مع قرب الاستحقاق القانوني لإقرار موازنة 2019، يستوقف الفريق الأهلي محطات عديدة، وتساؤلات جمة، تبدأ من السؤال الجوهري، والمطالبة الدائمة في إقرار قانون الحق في الحصول على المعلومات، ومدى الاستجابة وتحقيق ما ورد في أجندة السياسات الوطنية، من تعزيز للشفافية، وحق المساءلة والمحاسبة، وإصلاح إدارة المال العام، وما ورد في استراتيجية إدارة المال العام بذات المعنى والسياق، حول تعزيز الشفافية والمساءلة في إدارة المال العام، ونقاش مشروع الموازنة لعام 2019 إلى أن تصل إلى السؤال الجدلي هل كان المواطن أولا؟ وهل تستجيب الموازنات والبرامج لتطلعات وأولويات المواطن؟ والأهم من هذا كله، هل الحكومة تعني ما تقرّه في سياساتها واستراتيجياتها حول اعتماد النهج التشاركي وتعزيز الشفافية ونشر المعلومات؟
المساءلة حق، لا يمكن تحقيقه دون إتاحة المعلومات وتحقيق الشفافية
ابتدأ العام الماضي مع إطلاق ونشر أجندة السياسات الوطنية 2017_2022، والتي تضمنت تعزيز الشفافية والمساءلة في إدارة المال العام وإشراك المجتمع المدني وتعزيز حق المواطن في الاطلاع على المعلومات، وتحديدا ما يتعلق منها بالسياستين التاسعة والعاشرة، كما جاء العام 2017 ومعه العديد من الاستراتيجيات القطاعية وعبر القطاعية لكافة القطاعات، وجزء منها غير منشور خلافاً لما ذكر في أجندة السياسات الوطنية والتي بمثابة المظلة لكافة الاستراتيجيات، كما كان أحد أهم الإنجازات التي جاء بها عام 2017 استراتيجية إدارة المال العام، والتي تتضمن وفي اعتراف صريح الحاجة الملحّة لإصلاح إدارة المال العام، وبشكل مبطن تعزيز الشفافية، الأمر الذي يثير الذهول حول مبدأ تعزيز الشفافية، ونشر الاستراتيجية المذكورة بعد نصف العام 2018، أي بعد مضي عام ونصف عليها.
ومع ذلك، ومع العديد من التصريحات التي تدعي الانفتاح؛ لا زال هناك إشكالية جذرية في تحقيق الانفتاح والمشاركة، حيث إن مشروع الموازنة لعام 2019- ومن المفترض وحسب قانون تنظيم الموازنة لعام 1998 أن يتم نقاشه مع المجلس التشريعي مع بداية شهر تشرين الثاني للعام الحالي- لا يوجد هناك أي معلومات حوله، علما بأن غياب المجلس التشريعي لا يشكل مبرراً لعدم نقاش مشروع الموازنة، وفي ظل هذا الواقع، يستوجب نقاشها مع المؤسسات الأهلية والفريق الأهلي كممثل عن المجتمع المدني وليس كبديل عن المجلس التشريعي. ويستوجب الذكر أن عدم نقاش مشروع الموازنة يشكل مخالفة صريحة لنص القوانين والأحكام الناظمة. كما يفترض قانون تنظيم الموازنة لعام 1998 أن يتم وأن يتم إصدار قانون الموازنة بتاريخ 1/1/2019، وحسب التقديرات وكما جرت العادة، غالبا ما يتم نشر قانون الموازنة خلال شهر آذار أي بعد مضي الربع الأول من العام.
انتهاء العام 2018، وعلى مدار الستة أعوام الماضية، لا يوجد أدوات مساءلة
مع انتهاء العام 2018، يطالب الفريق الأهلي لدعم شفافية الموازنة العامة بأن تتم دعوتهم لنقاش مشروع الموازنة للعام القادم، واستعراضه لتقييم الأداء المالي خلال العام الحالي، ويطالب الفريق الأهلي أيضاً بنشر الحساب الختامي المدقق للأعوام 2012_2016، على افتراض أن التقرير المدقق للعام 2017 لم يحن الموعد الأقصى لتسليمه. علما بأنه الحساب الختامي هو الأداة الأساسية للمساءلة، وبالتالي فإن غياب هذا التقرير يعيق إمكانية المساءلة، حيث لا يوجد أي معلومات حول الأداء الفعلي للموازنةـ، مع العلم أنه وخلال تلك السنوات كانت قد تغيرت الحكومات، مما يعني أن نشر الحساب الختامي المدقق لعام 2012، لا يعني شيئا في عام 2018. وبالتالي يكمن السؤال المثير في: من نسائل حول عام 2012 ؟!
الاطلاع والمشاركة واجبا وليس معروفا، وللفقراء أولا
خلال عام 2018 وتحديدا مع نهاية شهر أكتوبر أي بعد مضي 10 أشهر من العام؛ بلغ إجمالي صافي الإيرادات 10 مليار شيقل، منها 4 مليار تم جبايتها محليا، و6.6 مليار شيقل من خلال المقاصة، وهي الضرائب التي يقوم الاحتلال الإسرائيلي بجبايتها كونه المسيطر على الحدود وتسليمها للسلطة الفلسطينية بعد خصم 3% بدل جبايتها، بموجب بروتوكول باريس.
شكلت ضريبة القيمة المضافة ما قيمته 2.6 مليار شيقل أي حوالي 25% من الإيرادات، والتي هي عبارة عن ضريبة تفرض على كافة السلع بما يتضمن السلع الأساسية، والتي يستهلكها الفقراء والأغنياء في ذات الأسعار، في حين شكلت العائدات من الجمارك 3.3 مليار شيقل، أي 33% من إجمالي الإيرادات، والتي هي أيضا في نهاية المطاف جمارك يتحملها المستهلك، عن طريق أسعار المنتجات المستوردة، بما يعني أن هذه أيضا يتم استهلاكها من المواطنين، وأما العائدات من ضريبة المحروقات فقد بلغت 2 مليار شيقل، أي 20% من إجمالي الإيرادات، وهي الضريبة التي تفرض على أثمان الوقود والمحروقات، والتي أيضا يتحملها الفقراء والأغنياء، سواء كانت على أسعار التنقل في المواصلات العامة، أو من خلال السيارات الخاصة، أو من خلال مختلف استخدامات الوقود.
تشير هذه الأدلة وبالمجمل أن المواطن الفلسطيني هو الممول الرئيسي والأساسي للموازنة، والتي شكلت أكثر من 82% من الموازنة، والتي هي أيضا من جيوب الفقراء، الذين يتكبدون الضرائب غير المباشرة والتي شكلت حوالي 80% من إجمالي الإيرادات، وبالتالي وإذا ما افترضنا أن الفقراء تم إعفاؤهم من ضريبة الدخل وبشكل ظاهري، إلا أنهم لا زالوا يتكبدون معظم الضرائب بشكل الضمني، وبالتالي فإنه من حق الفقراء أولا الاطلاع والمشاركة والمطالبة في تحديد أولوياتهم.
نحو حكومة مستجيبة لأولويات المواطنين
في ظل غياب المجلس التشريعي، الممثل لأولويات المواطنين؛ تسعى المؤسسات الأهلية والمجتمع المدني، للمطالبة في أولويات المواطنين، وإن كان دورها لا يشكل بديلا عن دور المجلس التشريعي، وفي ذلك فإن المطالبة الدائمة، والتي لا بد من مراجعتها ودراستها ووضعها موضع التطبيق، وتحديدا في هذه الظروف، التي يتراجع فيها الدعم الخارجي، والذي بات واقعا لا بد من التعامل معه، التركيز نحو الاستجابة لأولويات المواطنين وتعزيز ثقافة الصمود من خلال تبني البرامج والموازنات المستجيبة والتشاركية. والتي تتضمن:
نشر ونقاش مشروع الموازنة للعام 2019، والاستماع إلى أولويات المجتمع المدني والمواطنين، وتعزيز الحق في الحصول على المعلومات.
زيادة الموازنة الخاصة في وزارة التنمية الاجتماعية، والتي تقدم الخدمات والمساعدات للأسر الفقيرة، وتحديدا في ظل ارتفاع نسب الفقر، وانخفاض الدعم الخارجي.
تخصيص الموازنة المستجيبة لاستراتيجية وزارة الصحة، والمستجيبة لأجندة السياسات الوطنية، والسعي نحو تحقيق نظام التأمين الصحي الشامل.
مراجعة النفقات على قطاع الأمن، وضرورة السيطرة عليها وتخفيض نفقات المؤسسات الأمنية، حيث لا زال قطاع الأمن يستنزف النصيب الكبر من الموازنة.
مراجعة النظام الضريبي، والسعي نحو نظام ضريبي يحاكي متطلبات العدالة الاجتماعية.
وقد أرسل الفريق الأهلي رسالة لوزير المالية السيد شكري بشارة، طالب فيها بعقد جلسة استماع مع وزارة المالية يتم التركيز خلالها على أبرز توجهات مشروع موازنة العام 2019، ونقاش السياسات المالية والأولويات المطروحة، كما وطالب أيضا بتزويده بالمعلومات الخاصة بمشروع القانون الجديد ليتمكن الفريق الأهلي من التعليق عليه وتزويد الحكومة بملاحظاته حوله قُبيل إقرار مشروع القانون بصيغته النهائية.