الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

"الرَكلَجَة" الفلسطينية

2018-12-19 07:15:18 AM
رولا سرحان

 

كيف يمكن أن نعرف "الآن" فلسطينياً؟ أهمية هذا السؤال، مردُّها أنه وعلى مدار التاريخ الفلسطيني ظل فهم "الآن" فلسطينياً غير مرتبط بسياقه الزمني ودلالته الوقتية وضروراته المرتبطة بالفعل الوطني الحق؛ ليكون حاصله عدم جاهزية صناعة القرار في اللحظة المناسبة لتحقيق نتائج فعلية تقودنا إلى التحرُّرِ فالحرية. لقد ظلَّت وقتية الزمن مرتبطة بدلالته التي يصيغها الطرف المستعمرُ لنا؛ ليكون زمن التوراة مشكلاً لزمن الرحلة الاستعمارية لفلسطين، ولتكون أزمنةُ انتصارات الأطماع الكولونيالية في فلسطين هي زمنٌ "مُركلجٌ" وفق صناع التاريخ المنتصرين إلى "الآن" فيه.

وإن كانت مُعظم الشعوب المُستعمَرة كما يقول فرانز فانون:"مقتنعون بأن مصيرهم يتقرر الآن، وإنهم يعيشون في جو نهاية العالم، "فإن هذا الفهم الذي يورده فانون لـ "الآن" مرتبط بمفهوم "الحياد"، أي أن مصير تلك الشعوب يتقرر الآن، لكن يتم تقريره في مكان آخر؛ أي لدى المستعمِر، ودون مشاركة من المستعمَرين. ولذلك، ولأنهم يفهمون ذلك، وقيادتهم تفهم ذلك أيضا، فإنهم يلتزمون موقف التردد في اتخاذ القرار وينتخبون الحياد نهجا.  

في جلِّ الحالات الاستعمارية، وليست الحالة الفلسطينية استثناء، تتخلَّق قيادات داخل الصف الوطني لها ذات المصالح مع المُستعمِر، لكنها تسير تحت غطاء الحفاظ على "المصالح الوطنية"، وتشمل النخبة المثقفة والاقتصادية إلى جانب السياسية، وتعملُ عبر نهج إقصاء  "القوى المقاومة عبر العنف" أو "الحق في العنف"، مبتدعة فكرة التحرر عبر "اللاعنف"؛ فعبارة "إننا نمثل الجماهير"، أو أن "الجماهير تثق بنا"؛ أو "نحن الشرعية"، هي عبارات تحمل ذات القدر من "انعدام التمثيل"، بل "التشكيك فيها"؛ فالتكرار اللغوي التوكيدي والحاجة إلى الإثبات، تنفي التأصيل والتحقُق. بالتالي، يكون البديل هو الحصول على الشرعية من المُحتل أو المُستعمِر، فتكون تلك النخب والقيادات السياسية والقوى الأمنية المنبثقة عنها، أداة في يد المستعمِر، ومن مراحل ما قبل التحرر، ما تلبث أن تترك في قاعِ التاريخ.

وغياب فهم "الآن"، في السياق الفلسطيني، مرتبطٌ أيضا، باقتراح لغوي مأخوذ عن أصله الفرنسي (réglage) ومعرب عامياً، بـ "الرَكْلَجَة"، والتي تعني ضبط الإعدادات، أو التوليف، أو ضبط المعيار، وفي العادة تستخدم لضبط التقاط البث، فيُقال: "رَكلج القناة أو ركلج بث القناة".  

وفي السياق الفلسطيني، فإن المنظومة السياسية القائمة حالياً، مُركلجة؛ أي معاييرها مضبوطة وفق "المُنظومة السياجية" المسموح لها بالتحرك داخل نطاقها، والتي يُحدد مقاديرها ومساحتها المستعمِرُ الإسرائيلي. من هنا نفهم كيف تختفي الأجهزة الأمنية في لحظات المقاومة، تطبيقاً لاتفاقات موقع عليها، ونفهم خطاب الرئيس الذي لا يؤمن كما قال: "لا بالحرب، ولا بالسلاح، ولا بالصواريخ، ولا بالطائرات، ولا بالدبابات".  ونفهم كيف تظهر الهراوات -"مظاهر العنف"-، في داخل "السياج"، ضد أولئك الذين يريدون الخروج خارجه، وتشويش البث، فيصعب التقاطهم، أو تحديد معالمهم، عبر التنسيق الأمني.

لطالما كانت إحداهما متأخرة عن الأخرى؛ أي أن "الآن" سابقة على فعل "القُدرة أو المقدرة" على التقاط اللحظة وصناعة القرار الوطني الصحيح، فضبط الإيقاع مُحكم، والسياجُ مغلق بالكامل؛ لكن بالنسبة لهم فقط.