تشهد الأمم المتحدة حراكاً سياسياً مكثفاً للدبلوماسية الفلسطينية والعربية لكسب التأييد لمشروع القرار الفلسطيني- العربي بتحديد سقف زمني لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967. وإذ كانت القيادة الفلسطينية على أعلى المستويات قد أبقت الباب مفتوحاً للنقاش وتبادل الآراء والتعديل على مشروع القرار لتمريره في مجلس الأمن، فإن الثابت في القرار يجب أن يركز على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف التي أقرتها الشرعية الدولية.
وندرك كما تدرك القيادة الفلسطينية أن الطريق أمام مشروع القرار الفلسطيني-العربي ليس سهلاً وأن واشنطن وحتى فرنسا تفاوضان نيابة عن إسرائيل لإفراغ مشروع القرار من أي مضمون عملي بل تحاولان وضع ثغرات فيه تبقي إنهاء الاحتلال وفق الرغبة الإسرائيلية وتعطي إسرائيل حقاً في القدس الشرقية من خلال النص على أن "القدس عاصمة لدولتين". ومن خلال عبارة "تبادل الأراضي" ومن ثوابت السياسة الأمريكية التي عاصرناها، والحفاظ على أمن إسرائيل ومصالحها وفق الرؤية الأمريكية لمصالح إسرائيل وأمنها ومصالح الولايات المتحدة في المنطقة وهذا ما يعاب على الإدارات الأمريكية منذ إنشاء إسرائيل وإدارة الرئيس أوباما كسواها من الإدارات تغض الطرف عن الاحتلال الإسرائيلي والعنصرية الإسرائيلية والجرائم التي ترتكبها بحق الشعب الفلسطيني، وتجد لهذه السياسات المبرر القانوني وربما الأخلاقي.
وأمريكا اليوم تقف مدافعة عن سياسة أكثر حكومة إسرائيلية يمينية في تاريخ إسرائيل وتتصدى لمشروع القرار الفلسطيني-العربي المقدم إلى مجلس الأمن لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي في فترة زمنية محددة لا تتجاوز عام 2017 وأمريكا اليوم تمارس الضغوط السياسية والاقتصادية على دول مجلس الأمن لتمنع تبني الدول الأعضاء في المجلس من التصويب لصالح مشروع القرار، ولكي لا ينال مشروع القرار الأصوات التسعة اللازمة لإقراره تجنباً لاستخدامها حق النقض "الفيتو" لإبطال مشروع القرار وافتضاح أمرها مرة تلو الأخرى بأنها دولة تناصر الاحتلال الإسرائيلي وتقف مع الجرائم الإسرائيلية المتكررة وانتهاك حق الإنسان الفلسطيني في الحياة وتقرير المصير والعيش بسلام في دولة مستقلة أسوة بكل شعوب الأرض.
يبدو من السياسة الأمريكية أنها ما زالت تريد زمناً مفتوحاً وليس محدداً ودعوة غير ملزمة لإسرائيل بإنهاء الاحتلال للأراضي الفلسطينية المحتلة في حزيران 1967 بما فيها القدس الشرقية ووقف الاستيطان الفوري. وعليه، يتخوف الشعب الفلسطيني وقيادته وقواه وفصائله الوطنية والإسلامية من تمرير قرار في مجلس الأمن لا يكون منسجماً مع الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
والتباين في آراء القيادة الفلسطينية حول مضمون مشروع القرار الفلسطيني-العربي المقدم إلى مجلس الأمن، أمر طبيعي وظاهرة صحية ومشروعة على خلفية الحرص على مصالح الشعب الفلسطيني.
ووفق ما تسرب من أنباء عن مداولات الاجتماع الأخير للقيادة الفلسطينية حول مشروع القرار فإن ثمة أكثر من رأي داخل القيادة، ولكن هناك إجماع على التوجه إلى مجلس الأمن وطرق أبوبه للحصول منه على قرار لا ينخفض مضمونه في المحصلة النهائية عن شرط الانسحاب الكامل لإسرائيل إلى خطوط الرابع من حزيران عام 1967. وإن مسألة تبادل الأراضي تأتي بعد الاعتراف بدولة فلسطين في حدود الرابع من حزيران وأن القدس الشرقية هي عاصمة الدولة الفلسطينية، والحفاظ على حق العودة وفق قرارات الشرعية الدولية والمبادرة العربية للسلام.
ويجب التأكيد والتنبيه ونحن نحاور في أروقة مجلس الأمن حول مضمون القرار ألا ينخفض في أي شيء عن مبادرة السلام العربية. فالدول العربية ملتزمة بمبادرة السلام العربية والدفاع عنها ويجب ألا يضطرنا الحصول على قرار بالانسحاب الإسرائيلي إلى تغيير أسس المفاوضات.
الأمر يتعلق اليوم كما في السابق بقضايا مصيرية كبرى للشعب الفلسطيني، يجب أن تعالج بكل وضوح ومسؤولية تاريخية فلا مجال لقرار ينتقص أياً من حقوق شعبنا: الانسحاب الكامل وإنهاء الاحتلال عن كامل الأرض المحتلة عام 67 وحق اللاجئين في العودة والتعويض، والقدس الشرقية عاصمة لدولتنا والسيادة على أرضنا ومياهنا، وما في باطنها ومياهها وأجوائها. وكما يقول قيادي فلسطين لا نريد مفاوضات مع دول مجلس الأمن بالنيابة عن إسرائيل تخفض من سقف حقوقنا المشروعة خاصة مع الولايات المتحدة وفرنسا. ولن يكون الفيتو الأمريكي آخر المطاف بالنسبة لنا فأمامنا الجمعية العامة للأمم المتحدة وأمامنا الهيئات الدولية وأمامنا إصرار شعبنا على انتزاع حقه في الحياة الكريمة في دولة مستقلة ذات سيادة عاصمتها القدس الشرقية وفي حدود الرابع من حزيران 67 وخالية من المستوطنين والمستوطنات.
فالأرض الفلسطينية تعيش اليوم انتفاضة جديدة وأشكال نضال جديدة يعززها عجز مجلس الأمن عن الانتصار لحقوقنا، وتطرف الحكومات الإسرائيلية التي تعتمد على دعم أمريكي استراتيجي يريد أن يبقي الموضوع الفلسطيني بين أيدي واشنطن خدمة لمخططات إسرائيل التوسعية الاستيطانية وخدمة لأغراض الانتخابات الأمريكية.