الأربعاء  27 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

انتفاضة اليومين/ بقلم: عصمت منصور

كاتب صحفي متخصص في الشأن الإسرائيلي

2018-12-18 07:10:18 PM
انتفاضة اليومين/ بقلم: عصمت منصور
عصمت منصور

 

يمكننا أن نطلق على الأسبوع الأخير بأنه الأسبوع الأكثر كثافة في أحداثه ودلالاتها وما حققته وبما يعادل أعواما من الجمود والتراجع التي شهدتها القضية الفلسطينية.

يومان فقط من العمليات الناجحة والتي تميزت بالدقة والجرأة الفائقة والتوقيت المحكم والكم المهم من الخسائر في صفوف جنود ومستوطني العدو بين مصابين وقتلى، كانا كافيان لأن يكشفا عن هشاشة الأمن وادعاءات السيطرة الأمنية في الضفة.

كما أنهما كانا كافيان لأن يظهرا العائق الحقيقي أمام انفجار انتفاضة شاملة رغم حالة الاحتقان الشديد والغليان الذي يشهده الشارع نتيجة الممارسات الاحتلالية وعمليات التهويد والاستيطان والتنكيل والاعتقالات، والأهم انسداد الأفق السياسي والقطيعة في المفاوضات، لا بل إغلاق الباب كليا على الحل السياسي التفاوضي من قبل إسرائيل وإدارة ترامب التي تقف على يمينها.

للحظات بدا أن نتنياهو نجح في سحر العالم وتحقيق المعجزة التي وعد بها، والتي تتمثل في الفصل بين مواقف العالم والدول العربية من إسرائيل واستعدادها للانفتاح والتعاون معها وما بين حل القضية الفلسطينية ولو من باب وجود عملية سياسية تذر الرماد في العيون.

دول عربية فتحت أحضانها وبواباتها الأمامية لنتنياهو، إدارة أمريكية تدعمه دون تحفظ، معارضة داخلية تعيش في سبات عميق ولا تشكل أي تهديد جدي أو تحدٍ لحكومته، وائتلاف متطرف يشكل حائط إسناد متين لدعمه أمام منتقديه، وملفات الفساد التي تلاحقه، يضاف إلى هذا جميعه وربما في مقدمته قيادة فلسطينية منقسمة بين محاصرة ومنهكة في غزة ومعزولة شعبيا وفصائليا ودون برنامج في الضفة.

لن يحلم نتنياهو بظرف مؤات أكثر من هذا للتغول، وفرض الأمر الواقع الذي يؤبد احتلاله ويمهد لتصفية القضية الفلسطينية بعزل غزة وضم الضفة.

الحلم ليس فقط ما يمكن أن ينتظرك في منامك، بل ربما بفاجئك كابوس غير منتظر يغير اتجاهك ويقلب خططك، ولا نبالغ إذا ما قلنا إن الأيام ما بين الثلاثاء والخميس من الأسبوع الماضي شكلت الكابوس الذي قض مضجعه وبدد أحلامه وذكره بالحقيقة التي أراد أن يتعامى عنها.

انتفاضة اليومين شكلت نموذجا مصغرا لرد فعل الشارع وتعطشه للمقاومة واحتضانها.

انتفاضة اليومين كانت كفيلة بتبديد وهم أن الضفة رضخت وأنه لا يوجد من يمكن أن يتحدى إرادة الجيش، وبينت أن كل ما مر حتى الآن مجرد تمارين مبسطة مقارنة مع ما هو قادم.

انتفاضة اليومين أظهرت لنا عقم حالتنا القيادية وأثبتت أن الانقسام هو العائق الأهم أمام تطلعاتنا.

انتفاضة اليومين كانت كفيلة بأن تبدأ بإظهار الأصوات التي تنتقد سياسة نتنياهو من داخل المؤسسة الأمنية (الشاباك) ومن قادة أمنيين كبار سابقين وحاليين ومن صحفيين وكتاب أعمدة ومعارضين ممن أجمعوا على ضرورة خلق أفق سياسي.

انتفاضة اليومين كانت كافية لأن تعيد تصويب الصورة ولو لبرهة لمن يريد أن يعتبر قائلة بوضوح لا يمكن أن يعتريه التباس: الانفجار قادم ولن يقف في وجهه انقسام أو احتلال أو رأي عام دولي وهو هذه المرة لن يكون دمويا فقط بل سيطول ولن يتوقف إلا بإعادة إنتاج الواقع بشكل مختلف جذريا عما هو عليه الآن داخليا ومع الاحتلال.