الجمعة  01 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

العمال الفلسطينيون في المستوطنات... أرغفة من دم، والمنقذون كرة من ثلج!!

استغلال واضطهاد إلى حد العبودية!

2014-12-23 12:20:20 AM
العمال الفلسطينيون في المستوطنات... أرغفة من دم، والمنقذون كرة من ثلج!!
صورة ارشيفية
رام الله - محمود الفطافطة
 
"يتعرضون لضيق التنفس وبعضهم يتسلق الجدران الحديدية للبحث عن الهواء.. آخرون تدوس رؤوسهم نعال عمال يحاولون التجاوز عن الجموع لأنهم إذا تأخروا سيفقدون عملهم... يخرجون في ساعات الفجر الأولى ليخوضوا "معارك" للوصول إلى أعمالهم، وفي ساعات الليل يعودون إلى بيوتهم ليناموا ساعات قليلة ثم يستأنفون رحلة العذاب بحثاً عن لقمة عيش مغمسة بالد... هؤلاء هم العمال الفلسطينيون العاملون داخل إسرائيل والمستوطنات".
هذا التوصيف هو مقتطف جاء في تقرير للتلفزيون الإسرائيلي مؤخراً يُظهر رحلة الذل والمعاناة التي يتعرض لها عمال فلسطينيون أثناء مرورهم عبر حاجز 300 وصولاً إلى عملهم في القدس وداخل إسرائيل. ما جاء في هذا التقرير هو غيض من فيض مسلسل الانتهاكات التي يتعرض لها العمال الفلسطينيون، لا سيما العاملون في المستوطنات الإسرائيلية. مثل هؤلاء "يحملون أرواحهم" على أكفهم، فمنهم من يحالفه الحظ ليعمل بأجرٍ زهيد ليعود إلى عائلته منهكاً، ومنهم من يتعرض لغراماتٍ باهظة واعتقالٍ لبضعة أشهر يقضيها بين مجرمين وقتلة، في حين هناك فريق ثالث يعود إلى أهله شهيداً من أجل لقمة العيش.
في هذا التقرير سنسلط الضوء على واقع العمال الفلسطينيين العاملين في المستوطنات المقامة على أراضي الضفة الغربية، وذلك للتعرف على أشكال الاستغلال والاضطهاد الممارسة ضدهم، والانتهاكات لحقوقهم الاجتماعية، والاقتصادية، والقانونية، والإنسانية عموماً، إلى جانب دور "السماسرة" في التحايل على هذه الحقوق واستخدام ألوان شتى لامتصاص حق هؤلاء الذين نذروا حياتهم للتعب والمشقة لقاء أجورٍ يسيرة لإعالة أبنائهم، والتخلص من شبح البطالة الذي يخيم على عشرات آلاف الفلسطينيين. 
 أرقام حمراء!
وقبل الخوض في الموضوع نستعرض بعض المعطيات الرقمية المنشورة في عدد من التقارير الإحصائية. ففي تقرير أصدره الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني تبين أن عدد العاملين من الضفة الغربية في إسرائيل والمستوطنات بلغ في الربع الثالث من 2013 أكثر من 103 ألف عامل، منهم 30 ألف يعملون في المستوطنات. وذكر التقرير أن 51,100 عامل لديهم تصاريح عمل و34,600 عامل بدون تصاريح عمل و17,600 عامل يحملون وثيقة إسرائيلية أو جواز سفر أجنبي.
ويشير التقرير إلى أن معظم العاملين في المستوطنات هم من الذكور بنسبة 96.8%، وأن معظمهم من المتزوجين وبنسبة 67.7%، وأن حجم متوسط أسرهم بلغ 7.3 فرد. وتبين الإحصاءات أن 53.2% من هؤلاء العمال لا يحملون أي نوع من التأمينات الصحية، وأن 38.7% يملكون تأميناً فلسطينياً حكومياً فقط، منهم 33.9% يعملون في المستوطنات. كما أن ما نسبته 72.6% منهم لا يعملون بموجب عقود عمل على الإطلاق.
 
وفي تقرير صادر عن منظمة العمل العربية في 2012 تبين أن 32% من العمال الفلسطينيين في المستوطنات يتعرضون للعنف المعنوي و27% يتعرضون لاضطهاد عنصري و7% لعنف جسدي و32% للتهديد بمصادرة تصريح العمل. بالإضافة إلى التمييز بين العمال العرب وغيرهم من عمال من جنسيات أخرى والعمال الإسرائيليين. كما أن 42% من العمال الفلسطينيين في المستوطنات يتعرضون للانتهاكات من قبل جيش الاحتلال.
 
ويؤكد تقرير المنظمة أن  93% من هؤلاء العمال يعملون في مواقع عمل لا يوجد فيها لجان عمالية تمثلهم وتدافع عن حقوقهم لدى المشغل الإسرائيلي ومقاول (سمسار) العمل الفلسطيني. كما أن 75% من هؤلاء يعملون في مواقع عمل لا يتوفر فيها ملابس ومعدات واقية للاستخدام، عدا عن ما يزيد على 71% من العمال معرضون لأشعة الشمس في أماكن عمل مكشوفة. وبخصوص الجانب الصحي يبين التقرير أن 56% من إجمالي عدد العمال الفلسطينيين الذين تعرضوا لإصابات عمل في المستوطنات كانت تكاليف العلاج الطبي على حسابهم، بينما 11.5% تحملها الأهل و8% التأمين الصحي الفلسطيني.
 
هذه المعطيات الإحصائية تبين مدى حجم الانتهاكات التي يتعرض لها هؤلاء العمال الذين يُحرمون من حقوقهم من جهة، أو من وجود لجان نقابية تسترد لهم حقوقهم من جهة أخرى. ففي دراسة حول خصائص وظروف العمال الفلسطينيين في المستوطنات، أصدرها مركز الديمقراطية وحقوق العاملين في فلسطين، جاء فيها أن هؤلاء العمال يعانون من نقص في الحقوق الاجتماعية، وظروف العمل الشاقة، إضافة إلى شروط أمان ووقاية سيئة من إصابات وحوادث العمل، والحرمان من حق التنظيم النقابي العمالي، والتحايل على حقوقهم، فضلاً عن التوتر النفسي المستمر الذي يلازمهم نتيجة تهديد المشغل الإسرائيلي بسحب تصريح العمل منهم. وتضيف الدراسة أن كثيراً من هؤلاء العمال يُصابون بحالة الاغتراب والمعاناة النفسية كونهم يعملون على أرض وطنهم بأجر لحساب المستوطنين الذين يحتلون هذه الأرض، أو أنهم يعملون على أرضٍ مصادرة هي أصلاً ملك لهم أو لعائلتهم.
قهر وابتزاز
وفي دراسة بعنوان "الأمن والسلامة المهنية للعمال الفلسطينيين في الصناعات الإسرائيلية في المناطق الحدودية والمستوطنات الإسرائيلية"، أعدها كل من وزير العمل السابق د. أحمد مجدلاني ووكيل الوزارة د. حسن الخطيب، بينت أن  إسرائيل حولت مسألة العمالة الفلسطينية إلى قضية تفاوض سياسي (ورقة ضغط على الجانب الفلسطيني). وتؤكد الدراسة أن الشكاوى الواردة تُظهر أن العمال في المستوطنات يعملون في ظروفٍ وشروط عمل قاهرة، وفي منشآت تفتقد شروط الأمن والسلامة، ويتعرضون فيها لإصابات عمل قاتلة وخطيرة، كما يتعرضون وبشكلٍ متكرر للابتزاز من قبل السماسرة والمشغلين الإسرائيليين، وللذل والقتل والتنكيل على المعابر والحواجز أثناء ذهابهم لأعمالهم، والاستغلال البشع في استخدامهم في العمل الأسود، وفي ساعات العمل والأجور، والتعرض للمواد السامة والخطيرة، والطرد والفصل دون تعويض، ولأتفه الأسباب.
 
 وتوضح الدراسة: "أن غالبية هؤلاء العمال يعملون بدون تصاريح، ودون حماية قانونية، إذ تتنكر المحاكم الإسرائيلية لحقوقهم، كما لا تستطيع السلطة الفلسطينية التدخل لحمايتهم بدعوى أن مناطق المستوطنات والمناطق الصناعية تقع في دائرة تقسيم مناطق (ج) وهي خارج الولاية الأمنية والإدارية للسلطة الفلسطينية استناداً لاتفاق أوسلو".
وفي دراسة للاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، ذكرت أن العاملين في المستوطنات يُعانون من مشاكل عديدة، منها: نقاط التفتيش والحواجز الإسرائيلية التي تحول في كثير من الأحيان أمام العامل الفلسطيني للوصول إلى مكان عمله في المستوطنات، واستغلال الضائقة الاقتصادية التي يعيشها العامل الفلسطيني من قبل الجهات الأمنية الإسرائيلية لابتزازه وتوريطه في التعاون معها، وعدم تطابق الأجر الفعلي مع الأجر المُسجل في قسيمة الراتب.
 
وتشير الدراسة إلى وجود مشاكل أخرى كالتعرض للمبيدات الحشرية والمواد الكيماوية التي أدت في حالات كثيرة إلى إصابة بعض العمال بحالات الإغماء، علاوة على ذهاب العاملات فجراً لقطف المحاصيل الزراعية، حيث الأرض مغطاة بالجليد، وانتشار أغبرة المواد الكيماوية المرشوشة على المحاصيل الزراعية في وجوههم، إلى جانب أن بعض المصانع في المستوطنات (الأصباغ والزجاج والمواد الكيماوية) تقوم بعمل فحوصات لأمراض المهنة بشكل دوري للعمال اليهود فقط دون العرب.
 
من جانبه يقول الخبير الاقتصادي د. نصر عبد الكريم أن المؤشرات حول العمل بالمستوطنات تظهر زيادة في أعداد العمال مؤخراً، وكثير منهم يتعرضون إلى أشكال مختلفة من المعاناة والتضييق عليهم. ويبين أن بروتوكول باريس نص على حرية العمالة وحرية حركة التجارة، وكل ذلك بات غير موجود بحجج أمنية.
 
وشدد على ضرورة الحذر في التعامل مع نص الاتفاق من قبل المفاوض الفلسطيني باعتبار المستوطنات غير شرعية وفق القانون الدولي، وإنها ستكون ضمن حدود الدولة الفلسطينية. وحول مدى الالتزام الإسرائيلي بالبروتوكول قال د. عبد الكريم  أن الاتفاق جاء لغرض مرحلي انتقالي، وأنه في عام 2001 انقلبت إسرائيل على بنوده وباتت غير ملتزمة إلا بما يروق لها ولا يخالف مصالحها لتكريس حقائق اقتصادية تتجاوز الاتفاق نفسه.
دماء وسماسرة!
 
وتؤكد الدراسة أن العمال في المستوطنات يتعرضون لاستغلال أكبر بكثير من نظرائهم العاملين داخل إسرائيل! فهم لا يحصلون على الحقوق التي يمنحها قانون العمل الإسرائيلي من مثل (الحد الأدنى للأجور، الإجازات السنوية والمرضية، بدل ساعات العمل الإضافية، توفر معايير الصحة والسلامة في أماكن العمل...الخ) على الرغم من أن المحكمة العليا الإسرائيلية أقرت مؤخراً تطبيق قانون العمل الإسرائيلي على العاملين في المستوطنات المقامة على أراضي الضفة الغربية.
 
وفيما يتعلق بالجانب الطبي، تذكر الدراسة أن هناكإهمالاً وتجاوزات خطيرة في هذا الشأن، حيث أن أول ما يقوم به المشغل الإسرائيلي هو طرد العامل المصاب من مكان العمل فوراً دون تقديم الإسعاف الأولى له إلا ما ندر من الحالات. ويعني ذلك أن العامل المصاب قد تلقى علاجه في أحسن الأحوال بعد ساعات طويلة من الإصابة.
 
إلى ذلك، أظهرت دراسة جديدة أن المرأة الفلسطينية العاملة في المستوطنات الإسرائيلية تواجه مشاكل مختلفة كالشعور بعدم الأمان من خلال تعرضها المستمر للملاحقة، سيما في حال عدم امتلاكها "تصريحاً للعمل"، إلى جانب تعرض بعض النساء للتحرش الجنسي والتمييز العرقي والنوعي. وتبين الدراسة  التي أعدتها الباحثة هانية نعيم، كرسالة ماجستير في جامعة القدس، أن العاملات في المستوطنات يتعرضن للاستغلال والاضطهاد، فهن يحصلن على فرص عمل محدودة وأجور متدنية كما يضطرين للمخاطرة بالعمل بطريقة غير قانونية (دون تصريح)، ففي لقاء مع العديد منهن أكدن (للباحثة) أن التصريح لا يعني لهن شيئاً، كونهن يتجاوزن الحاجز مشياً، ويجدن الباص مع السمسار في الجهة الأخرى في انتظارهن، لنقلهن للعمل والعودة بذات الطريقة.
 
تحايل وعبودية!
 
وبخصوص الأجور، فيذكر أحد النقابيين: "في الوقت الذي يدفع فيه أصحاب العمل في المستوطنات الزراعية أجرة للعامل زهاء 100 شيكل عن كل يوم عمل، يقوم السماسرة بدفع ما بين 50-60 شيكل للعمال بدل أجرة اليوم الواحد، حيث تذهب باقي الأجرة لجيب السمسار". ويشير إلى أن هذه الأجور تُدفع دون قسيمة راتب، الأمر الذي يضمن ضياع حقوق هؤلاء العمال.
 
وعلاوة على ذلك، فإن هؤلاء السماسرة يساهمون في التحايل على حقوق العمال بطرق شتى. فمثلاً، عندما يتم تشغيل العمال 24 يوماً تقوم الشركة أو صاحب العمل الإسرائيلي بتسجيل الحد الأدنى المسموح به وهو 15 يوم عمل مما يفقد العامل حقه في التسعة أيام الأخرى عند التقاعد أو انتهاء الخدمة، في وقت لا يتدخل هذا السمسار لصالح حق العمال.
 
في هذه الحالة لا يستطيع معظم العمال أن يواجهوا هؤلاء السماسرة خوفاً من طردهم من العمل والتحاقهم بطابور البطالة، إلى جانب أن العمال عموماً ينظرون إلى بعض المقاولين أو السماسرة بالريبة، وخاصة تجاه من هم معروفون بأنهم متعاونون مع أجهزة الأمن الإسرائيلية، مما يعني عدم جرأتهم في حالات كثيرة على المطالبة بجملة حقوقهم.
 
واتصالاً بهذا الأمر ذكر تقرير إعلامي لإحدى القنوات العبرية أن الفلسطينيين العاملين في المستوطنات الإسرائيلية أصبحوا " عبيدا " و منهم من يعمل ما يقارب 12 ساعة في اليوم مقابل 10 - 16 شيكل على الساعة، من دون مراعاة أبسط الحقوق التي يقرها لهم القانون. ويذكر التقرير أنه في عام 2007 قضت المحكمة الإسرائيلية العليا بأن أصحاب العمل داخل المستوطنات بالضفة الغربية ملزمون بدفع مثيل المبلغ الذي يدفع في إسرائيل، أي أن أجر الساعة يجب ألا يقل عن 23 شيكل !! بالإضافة إلى امتيازات للعامل مثل العطلة وتأمينات اجتماعية وغيرها، لكن الواقع عكس ذلك تماما( وفق التقرير).
 
حكايات متشظية!
·في شهر 10/ 2009 سقط 5 عمال من النصارية وطلوزة من رافعة ترفعهم إلى شجر النخيل وأصيبوا بكسور وقد تم إسعافهم في الموقع ومن ثم تم إرسالهم إلى حاجز السلطة في العوجا، وانتهى الأمر.
·يعمل في أحد المصانع في المنطقة الصناعية "بركان" ما يقارب 12 ساعة ويكسب 110 شيكل فقط .
·يقول (محمد أبو خلف) العامل في مستوطنة بمنطقة القدس: العامل الفلسطيني هو بالنهاية فقير الحال وضعيف الحيلة.. وبالنسبة للعامل في مجال البناء يدفع له مبلغ 12 شيكل للساعة وإذا اعترض لصاحب العمل أول ما يقول له: "اذهب سوف يأتي شخص أخر مكانك".
·عامل من أريحا يقول: أعمل منذ 12 عاماً .. أتقاضى 80 شيكل في اليوم لكني اضطر لدفع مصاريف أخرى تشمل التنقل وما يتبقى لدي لا يزيد عن 60 شيكل" .
·تقول إحدى العاملات " بالرغم من التزامنا بالعادات والتقاليد العربية إلا أن هنالك رفض من المجتمع لعملنا في المستوطنات وبأن أولادنا يواجهون انتقاداً من المجتمع".
·حاول السمسار التقرب مني والحديث بطريقة خاصة ومختلفة عن الباقيات، وأثناء العمل كان يقف قريبا مني وينظر إلي ويسمعني كلاماً يخدش الحياء، وحاول إقناعي أكثر من مرة بأن أخرج معه لشرب فنجان من القهوة مقابل زيادة راتبي وتحسين وضعي في العمل، ولكني لم استطع تحمل الأمر فتركت العمل.
 
واستناداً إلى ما سبق، فإن معظم الدراسات التي أشرنا لها تؤكد على مجموعة من التوصيات، أهمها: رفع مستوى الاهتمام الرسمي وغير الرسمي بعمال المستوطنات، وتحويل قضيتهم لقضية إنسانية ـ سياسية تفاوضية بعيداً عن الارتجال والعفوية، ومتابعة حقوقهم والانتهاكات بحقهم بشكل منتظم أمام المحاكم الإسرائيلية، والعمل الجدي لخلق فرص عمل دائمة، كبديل استراتيجي للعمل في المستوطنات، وإعادة تنظيم الحركة النقابية الفلسطينية وتعزيز دورها لكي تتمكن من تبني القضايا الفردية والجماعية لهذه الفئة. وعلاوة على ذلك تخصيص نسبة من الإيرادات في الموازنة العامة لحساب مشاريع تشغيل عمال المستوطنات، وتشجيع البنوك على تخصيص نسبة من التسهيلات الائتمانية لتمويل المشاريع الإنتاجية والتشغيلية لعمال المستوطنات، بشروط ميسرة.