حقيقة لا بد من تأكيدها، أن صمود الشعب الفلسطيني بقيادة الرئيس عباس هو من أفشل صفقة القرن التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لدى تسلمه الرئاسة الأمريكية قبل عامين، وكان وراء تأجيل الإعلان عن هذه الصفقة شهرا بعد آخر، وهي في حقيقتها رؤية إسرائيلية من ألفها إلى يائها لتصفية القضية الفلسطينية.
الصفقة كانت بحاجة إلى غطاء عربي وقد انبرى عدد من الزعماء العرب للأسف للدفاع عن الصفقة وتبني الرؤية الأمريكية الإسرائيلية لحل القضية الفلسطينية، بل مارسوا ضغطا سياسيا وماليا على القيادة الفلسطينية ممثلة بالرئيس عباس للقبول بالصفقة دون جدوى لإدراكهم أن الرئيس عباس وما يمثله هو الرقم الصعب في معادلة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وتبدّى الرفض الرئاسي الفلسطيني للصفقة في رفض اللقاء مع الرئيس الأمريكي ونائبه وأركان إدارته ورفض التفرد الأمريكي في رعاية أي مفاوضات مستقبلية لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهو أمر لم يجرؤ عليه أي زعيم عربي أو دولة.
ولعل هذا الموقف الصلب للرئيس عباس وتمسكه بالثوابت الفلسطينية التي أقرتها منظمة التحرير الفلسطينية المتمثلة في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة منذ الرابع من حزيران 1967 وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس، وحق اللاجئين الذين تم تشريدهم من وطنهم عام 1948 في العودة إلى بيوتهم وممتلكاتهم والتعويض عليهم.
هذا الموقف يفسر الهجوم المسعور من نتنياهو وحكومته وقطعان المستوطنين على شخص الرئيس عباس وتهديد حياته، وهذا الموقف الصلب للرئيس في مواجهة الأخطار التي تهدد قضيتنا؛ يتطلب موقفا واحدا من كل القوى والفصائل والأحزاب والحركات الفلسطينية والقومية والإسلامية، داعما للشرعية الفلسطينية المتمثلة في منظمة التحرير الفلسطينية ورئيسها محمود عباس، فالمشروع الوطني الفلسطيني تحيط به اليوم جملة أخطار كبيرة، ولعل الحراك الجماهيري النوعي في الضفة الفلسطينية والقدس وغزة في مواجهة تغول الاحتلال والدعم السياسي للجماهير الفلسطينية في الشتات وبعض قوى التضامن والمقاومة والتحرر في العالم يقف سدا منيعا في وجه المؤامرة الأمريكية-الاسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية، ويشكل أرضية لمصالحة فلسطينية هدفها حماية المشروع الوطني الفلسطيني في الحرية والاستقلال وإنهاء الاحتلال وتوجيه السهام بعيدا عن شخص الرئيس إلى العدو الصهيوني المحتل لأرضنا ووطننا ويتهدد هويتنا واستقلالنا.
واليوم يشعر شعبنا أكثر من أي وقت مضى أنه وحيد ومكشوف الظهر في ساحة المواجهة، وأن أشياءه وأصدقاءه وأحرار العالم الذين لطالما تمنينا دعمهم قد انصرفوا عنه لما يشغلهم من قضايا مصيرية في أوطانهم.
والعجيب في هذا الزمن المظلم أن العدو المركزي الذي شُخّصَ لأكثر من قرن من الزمان والمتمثل بالحركة الصهيونية وإسرائيل بات الحليف المرجو والسند لأنظمة عربية وإسلامية في ظل صمت شعبي للأسف الشديد.
ولا يمكن لعاقل يعرف أبجدية العمل السياسي أن يتصور أن إسرائيل قد تهبّ لنجدة دول عربية كسلطنة عمان أو قطر أو الإمارات أو البحرين أو موريتانيا من خطر قد يهدد هذه الدول، وإذا كان من خطر يتهددها فليس غير عدم تصالحها مع شعبها وتطلعاته الوطنية والقومية والاجتماعية أو مع محيطها العربي والإسلامي.
وإذا كان بعض العرب يعيشون في غيبوبة بما يتعلق بالقضية الفلسطينية بل يعيش هذا البعض حالة تواطؤ مع العدو الصهيوني المحتل لأرض فلسطين؛ فإن المجتمع الدولي بدوله التي تقترب من المئتين هو غائب أيضا عن الفعل أو التفاعل مع الأحداث التي تعصف بالعالم، فباتت إدانته أو تأييده لقضية ما لا تتعدى كونها حبرا على ورق لا تقدم ولا تؤخر، خاصة إذا ما تعلق الأمر بإسرائيل التي تتمتع بحماية الولايات المتحدة وترى نفسها فوق القانون الدولي فترتكب أبشع الجرائم بحق الشعب الفلسطيني من قتل ميداني ومصادرة الأراضي والاستيطان وهدم البيوت واعتقال الأطفال والنساء وتشريدهم في العراء وقطع الطرق ونصب الحواجز في كل مكان.
ويلاحظ أن دول العالم منشغلة بقضاياها وحروبها الاقتصادية وفساد حكامها وثورات شعوبها على هؤلاء الحكام، ما يدعو شعبنا وقواه الفاعلة للوحدة ورصّ الصفوف ونبذ الخلافات الفئوية والتنظيمية والانضواء تحت برنامج للصمود والتصدي لمخططات الاحتلال وهجمته المسعورة على شعبنا وصولاً إلى الحرية والاستقلال.