هنا قد يتساءل القارئ، ما دلالات الربط بين المكتوب بوصفه أدباً، وبين السياسة بوصفها واقعاً معاشاً؟ الإجابة التي اقترحها "الكاتب الوزير" أعلاه، وهو الدكتور محمد اشتية رئيس المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والأعمار (بكدار) ويقترحها كافة أبناء شعبنا، أن العامل المشترك بين الأدب والسياسة في الحالة الفلسطينية تحديداً، إنما هو الحلم أو بقول آخر "الفردوس المفقود".
والفردوس المفقود في حالتنا الفلسطينية في ظل انقسامنا وتشتت موقفنا الجامع يكمن في تلك البوصلة التي تاهت، حينما بحثت بعض أحزابنا وفصائلنا فقط عن الأجندة، لا عن الحرية، وهي أجندة للأسف لا تتقاطع مع مشروعنا الوطني لا من قريب ولا من بعيد، ولنسأل المجتمع الدولي الذي سمح لممثله "روبرت سيري"، وحسب قول الدكتور اشتية في حوارنا معه في هذا العدد، أنْ يمارس فعل تهريب الأموال، عوضاً عن ممارسته فعل الضغط لتحرير الأوطان.
وكان السيد "سيري"، غير المطالب بتحرير الأوطان، وبموافقة دولية وإسرائيلية، قد حمل مبلغ أربعين مليون دولار لدفع رواتب موظفي غزة، وبالطبع نحن لسنا ضد هذا الاستحقاق، وإنما ضد أسلوبنا وتعاطينا مع أنفسنا في قضايانا المصيرية والحياتية على حد سواء، ما دفع المجتمع الدولي لممارسة مخالفة القوانين التي يتشدق بها ليل نهار، كي لا يخالف رأي وتوجه "ماما أمريكا" وحليفتها المدللة إسرائيل بقرار رفع الحصار وإدخال الأموال بطرق قانونية ومشروعة.
إن هذا الاستخاف بعقولنا كما بحياتنا من قبل قادتنا، هو ما أدى وما زال إلى وضعنا في مثل هذه الخانة المنكسرة بفعل تراجع المفاهيم النضالية والدينية معاً، ليس فقط على صعيد العامة وإنما الأخطر أنه على صعيد النخبة من الساسة، كل الساسة وليس فقط ساسة حركتي فتح وحماس، ذلك لأن المسؤولية، هي مسؤولية مشتركة تقع على كافة فصائل العمل الوطني بالتساوي بعيداً عن حجم وثقل هذا الفصيل أو ذاك.
الدكتور اشتية وقبل نهاية حواري معه، فاجأني بالقول: "أنت أسوأ صحفي قابلته في حياتي"، وبالفهم الإيجابي للكلمة فهمت النعت، وأكمل الدكتور: "من كتر ما أنت شاطر"، وأوضح كما فهمت أن الحوار، كان المفترض أن يكون حواراً صحفياً يحمل الكثير مما يحب سماعه أو قراءته الشعب، لا حواراً يطرح أسئلة قال عنها هو أنها تحمل من الخطورة والعمق الكثير وكأنها ندوة لا حوار.
لا أنكر أني سعدت بنعت الدكتور اشتية، على الأقل لأنه أرضى غرور الإنسان والصحفي داخلي، ولكني تساءلت وأنا في طريق عودتي، وبعد كل هذا الاستعراض لمخاطر الغد الآتي لا محالة، أيهما أسوأ بالفهم السلبي للكلمة، نعت الصحفي الذي ينبش عن الحقيقة مهما كانت صعبة ومؤلمة، أم انقسام سيُكتب بوصفه وصمة عار في تاريخ نضالنا الوطني؟