السبت  19 نيسان 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

"عيال الفيسبوك" وحزب "الكنبة".. مبارزة مجتمعية في مصر

2014-12-23 09:55:12 AM
صورة ارشيفية

الحدث-القاهرة

هو ليس صراعا تقليديا بين جيلين بينهما مسافات متباينة في الرؤى وطريقة التفكير والأهداف، بل هي ظاهرة جديدة تبلورت بشكل واضح في هُوّة تتزايد بين فريق اصطلح إعلاميا على تسميته "حزب الكنبة (الأريكة)" ونشطاء آخرين، معروفين في بعض القنوات الإعلامية، بـ"عيال الفيسبوك"، نظرا لنشاطهم الواسع على الشبكة العنكبوتية.
 
حزب "الكنبة" مصطلح تنامى استخدامه في مصر إبان ثورة 25 يناير/ كانون ثان 2011 وزاد استخدامه مؤخرا في إشارة لفئة المصريين التي لا تتفاعل مع الأحداث السياسية ويكتفون بالجلوس ومشاهدة التلفزيون خاصة البرامج الحوارية التي تشكل مصدر معلوماتهم الرئيسي وتدفعهم لتبني وجهات النظر التي يطرحها مقدمو تلك البرامج.
 
على النقيض تماما نجد النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، يدمجون عالمهم الافتراضي بالواقعي، ويكتسبون خبراتهم ومعلوماتهم من خلال تلك المواقع التي باتت تشكل الملامح الرئيسية لوجدانهم ووعيهم، معلنين تمردهم على وسائل الإعلام التقليدية التي تساورهم شكوك في مدى مصداقيتها والرقابة المفروضة عليها بعكس عالمهم الافتراضي.
 
 ولجأ بعض مقدمي البرامج التلفزيونية، إلى وصف هؤلاء الشباب بـ"عيال" أو "صيع" الفيسبوك، في وصف يرمي للتقليل منهم، لما يمثلوه من تحد للاعلام التقليدي.
 
ويبدو أن الفجوة بين المعسكرين اتسعت إلى أن دفعت حزب "الكنبة" إلى اتهام الآخرين بمحاولة هدم الدولة وإشاعة الفوضى بها، مطالبين بالتصدي لهم حتى لو اقتضى الأمر غلق مواقع التواصل الاجتماعي أو فرض رقابة مشددة عليها، بينما يتهم النشطاء حزب "الكنبة" بالتعايش مع الماضي لدرجة تفصله عما يجري على أرض الواقع.
 
أحمد عبد الله، أستاذ الطب النفسي بجامعة الزقازيق، قال إن "تنامي هذه الظاهرة في مصر أدى إلى خلق مجتمعين داخل المجتمع الواحد، خاصة أن طرفي الظاهرة كل منهم يشعر وكأنه يعيش في عالمه الخاص ويأبى أن يخرجه أحد من هذا العالم أو حتى يجري أي تعديل عليه".
 
ومضى قائلا، في تصريحات للأناضول، "أعضاء حزب "الكنبة"، إذا صح التعبير، يجدون أمانهم واستقرارهم النفسي في عالمهم القديم التقليدي؛ لذلك يعتبرون أي تهديد لهذا العالم تهديدا مباشرا لهم فيتصدون له بقوة اعتقادا منهم أنه بسقوط هذا العالم سيسقطون أيضا".
 
"أما نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي ومستخدمو وسائل التكنولوجيا الحديثة فيشعرون أن عالمهم الافتراضي يمنحهم قسطا وافرا من التحرر الذي يفتقدونه، ويعتقدون أن مآل الأمور سيستقر إلى أن يفرض عالمهم الافتراضي نفسه على أرض الواقع بمرور الوقت كما حدث في ثورة الخامس والعشرين من يناير (كانون ثان 2011)، والتي بدأت الدعوات لها من خلال موقع فيسبوك"، يكمل عبد الله.
 
ويرى الخبير النفسي أن "ثمة عوامل حديثة ترجح كفة النشطاء في مقابل كفة حزب الكنبة إذا ما تم إجادة استخدام هذه العوامل وأبرزها: سيولة حركة رؤوس الأموال التي أصبحت تتحكم كثيرا في توجهات السلطات الحاكمة وليس العكس، وكذلك سيولة حركة الأفكار والتجارب والخبرات والمقترحات".
 
واستبعد عبد الله وجود آلية فعّالة للتصدي لهذه الظاهرة لأن كلا الطرفين "لا يبذل أدنى جهد لتقبل الآخر أو حتى محاولة فهمه ما أدى لانعكاسات مجتمعية خطيرة كزيادة معدلات الانتحار وهجرة الشباب وسفرهم إلى الخارج بحثا عن فرصة حياة تشبه العالم الذي يبحثون عنه ويسعون لإيجاده".
 
التقطت أطراف الحديث حنان سالم، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس (شرقي القاهرة) والتي لفتت إلى أن "ما يشاع عن سيطرة كبار السن على حزب "الكنبة" واقتصار استخدام الشباب لمواقع الإنترنت والأدوات التكنولوجية الحديثة أمر غير دقيق".
 
ومضت قائلة، في تصريحات للأناضول، "التوجهات السياسية هي التي تتحكم بشكل كبير في نوع وسيلة الإعلام التي يلجأ لها الفرد؛ لأن كل شخص يسعى بشكل تلقائي للتعرض إلى وسائل إعلام تدعم اتجاهاته وأفكاره بما تبثه من مواد؛ لذلك لجأ الشباب المؤيد للرئيس الأسبق حسني مبارك إلى فيسبوك ليؤسسوا صفحتهم "آسفين يا ريس (رئيس)" ولم يلجأوا لوسائل إعلام تقليدية لأنهم يرغبون في نشر فكرهم في نفس الفضاء الإلكتروني الذي شهد نشر الفكر المضاد لهم ممثلا في الدعوة للثورة".
 
"وفي نفس الوقت لجأ العجائز وكبار السن من معارضي النظام لمواقع التواصل الاجتماعي لأنهم لم يجدوا من يمثل آراءهم في الإعلام التقليدي، فكانت هذه هي بداية خلق مجتمعين متباينين على أرض واحدة"، توضح سالم.
 
ولفتت أستاذ علم الاجتماع إلى أن "هذه الظاهرة التي بدأت سياسية سرعان ما ألقت بظلالها المجتمعية على الأسر المصرية التي باتت تعاني من التصدع السيكولوجي".
 
والتصدع السيكولوجي، بحسب سالم، يعني "تهميش دور الأسرة والاستغناء عن دور بعض أفرادها بأصدقاء العالم الافتراضي".
 
واختتمت تصريحاتها بالإشارة إلى أن "التصدي لهذه الظاهرة لن يتم إلا من خلال العمل على تطوير المجتمع وجعل أفراده أكثر نضجا وأكثر قدرة على استيعاب الآخر مهما بلغت درجة اختلافه".