في ظل احتفالاتها بانطلاقاتها السنوية
رام الله ـ الحدث/خاص:
أرقام وإحصائيات إقبال الشباب على الأحزاب والتنظيمات والقوى السياسية وعزوفهم وانخفاض في معدلات مشاركتهم في مختلف مستوياتها ومجالاتها، هي أرقام محزنة لعدة اعتبارات، أحد أهمها هو انسداد الأفق السياسي، ما يجعل الشباب الفلسطيني يتساءل: هل من جدوى وراء انضمامنا إلى الأحزاب السياسية؟
وحالة الإحباط الشبابية التي يعانيها الشباب على مستويات حل مشاكل البطالة والفقر، ومعالجة القضايا خارج نطاق المؤسسة الحكومية كالمشاريع الريادية وتقصير الأحزاب في هذا الموضوع، أحبط الشباب بصورة كبيرة. وكذلك الحال فيما يتصل بالخوف من الأجهزة الأمنية، مع أنه قد لا يكون هو الحيز الأساس وإن وجد فهو حاجز ضيق بالمقارنة مع العديد من الدول.
وقضية عزوف الشباب عن الانتماء للأحزاب السياسية والذين يعتبرون محركها الأساسي وشعلة النضال الوطني، ما يشير إلى فشل الأحزاب تحقيق أهدافها لطالما فقدت عنصرها ومحركها الشبابي بما يتمتع به من عنفوان واندفاع ومغامرة وتضحية.
وبهذا الصدد يؤكد أمين سر المجلس الثوري لحركة "فتح" د. صبري صيدم، والذي يشغل منصب مستشار الرئيس لشؤون تكنولوجيا المعلومات، على هذا الواقع المؤلم والحزين لـ "الحدث"، على هذه الحقيقة المرة والتي اعتبرها ليست فقط إفرازات انعدام الأفق السياسي، وإنما نتيجة الانقسام الذي كان له الدور الرئيس في خلق حالة أكبر من العزوف وموجة أكبر من الإحباط.
ولذلك تشير الإحصائيات، حسب صيدم، إلى أن عدد الشباب المنتمين، وليسوا المتعاطفين، للفصائل والقوى والأحزاب السياسية لا يزيد تقريباً عن 37%، وبذلك فإنه يقول: "فنحن نتحدث عن 63% من المجتمع ليس له أي انتماء فصائلي، وهذا غريب على مجتمعنا الفلسطيني الذي يعيش حالة من القطبية الحزبية غير المسبوقة، وأيضاً مر في مراحل سياسية مختلفة استوجبت أن يكون انتماء الناس، وتحديداً فئة الشباب الأكثر طاقة وحيوية، للأحزاب انتماء أكبر وأعلى من حيث الرقم".
ويرى د. صيدم، أنه قبل ولادة السلطة الوطنية الفلسطينية، كانت الأحزاب قد لعبت دوراً أكبر في الأمور الحياتية للناس، وبالتالي العمل على مستوى القاعدة، ولو تصاعد هذا العمل وحقق إنجازات ميدانية لزاد من حجم إقبال الشباب على الأحزاب، ولكن أن يستنفذ أو يستفز الشباب فقط في مراحل سياسية حرجة أو في مراحل الحاجة للتأييد والمؤازرة لبعض الأحزاب يخلق من شريحة الشباب شريحة فقط للتهييج الميداني ومحاولة الاستعراض ليس إلا، لكن العودة للعمل إلى القاعدة على مستوى كامل الأحزاب الفلسطينية من شأنه أن يعيد الشباب إلى مربع المؤازرة والمناصرة والانتماء والدخول في هذه الأحزاب والفاعلية".
ويؤكد صيدم، أن مشكلة الشباب الآن أنهم يرون أن الأحزاب تتصدر المشهد السياسي على مستوى السلطة، أي في رأس الهرم، وتبتعد عن العمل القاعدي بالصورة المطلوبة، ليس كل الأحزاب طبعاً فهذا يختلف من حزب إلى آخر، ولكن السمة السائدة الآن هي أن الكل موجود في السلطة وفي مربع المناصب المختلفة العليا وغيرها في السلطة وليس هناك عمل قاعدي على المستوى الجماهيري، مما يخلق حالة من الشعور العام بأن الأحزاب فرزت نفسها باتجاه العمل الحكومي، وأن العمل الجماهيري الذي فيه مبادرات اجتماعية وفيه روح تطوع قد اختفى واندثر ومعه يطرح السؤال الأكبر، هل نحن بصدد ظاهرة انقراض التطوع في فلسطين جراء حالة عزوف الشباب؟ أنا أعتقد نعم، وإن الموضوع يجب أن ترفع راية الخطر فيه، وأن يدق الخزان باتجاه إعادة الاعتبار للدور الحزبي القاعدي الذي يستقطب أكبر عدد ممكن من الشباب.
فيما كان القيادي في حركة "حماس" د. أحمد يوسف، أكثر مكاشفة وجرأة من غيره حينما قال: "لا أرى أن الأبواب مفتوحة وأن كل الأشياء موصدة والناس محبطة، لأنها فقدت الكثير من قناعاتها بجدوى الحزبي والفصائلي، فالشباب يرون أن الفصائل غير قادرة على القيام بدور فاعل وحقيقي لتغيير الواقع الحالي الفلسطيني المأزوم، وبالتالي فإن فرصهم أيضاً في أن يكونوا فاعلين في ظل هذه الأجواء البائسة والمحبطة وعدم إدراكهم أن يكون لهم أي دور في تغيير الواقع الحالي الموجود والذي يجعلهم يفقدون الأمل في المشاركة".
في الوقت الذي تسيطر فيه البطالة والفقر وتعثر أجواء المصالحة على حياة الناس كلها، إضافة إلى أن عدم وجود أي مساحات للتفاؤل بالمستقبل القريب تجعل الناس في ظل هذه الأجواء المشحونة بالإحباط أن تبتعد بشكل أو بآخر عن العمل الحزبي.
وعلى نقيض من الجميع رفضت عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين خالدة جرار، مبدأ وجود انخفاض أو عزوف الشباب عن المشاركة في كافة مستوياتها، واعترضت على الفكرة وقالت: "لا أتفق مع السؤال، وأرى أنه بالعكس يوجد وعي شبابي يتبلور أكثر وأكثر في غالبية الفعاليات وحتى في إثارة قضايا الرأي العام، فهناك دور واضح للحركة الشبابية في الموضوع مثل ما يحدث في القدس والفعاليات والقضايا التي تثار عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كل الذين يثيرونها شباب.
وحول الانتماءات السياسية والحزبية للشباب قالت جرار: "لا أستطيع التعميم في هذه القضية وبشكل خاص، فإن الغالبية من المنتميين للجبهة الشعبية هم من فئة الشباب، ولكن فيما يتعلق بمشاركة الشباب في صنع القرار ورسم السياسات فإن هذا بحاجة إلى جهد أكبر، ومن خلال لقاءاتنا مع مجموعات شبابية كثيرة فإن شكوى الشباب دائماً تتعلق بالمشاركة في صناعة القرار، وبالتالي فإن هذا الموضوع من وجهة نظري ينتزع انتزاعاً من الحركة الشبابية حتى يكونوا مؤثرين، وفي واقعنا الفلسطيني فإنه لا للكبار ولا للشباب توجد مشاركة سياسية واضحة في صناعة القرار، وإنما يوجد غياب للمشاركة، فما بالكم بالنسبة لفئة الشباب؟"
وأكدت جرار، أنه يجب أن تكون هناك وسائل لتمكين الشباب من الوصول لمواقع صناعة القرارن وترى أن انخراطهم في الأحزاب يمكنهم من ذلك لأن الأحزاب هي وسيلة التغيير المنظمة، وكذلك انتزاع الدور لأن الدور لا يعطى بل ينتزع.
ولكن قيس عبد الكريم نائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، يوعز تراجع مؤشرات المشاركة الشبابية في العملية السياسية وفي صنع القرار، للنظام السياسي الفلسطيني الذي قال عنه إنه: "يعاني من التكلس في العديد من مظاهر بنيته بما في ذلك القنوات التي يفترض به أن يعهدها أو يتبناها من أجل تنمية المشاركة الشبابية".
ويقول: "الواقع أن هذا النظام السياسي بالعكس، يكبت هذه المشاركة الشبابية بأكثر من وسيلة ممكنة ليس أقلها تأثيراً القوانين الانتخابية التي تضع الحدود الدنيا لتأهل المرشحين إلى مختلف مواقع صنع القرار السياسي سواء كان في المجلس التشريعي أو المجالس البلدية وفي غيرها".
عزوف عن الانتماء الحزبي
ولكن د. أحمد مجدلاني أمين عام جبهة النضال الشعبي الفلسطيني يقول: "هذا العزوف عن المشاركة الشبابية وانخفاضها، له أسبابه المختلفة، أحد أهمها أن الشباب يشعرون أنهم ليسوا جزءاً من عملية اتخاذ القرار، أو المشاركة الواسعة سواء كان على المستوى السياسي أو على مستوى الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وربما أحد الأسباب الرئيسية لهذا العزوف هو تنامي وارتفاع نسبة البطالة في صفوف الشباب والخريجين من الجامعات والتي تخلق حالة من الإحباط وحالة من عدم الاكتراث".
لذلك يتفق مجدلاني مع الآخرين، في أن نسبة المشاركة السياسية بين الشباب وفي الفعاليات الوطنية العامة في تراجع، وربما هذا يعود أيضاً إلى أن الشباب يعتبرون أنفسهم أنهم مطالبين بأن يكونوا أدوات تنفيذية، في حين أنه من المفترض أن يكونوا شركاء في تقرير مصيرهم ومصير شعبنا.
ويرى في قضية عزوف الشباب عن الانتماء للأحزاب والذين يعتبرون محرك الأساس وشعلة النضال الوطني، فشلاً للأحزاب من حيث تحقيق برامجها وأهدافها.
ومن هنا لا يتواني مجدلاني، عن دعوة، الأحزاب السياسية الفلسطينية لمراجعة جدية لعملها وبخاصة بين أوساط الشباب لأن مستقبلها مرهون بقدرتها على الاجتذاب لأوساط ولقطاعات مهمة من الشباب، فلم تعد الطرق التقليدية السابقة كافية وحدها لجذب هؤلاء الشباب والخريجين والاستقطاب في العمل السياسية والوطني.
وقال: "لم تعد الشعارات السياسية والكفاحية من أجل الحرية والاستقلال ومواجهة الاحتلال وحدها، سبباً كافياً لجذب الشباب للانضمام للحركالت والقوى السياسية، فلربما هناك الكثير من الشباب أصبحوا يعبرون عن أنفسهم بحركات شبابية مختلفة في مواجهة الاحتلال وبأشكال مختلفة، وباتوا يعتقدون أنه من الممكن القيام بمهمة النضال ضد الاحتلال سواء كانوا في أحزاب أم خارجها".
ولذلك يعتقد مجدلاني أن الأحزاب وكل القوى السياسية الفلسطينية بحاجة إلى تطوير منهج عملها وتفكيرها وعلاقاتها مع الشباب بحيث تكون قادرة على تشكيل عنصر جذب لهم للانخراط في العمل السياسي.
لكن الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية د. مصطفى البرغوثي، يرى أنه بالرغم من إقراره ببعض مظاهر التراجع التي تعود إلى تقصير القوى السياسية في القيام بواجبها في التوعية والتثقيف والتعبئة وهذا طبعاً أمر مهم ويجب الانتباه له.
لكنه يرفض فكرة تعميم عزوف وانخفاض مشاركة الشباب على جميع الأحزاب والقوى السياسية، فهناك تفاوت، وبرأيه أنه خلال الأشهر الخمسة الأخيرة: "شهدنا اندفاع جيل جديد متكامل في النضال الوطني متحرر من الضغوط ومن أعباء الحياة والقروض البنكية وهو الذي يغذي ما أسميه "الانتفاضة الشعبية الثالثة"". ويعتقد أننا سنشهد أشكالاً جديدة لانضواء الشباب في الكفاح الوطني.
أما الخبير الاقتصادي د. نصر عبد الكريم فيقول: "التفسير المنطقي لعزوف وانخفاض معدلات مشاركة الشباب يعود ربما لأحد الاحتمالين، مع أن فرصة المشاركة ومنهجيتها متاحة للشباب، والاحتمال الثاني حتى لو أتيحت واضح أن هذه الخواص أو المنهجية أو قنوات المشاركة لم تكن فعالة، وبالتالي الشباب بدأوا يدركون أن مشاركتهم قد تكون غير مجدية سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي".
ويضيف، "واضح أن هناك عزوفاً عن المشاركة لأنه في النهاية المشاركة في صناعة السياسة والتأثير على الكثير في مجالات الحياة، والمشاركة هدفها تأثيري وهو في النهاية ليس فقط سماع صوت وإنما أيضاً جعل هذا الصوت والرأي القادم من هذه الفئة يتم استيعابه في السياسات، وأن تؤخذ أولويات هذه الفئة بعين الاعتبار، وبالتالي هذا احتمال".
والاحتمال الآخر الذي يطرحه د. عبد الكريم، هو أنه قد يكون انشغال الشباب بهمومهم الخاصة كل على حدة ووحده بالمشاغل اليومية الحياتية والهموم والتطلع للمستقبل وإدارة شؤونهم، ربما هذا أيضاً جعل الكثير منهم يعزف عن المشاركة في الحياة العامة، وكل واحد بدأ بالبحث عن الخلاص الذي يمكن أن يسميه البعض "الخلاص الفردي"، بعيداً عن الحراك الجماعي أو المشاركة الرسمية أو المؤسسية، ويقف على رأس هذه الهموم والانشغالات البحث عن فرص عمل وبناء مستقبل ربما وتأمين حياة كريمة لهم، خاصة وأنهم يعانون من بطالة عالية.
وأيضاً في ظل مداخيل لا تتناسب مع مستويات المعيشة وتكاليفها، وبالتالي تجد كل شاب يبحث عن طرق ووجهات تساعده على تلبية احتياجاته اليومية والتي أصبحت تثقل كاهله.
أثر الانقسام والخوف من الأجهزة الأمنية
ويؤكد د. يوسف، أن عنصر الانقسام والخوف من الأجهزة الأمنية يؤخذ بالاعتبار، على اعتبار أن الشباب حاولوا في 15 آذار 2011 تنظيم حراك شبابي، لكن أجهضت كل جهودهم بسبب الأجهزة الأمنية سواء في قطاع غزة أو في الضفة الغربية، ولذلك قال: "يخشى الشباب من أن يتم قمعهم من قبل الأجهزة الأمنية في حال تنظيمهم أي فعالية، وهذا عنصر هام ظهر في التجربة السابقة، وعدم تفاعل المستوى السياسي بمستوى التضحيات التي قدمها الشباب جراء تحركاتهم يجعلهم يصابون بالمزيد من الإحباط واليأس".
بينما تؤكد جرار، أنه لا شك أن الانقسام والخوف من الأجهزة الأمنية له تأثير سلبي كبير على مشاركة الشباب الحزبية لأنه من الواضح أن المستهدف من الأجهزة الأمنية سواء في الضفة أو في قطاع غزة في إطار كتم الحريات هم فئة الشباب الذين يعتبرون مستهدفين ويلاحقون ويعتقلون.
وتقول: "أما بالنسبة للانقسام فإن له أثراً سلبياً على الحركة الشبابية وعلى دور الشباب المفترض في كل مناحي الحياة، وانتقل الدور للتحريض والتعبئة السلبية".
في حين يعتقد أبو ليلى، أن التجربة التي شهدناها أكثر من مرة ونشهدها اليوم ببطولة الشباب الذي يهب لنصرة الأقصى ودفاعاً عن هوية المدينة المقدسة هي مؤشر، إلا أن الخوف ليس سبباً من أسباب تراجع المشاركة الشبابية، العكس هو صحيح، كان دوماً الشباب هم الطليعة المبادرة التي تتمرد على نظام الخوف والقلق وتقف في مواجهة مثل هذا القمع سواء كان داخلياً أو من الاحتلال".
ولكن مجدلاني، لا يرى أن الانقسام والخوف وانخفاض سقف الحريات ودوره في المشاركة الشبابية، هو السبب وراء العزوف، لكنه لم يستبعد أن يكون عاملاً لكنه ليس سبباً رئيسياً وإنما الأساس في تراجع المشاركة لأسباب مجتمعية أخرى ولأسباب سياسية، وبالأساس هو لعدم تجديد الأدوات والبرامج والرؤى لاجتذاب هؤلاء الشباب.
بينما لا يعتري البرغوثي، الشك في أن ظروف الانقسام وتعطيل الحياة السياسية الطبيعية وخاصة تغييب المجلس التشريعي والانتخابات كانت من أحد أكبر السلبيات التي أدت إلى انكفاء ليس فقط الشباب، وإنما فئات كبيرة من المجتمع، وبالتالي لا يستطيع المجتمع أن يشارك في عملية صنع القرار أو رسم السياسات والانتخابات معطلة، وبالتالي الفرص مغلقة أمام جيل الشباب.
انتشار الفقر والبطالة عزز حالة الإحباط
وعن تداعيات انتشار الفقر والبطالة بين أوساط الشباب وعدم تكافؤ الفرص يقول د.صيدم، إن حالة الإحباط الشبابية على مستويات حل مشاكل البطالة والفقر، ومعالجة القضايا خارج نطاق المؤسسة الحكومية كالمشاريع الريادية وتقصير الأحزاب في هذا الموضوع، أحبط الشباب بصورة كبيرة. وكذلك الحال بالنسبة إلى الخوف من الأجهزة الأمنية مع أنه قد لا يكون هو الحيز الأساس لأنه عندما نرى حجم الإقبال على شبكات الإعلام الاجتماعي وما يكتبه الشباب، أعتقد أن حاجز الخوف في فلسطين وأن وجد هو حاجز ضيق بالمقارنة مع العديد من الدول".
فيما لا ينكر د. يوسف دور انتشار الفقر والبطالة وعدم تكافؤ الفرص في إحباط وعزوف الشباب عن المشاركة في الحياة السياسية والحزبية، حيث أن كل هذه العوامل مع بعضها البعض خلقت حالة تكلس من الإحباط، وفقدانهم الثقة في الفصائل والأحزاب، وحالة البطالة والفقر بمستوياتها المخيفة، وانعدام بصيص أمل لهؤلاء الشباب أفقدتهم التفاؤل، إضافة إلى غياب الحياة السياسية في الشارع الفلسطيني والمؤسساتي وانعدام وجود أحزاب حقيقية وتغييب الانتخابات، ما يثبت عدم وجود محاولات لترميم وإعادة ثقة الشباب بإمكانية التغيير والتبادل السلمي للسلطة، مما يخلق ردات فعل سلبية تجاه التوجهات السياسية بشكل عام.
بينما ترى جرار: "إنه من الواضح أن نسبة البطالة عالية جداً وبالأساس فإنها تمس الشباب فنجد خريجين شباب بأعداد هائلة سنوياً وهم عاطلون عن العمل، وبالتالي تلعب السياسة الاجتماعية الاقتصادية في ظل عدم وجود فرص عمل وفي ظل عدم وجود مستقبل اقتصادي وفي ظل نظام اقتصادي قائم على سياسات اقتصادية اجتماعية لا تتيح العدالة الاجتماعية، وإنما تعزز تعميق وضع الفقراء وفي ظل وجود واسطة ومحسوبية أيضاً، وبالتالي النسبة الأكبر من الشباب محرومون من المشاركة في العملية الاقتصادية".
أما د. عبدر الكريم فيقول: "إنه في ظل الاحتمال الأول في ظل غياب لمأسسة المشاركة وعدم جدوى المشاركة وانشغالات الشباب في ظروف معيشية صعبة تزداد صعوبة يوماً بعد يوم وعلى رأسها فرص العمل، وبالتالي البطالة بين أوساط الشباب عالية ومرتفعة وفرص العمل شحيحة وحتى لو توفر هذا العمل فقد يكون ليس في مجال الاختصاص، وإضافة إلى أن مستويات الدخول لفرص العمل ما زالت دون المستوى المطلوب وهي لا تتناسب ومستويات تكاليف المعيشة ومستويات الأسعار، وبالتالي يجعل هذا الشاب وتلك الشابة ينغمسون أكثر في همومهم الحياتية ويبحثون عن خلاصهم الفردي.
وبالتالي، السبب الأول ساعد كثيراً السبب الثاني، فلو كانت هناك مشاركة ممأسسة ومنهجية للمشاركة ومفيدة وملزمة، أن كان على الأقل الشاب يسلك هذا المسلك كي يحسن وضعه ويجعل من حياته أكثر معنى، ولكن انسداد المشاركة وعدم جدواها في الكثير من الأحيان مع وجود الصعاب الحياتية يجعل الشباب يغلبون أكثر بتحليل التكلفة والمنفعة وتغلب أكثر البحث عن الخلاص الفردي من المشاكل ومواجهة تحديات تمس كل فرد، وبالتالي أظن أن هذا السبب ساعد كثيراً ضنك الحياة والأعباء اليومية على أن المشاركة سواء في القرار السياسي أو الحياة العامة التي تتراجع.
في ظل حالة الإحباط واستقراء المستقبل
وفي ظل حالة الإحباط فإن د. عبد الكريم يقول: "إن هناك سببين رئيسيين ما زالا يحكمان نشاط الحراك الشبابي أو صوت الشباب، الأول هو السقف السياسي وفيه تكلس في العمل السياسي سواء في الأحزاب أو على مستوى المؤسسات الأخرى المجتمعية التمثيلية. والثاني هو السقف الاقتصادي، إذ أن البرامج الشبابية التي تدعم رياديتهم وإبداعاتهم وتعطيهم فرصاً للانتقال من كونهم موظفين من فئة الدخل المحدود، هذه أيضاً سقفها يهبط ولم يعد ممكناً، فالحقيقة تشير إلى برامج متناثرة ومؤسساتية غير فاعلة، وغير قادرة على استيعاب الشباب، وبالتالي يشعر الشباب أن الذين يديرون البلد على المستويين السياسي والاقتصادي هم بصراحة من الرعيل الأول".
ويضيف: "أن المساحة المتاحة للشباب كي ينخرطوا ويتعلموا من التجربة هي مساحة محدودة، وبالتالي هذا الإحباط ليس فقط عند الشباب وانما عند الكثير من الناس الذين يشعرون أن فرصهم في المشاركة السياسية والاقتصادية هي فرص محدودة جداً في ظل ما يمكن تسميته بالسطوة القائمة لرعيل سباق أخذ ربما الفرصة الأولى وبعدها الفرص لم تتجدد إلا لفئة وعدد قليل جداً، وبالتالي فإن عنصر الإحباط لا شك موجود على المستويين السياسي والاقتصادي".
ويلحظ عبد الكريم أن دور الأكاديميين والمهنيين بدأ بالتآكل والمراجعة، وبالتالي فإنه يقول: "أظن أن هذا الإحباط إن دل على شيء أو أعطى انطباعاً عن المستقبل، فهو مؤشر ليس إيجابياً كثيراً ولربما يراكم التكلسات ويراكم فشلاً في الاستجابة".
ويؤكد عبد الكريم على أن أي نمط عمل عندما تدخل عليه فئة جديدة شبابية بروح جديدة فإنها تريد تجديده، لكن إذا بقي في السياق ثابت وهذا ما حصل على مدار الـ20 سنة الماضية مع ببعض الاستثناءات، فإننا نلحظ أنه يريد أن يفرض نمط تفكير معين.
وبالتالي يصبح من الصعب جداً بوجود هذه السياسات والقرارات ومناهج العمل إحداث تغييرات جدية وجوهرية في طريق العمل سواء في إدارة المؤسسات الاقتصادية أو في إدارة الصراع حتى مع الاحتلال من خلال المؤسسات المعنية السياسية.
لذلك يظن عبد الكريم، أن التجديد يكون بدفع دم جديد للاقتصاد أو للحياة السياسية والشباب، فهم الذين يقومون بهذا الدور في كل دول العالم ولهذا السبب دائماً يجب أن يكون هناك جسر يربط ما بين التجربة ويسمح بربط التجربة التاريخية الغنية للكثير من الناس لأجيال سبقت وتعلمت بالجيل الجديد الذي يرغب أن يأخذ دوره ويستفيد من التجربة.
وقال: "إذا فقد المجتمع ديناميكيات التغيير، فإنه سيكرر التجارب السابقة، فبعد كل محطة من محطات الشعوب الهامة كل 10 سنوات يجب أن تكون هناك وقفة جدية حول آليات وأدوات العمل، والشباب هم أدوات العمل التي يجب أن تحدث التغييرات بكل بساطة، وأي إحباط يعني وجود إشكالية كبيرة، وأعتقد بشكل عام أن السمة التي يمر بها المشهد الفلسطيني الآن بصورة ثابتة تتكرر كل يوم بنفس المشاكل والعثرات، وبالتالي الشباب ربما أهم فئة تقوم بتجاوز بعض العثرات".