الحدث- محمد غفري
علت الأصوات المطالبة بوقف التنسيق الأمني، وازدادت حدة حناجر خطابات الساسة المهددة بوقفه في وسط السلطة الفلسطينية، على إثر استشهاد القائد الوزير زياد أبو عين قبل أسبوعين، عدا عن التلويح الدائم بوقفه وحل السلطة من قبل الرئيس الفلسطيني محمود عباس كورقة تهديد بيد السلطة في وجه إسرائيل وحلفائها، في حال استمرار تعثر المفاوضات والتوسع الدائم للاستيطان، والفشل في نزع قرار من مجلس الأمن يضع حداً زمنياً ينهي الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحلتة منذ العام 1967.
وكان آخر ما قاله الرئيس محمود عباس حول ملف التنسيق الأمني مع إسرائيل: "سنبحث الليلة تحديد العلاقة الفلسطينية مع إسرائيل، بما يشمل دعوتها إلى تحمل مسؤولياتها، ووقف التنسيق الأمني".
جاء ذلك في مستهل اجتماع القيادة الفلسطينية أمام وسائل الإعلام يوم 14 كانون الأول/ ديسمبر الحالي، من أجل مناقشة 10 ملفات عقب استشهاد أبو عين.
وفي ضوء هذه التهديدات الدائمة، يظهر للعيان أن إسرائيل هي الطرف المستفيد من التسيق الأمني مع السلطة وبقائه في صالحها، وأن السلطة بإمكانها أن تستغني عنه متى شاءت، وهذا ما أكده عدد من الخبراء السياسيين لـ"الحدث"، في تقرير سابق، حول الجهة المستفيدة من استمرار التنسيق الأمني.
لكن السؤال الكبير الذي يطرح نفسه: هل تهديد السلطة والرئيس الدائم بوقف التنسيق الأمني حقيقي، وأن هذا الأمر يهدد إسرائيل؟
وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي موشيه يعلون تحدث في أكثر من مناسبة، وقلل من شأن تهديدات السلطة الفلسطينية بوقف التنسيق الأمني.
حيث استبعد وزير جيش الاحتلال يوم 12 كانون الأول/ ديسمبر الحالي وقف السلطة الفلسطينية التنسيق الأمني مع إسرائيل.
وقال يعالون للإذاعة الإسرائيلية العامة في ذلك اليوم، رداً على تهديدات رجالات السلطة إثر استشهاد أبو عين: "أعتقد أن تهديد السلطة الفلسطينية بوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل وهمي كونه يهمّها بدرجة لا تقل عن مدى اهتمام إسرائيل باستمراره".
وأضاف: "التنسيق الأمني مهم للطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، ولكنه يهم الطرف الفلسطيني أكثر".
وكان يعالون قد صرح قبلها بيومين في 10 كانون الأول/ ديسمبر الحالي لصحيفة "إسرائيل اليوم"، "إن التنسيق الأمني مع الفلسطينيين مستمر، وهو مصلحة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي".
بدوره قال الخبير الإسرائيلي في الشؤون العربية "تسفي بارئيل"، "إن الرئيس عباس يعرف أنه يحتاج للتعاون مع إسرائيل لضمان تأييد الأمم المتحدة لدولته المستقبلية، وهو حائر بين مواصلة التعاون الأمني أو تجميده، وهذه هي المعضلة الصعبة التي تشغل بال القيادة الفلسطينية في الأيام الأخيرة، لكنه يجد صعوبة في تجاهل الضغط الجماهيري الذي يدعو لقطع العلاقات مع إسرائيل، ويشارك فيها مسؤولون كبار في القيادة مثل جبريل الرجوب ومصطفى البرغوثي"، على حد زعم "تسفي بارئيل".
وأضاف الخبير الإسرائيلي: "ترى واشنطن وحلفاؤها التنسيق الأمني المتين كدليل على أن عباس ليس فقط غير إرهابي، بل إنه جزء لا يتجزأ من الحزام الدفاعي لإسرائيل، ومن هنا ينبع تقدير النشطاء الفلسطينيين في أن عباس سيمتنع عن تجميد التنسيق، وسيجد سبلاً أخرى لتهدئة الجمهور وزملائه في القيادة الفلسطينية".
فيما قال الكاتب الإسرائيلي "الياكيم هعتسني": "إن التنسيق الأمني بالنسبة للسلطة الفلسطينية يمثل "تأمين حياة""، واصفاً تهديدها بالذهاب إلى المحاكم الدولية بـ "التهديد الفارغ"، وذلك خلال مقال له بعنوان "حراس النفاق" نشره في صحيفة "يديعوت أحرنوت" يوم الثلاثاء 11 كانون الأول/ ديسمبر الجاري.
وقال هعتسني، إن التنسيق الأمني، وإن جنت إسرائيل فوائدها منه، إلا أن إنهاءه يشكل تهديداً للسلطة لا لإسرائيل، مضيفاً، أن فتح وإن لبست ثوباً مدنياً من خلال اتفاق أوسلو، إلا أنها تواصل "الإرهاب القاتل" من خلال كتائب شهداء الأقصى.
في الجانب الفلسطيني شكك محللون وخبراء سياسيون فلسطينيون بقدرة السلطة الفلسطينية على اتخاذ إجراءات عملية ووقف التنسيق الأمني مع إسرائيل.
وقال عبد الستار قاسم أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية بنابلس: "إن التنسيق الأمني هو مبرر وجود السلطة، ولو لم يكن هناك تنسيق أمني لما قامت السلطة".
وأضاف الخبير السياسي أن إسرائيل: "تحرص في كل الاتفاقيات مع العرب، أن تقوم الجهة العربية المقابلة لها على خدمة الأمن الإسرائيلي، وفق شروط إسرائيل ومتطلباتها"، مشيراً إلى أنه: "لو لم يكن الجانب الفلسطيني قد التزم بحفظ الأمن الإسرائيلي لما قامت السلطة الفلسطيينية".
ولفت إلى أن: "السلطة الفلسطينية ليست راغبة ولا قادرة على إلغاء التنسيق الأمني، والسبب بعدم رغبتها هو وجود امتيازات لشخصيات السلطة الفلسطينية".
واستدرك بالقول إنه: "لو أخذت إسرائيل تهديد السلطة الفلسطينية بجدية لنشرت الكثير من الحواجز الأمنية بالضفة الغربية، ولزادت عدد قواتها من جيش وحرس حدود، وهذا ما لم يحصل، لأنها تعي أن السلطة غير قادرة على اتخاذ مثل هذا القرار".
وأشار المحلل إلى إن التصريحات "النارية" التي أطلقها القادة السياسيون هي مجرد محاولة "لامتصاص الغضب ودغدغة المشاعر".
المحلل السياسي وأستاذ الإعلام في جامعة بيرزيت نشأت الأقطش، شكك بإمكانية أن تكون السلطة قادرة على وقف التنسق الأمني مع إسرائيل.
وقال الأقطش: "لست متأكداُ من أن السلطة يمكنها فعلاً اتخاذ قرار بوقف التنسيق الأمني، لأن هذا القرار تاريخي وصعب، وإذا اتخذت القيادة السياسية هذا القرار، فهل ستلتزم الأجهزة الأمنية به؟".
ولفت المحلل السياسي إلى أن موقف السلطة في الأشهر الأخيرة: "كان غاضباً، وهناك حالة من الاحتقان الحقيقي، وبالتالي السلطة في مأزق، فإما أن تُعطى أكسجين بالقدر الكافي بما يمكنها من البقاء، وتحافظ على ماء وجهها أمام الجماهير التي بدأت تتهمها بشكل واضح أنها جزء من الاحتلال وأنها تبرر وجود الاحتلال، أو أنها ستنحاز للجماهير المقموعة في القدس وغزة والضفة الغربية"، وفق قوله.
ورأى الأقطش أنه لم يبق أي مبرر لبقاء السلطة على اتفاق مع الإسرائيليين، وقال: "هناك توصية من المجلس الثوري لحركة فتح بوقف كل العلاقات المنبثقة عن أوسلو، والمقصود هو التنسيق الأمني، لذلك اغتيال أبو عين هو الشرارة التي ستنفجر إذا لم تتبنَّ السلطة ذلك الموقف".
واتفق الأقطش مع عبد الستار قاسم في حديثه حول المصالح التي ستخسرها السلطة في حال وقف التنسيق الأمني، مشيراً إلى أن السلطة الآن تقف أمام "موقف تاريخي".
وبرر رأيه ذلك بالقول: "الشعب الفلسطيني لم يعد لديه ما يخسره، فقد خسرنا القدس وآلاف البيوت هدمت، والأراضي تصادر بالضفة، لكن السلطة لديها ما تخسره، من التحويلات المالية وبطاقات الـ VIP والرواتب، وهذا ما يجعل السلطة تفكر ملياً قبل أن تتخذ قراراً من هذا النوع".
وبالرغم من أن كل هذا الحديث، وإن كان مقضباً نوعاً ما، يدور في فلك التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، إلا أن الناطق باسم الأجهزة الأمنية الفلسطينية عدنان الضميري صرح لقناة "الجزيرة" قبل أيام قليلة، أن التنسيق الأمني معطل ولا يوجد تنسيق منذ العام 2002، عندما اجتاحت إسرائيل كل المناطق الفلسطينية ودمرت كل مقرات الأمن الفلسطينية.
لكن الضميري استردك بالقول: "أنه من الناحية الرسمية لم يصدر قرار فلسطيني، أن اتفاق أوسلو بمكوناته الثلاث قد مات".
وأكد في تصريحه، أن: "التنسيق الأمني بالأساس لم يرد في الاتفاقات الرسمية تحت هذا المسمى، بل ورد كلجان مشتركة تتكون من لجنة مدينة ولجنة عسكرية".
والتنسيق الأمني هو تناقل معلومات بين الأمن الفلسطيني والأمن الإسرائيلي حول الأخطار التي يمكن أن تهدد أمن الدولة العبرية من الجانب الفلسطيني.
وحسب اتفاق أوسلو، الموقع بين الجانبين في العام 1993، يقوم الجانب الفلسطيني بمنع تنفيذ هجمات على إسرائيل، كما تقوم الأجهزة الأمنية الفلسطينية والإسرائيلية بتبادل المعلومات لمكافحة ذلك.