الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

تنمر الأطفال في المدارس الفلسطينية

المتنمِّر والمتنمَّر عليه كلاهما ضحايا مجتمع سلبي

2018-12-19 05:49:15 AM
تنمر الأطفال في المدارس الفلسطينية
تنمر الأطفال في المدارس الفلسطينية

الحدث - إباء عميرة
لا يهدد التنمر الأطفال فقط، بل يطول المراهقين والبالغين أيضاً، لكن خطورته أكبر لدى الطفل حيث أن مرحلة الطفولة هي مرحلة تشكيل الشخصية وتبلور الهوية الاجتماعية، وفيها يكوّن الطفل درع وقاية لصحته النفسية على المدى البعيد، وتتمثل الصحة النفسية في القدرة على تحقيق التوازن النفسي ومواجهة الصراعات النفسية التي يمر بها خلال حياته. كما تختلف البيئات الحاضنة لظاهرة التنمر ابتداءاً بالعائلة وحتى مكان العمل أو الشارع. إلا أن المدرسة هي البيئة الأكثر تأثيراً على الطفل؛ فهي المجتمع الأول الذي  يتعرض له الطفل  ويتعرف عليه بعد العائلة، المجتمع الذي يدعم طبيعته الاجتماعية كإنسان يحتاج إلى تكوين علاقات وروابط مع الآخرين فيكوّن صداقات وعلاقات لا تقتصر على الأهل، وهو مجتمع يعكس لدى الطفل الانطباع الأول عن العالم والمجتمع الكبير الذي سينتقل إليه في المستقبل كإنسان بالغ مستقل عن والديه.

وفي سبيل الوصول نحو القضاء على هذه الظاهرة الخطرة؛ يجب معرفة أسباب وجودها لدى الطفل المتنمِّر ، وأسباب ضعف المتنمَّر عليه الذي يجعل المتنمِر ينجح في تحقيق هدفه من التنمر وهو الفوز عليه والشعور بالقوة. التنمر هو نوع من السلوك العدواني يقوم به شخص أو مجموعة أشخاص بإيذاء شخص آخر معنوياً بقصد إيئذاء مشاعره، قد يكون لفظياً من خلال توجيه كلام قاسٍ للضحية وندائه بألقاب مهينة ونعته بصفات سيئة والسخرية منه، أو من خلال تهديده بالأذى، أو حرمانه من مشاركتهم اللعب، أو إجباره على القيام بسلوكيات لا يرتاح للقيام بها، أو إتلاف ممتلكاته. ويجب التنويه إلى أن التنمر يختلف عن العنف الجسدي والضرب الذي يهدد حياة الشخص ولا يقتصر على تهديد صحته النفسية، حيث يجب مواجهة العنف الجسدي بردع المعنّف وعقابه لأن ذلك يعد جريمة تختلف عن التنمر الذي يمارسه طفل على آخر، حيث يجب في التنمر العمل على تعديل سلوك الطفل المتنمِر وتصحيح مفاهيم الذات لديه؛ فبحسب نظرية علم النفس السلوكي يولد الإنسان في الأساس خيّر، والبيئة المحيطة به هي من تعمل على تغيير سلوكياته، فإن كانت بيئته العائلية التي هي أول ما يتعرض له الفرد بيئة سلبية؛ سيكتسب الفرد منها أفكار وسلوكيات سلبية ينقلها إلى البيئة الثانية التي يحتك بها وهي المدرسة، ليعكسها على علاقاته مع الأقران، تفترض النظرية السلوكية أن الطفل المتنمَّر قد تعرض لنوع من العنف الواقع عليه أو على غيره. هذا ما أكده الأخصائي النفسي لؤي فواضلة في حديث مع صحيفة الحدث، فمن خلال تعامله مع حالات التنمر لاحظ أن الطفل المتنمِّر لديه شعور بالنقص يحاول تعويضه من خلال محاولة التسلط والهيمنة على شخص أضعف منه بالقدرات والقوة، إذ قد تكون ضحيته طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة أو طفل مريض أو ضعيف الشخصية، مما يمنح المتنمّر شعوراً بالقوة التي يفتقدها، يعمل المعالج النفسي مع المتنمِّر على البحث عن مصدر هذا النقص لإيجاد ما يُشعِر الطفل بالخوف الذي يجعله متنمراً لحل المشكلة ومعالجتها، من هنا يبدأ المعالج النفسي بالتركيز على الأفكار السلبية  لديه عن ذاته وعن المجتمع لاستبدالها بأفكار إيجابية.


أما بالنسبة للطفل الذي يقع ضحية التنمر فهو في الغالب طفل ضعيف، لم يتم تعزيز ثقته بنفسه من قبل أهله، مما يجعله فريسة سهلة للمتنمِّر، وغالباً ما تكون لديه مشاكل في التواصل ويواجه صعوبة في تكوين صداقات وعلاقات جديدة مما يدفعه للقبول بما يمليه عليه المتنمِّر حتى لا يبقى وحيداً بلا أصدقاء. لذا يجب العمل على تعزيز ثقة هذا الطفل  بنفسه وتقوية مهارات التواصل لديه؛ لمساعدته على تكوين علاقات صداقة آمنة بعيداً عن المتنمرين، وتأهيله لعدم الاستجابة لسلوكيات التنمر، والاكتفاء بالتبليغ عنها للأهل أو المرشد الاجتماعي في المدرسة؛ لأن مواجهة العنف بالعنف أو الغضب والصراخ يجعل المتنمرِّ يشعر أنه يصل إلى هدفه مما يدفعه للاستمرار في سلوكيات التنمر. ويدعو الأخصائي النفسي (لؤي فواضلة) الأهل لتعزيز ثقة الطفل بنفسه منذ ولادته فهي الأساس لوقايته من الاستجابة لسلوكيات التنمر. ويؤكد على ضرورة الحوار المستمر مع الطفل وسؤاله دائماً عن يومه ،وعن مشاعره خلال اليوم، وعن كيفكية تصرفه خلال المواقف المختلفة التي يمر بها؛ فمن جهة،  يجعل ذلك الطفل مطمئناً  لإخبار والديه عن أي أذىً قد يتعرض له، ومن جهة أخرى يساعد الأهل على كشف سلوكيات الطفل وردات فعله وبالتالي إمكانية تعزيز السلوكيات الإيجابية ومعالجة السلوكيات السلبية في وقتٍ مبكر. ومن المهم الحرص على تشجيع الطفل دائماً وتجنب  توبيخه أوتخويفه أو لومه أو نعته بالضعيف أو الجبان عندما يشكو لهم تعرضه للضرب أو الشتم من أحد الأطفال في المدرسة؛ لأن هذا ما يؤدي بالطفل إلى إخفاء تعرضه لأي شكل من أشكال التنمر أو العنف، مما يؤخر علاج آثاره السلبية على نفسية الطفل وبالتالي يجعل ضررها أكبر، مما يعزز مشاعر الخوف والضعف في شخصية الطفل. ومن الضروري ملاحظة أي تغيرات نفسية أو سلوكية أو ذهنية على الطفل؛ فأحياناً لا يستطيع الطفل التعبير عن مشاعره والمشاكل التي تواجهه، إذ قد تظهر عليه مشاعر حزن وغضب غير معتادة، أو اضطراب في النوم أو الأكل، أو رفض الذهاب إلى المدرسة، أو قلة انتباه وتركيز وانخفاض مفاجئ في التحصيل الأكاديمي.


بالإضافة لدور الأهل في الوقاية من التنمر، فدور المؤسسات التعليمية مهم جداً، التي يقع على عاتقها كمؤسسات تربوية أن تعزز مفاهيم التسامح وتقبل الآخر لدى الأطفال من خلال الإذاعة الصباحية، وتدريبات التواصل الاجتماعي التي يمكن أن يقوم بها المرشد النفسي في المدرسة، كما يمكنه كمرشد نفسي أن يلاحظ حالات العنف في المدرسة والعمل على علاجها خلال مجموعات وعمل تفريغ نفسي وتدريب على إدارة الضغوطات بالشكل الصحيح، كما يؤكد على ضرورة عمل اجتماعات دورية مع الأهل لتوعيتهم حول مخاطر التنمر وكيفية الكشف عنها وتثقيفهم حول أهمية الحوار مع الطفل.