذا هو الحال في هذه اللحظة أكثر من أي وقت مضى منذ بداية ما عرف بالربيع العربي الذي انحازت فيه حماس إلى المعسكر الآخر مما أدى إلى حرمان "القسام" من الاستفادة من معكسر المقاومة لبعض الوقت.

اليوم يبدو أصعب من الأشهر الماضية، وقد يكون على السلطة أن تحاول اختراع طريقة للتعايش مع المقاومة بدون مغادرة "أوسلو" نهائياً. لكن طلبنا هذا قد يبدو هو المحال من الناحية العملية لأن وجود السلطة بالذات يستند في شرعيته إلى رضا إسرائيل واتفاقية أوسلو بالذات. كأن على قيادة السلطة أن تجترح معجزة تقترب من تربيع الدائرة. ولا نظن ذلك أمراً يسير المنال. لذلك ريما يظل الخيار الأكثر واقعية هو " السيطرة" على الجماهير الفلسطينية بالطرق المعروفة مهما كان ذلك خطيراً على الشرعية الشعبية لسلطة ومنظمة التحرير. نموذج حزب الله والعيش في باستقلال داخل الدولة ضمن حد أدنى من الاحتكاك يظل إذن حالة فريدة لا يمكن أن تتقبلها السلطة الفلسطينية ولا مموليها.