الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

المباني القديمة.. بين الاحتلال والاستثمار

الاحتلال يستغل المباني القديمة لخلق فردية جديدة مقابل الفردية الفلسطينية وإعادة تملك وتزوير ما يمتلكه الفلسطيني

2018-12-20 10:00:48 AM
المباني القديمة.. بين الاحتلال والاستثمار
مبنى قديم (تصوير: الحدث)

 

عقوبات "غير كافية" على المخالفين الذين يقومون بهدم المباني القديمة مقابل الاستثمار

الحفاظ على المباني القديمة هو حفاظ على ذاكرة المكان والزمان والأشخاص

استغلال الاحتلال للمباني القديمة لخلق فردية جديدة مقابل الفردية الفلسطينية وإعادة تملك وتزوير ما يمتلكه الفلسطيني

الحدث - سجود عاصي

مبنيان تاريخيان أثارت عملية هدمهما مؤخرا في مدينة رام الله نقاشا كبيرا بين النخب والشعب حول ما أسماه البعض بـ "توغل الاستثمار في التاريخ". وبعيدا عن الاتهام، تعتبر المباني التاريخية مهمة كجزء من الهوية الوطنية والحضارية للشعب الفلسطيني وهو الأمر الذي لا يختلف اثنان عليه، ولكن حيثيات مسألة الهدم هي المحور الذي يتم النقاش في إطاره دون إغفال الاعتبارات التاريخية والوطنية والقيمية للمباني التاريخية، خاصة بوقوع فلسطين تحت الاحتلال الإسرائيلي، الذي يحاول جاهدا من أجل طمس المعالم الحضارية والتاريخية والمعمارية الفلسطينية.

وزارة السياحة والآثار قالت لـ الحدث على لسان مدير عام المتاحف والتنقيبات فيها جهاد ياسين، إن القرار بقانون (قانون التراث الثقافي الجديد) رقم 11/2018 والذي تم توقيعه مؤخرا من قبل الرئيس الفلسطيني محمود عباس ونشره في الجريدة الرسمية في عددها 16 لسنة 2018، ينص على حماية أي مبنىً تاريخي يعود تاريخ إنشائه إلى ما قبل عام 1917، إضافة إلى المباني التي بنيت ما بعد ذلك وتحمل قيمة ثقافية وتراثية وتاريخية أو قيمة جمالية أو فنية أو دينية أو معمارية أو روحية أو رمزية أو تحمل أهمية اقتصادية أو طبيعية، بشرط وضع خطة لحمايته أو موافقة الوزارة المختصة بذلك على أن هذا المبنى يجب حمايته.

وأكد ياسين، أن وزارته تعمل حاليا بالتعاون مع بلدية رام الله لحماية المباني المنفردة الموجودة في القرى والمدن، مشيرا إلى وجود إشكالية تحتاج لعلاج وهي المباني المنفردة خارج إطار البلدات والمدن التاريخية، إضافة إلى محدودية المناطق التي يسمح فيها بالبناء والترميم، مشيرا إلى عدم قيام وزارته بإعطاء أي ترخيص هدم خلال الفترة الماضية للمباني التاريخية، كما وأن وزارة السياحة والآثار تعمل على ترميم هذه المباني وإعادة استخدام الحجارة من جديد.

وشدد مدير عام المتاحف والتنقيبات في وزارة السياحة والآثار أن وزارته تعتبر كل المراحل التاريخية والتراثية مهمة بغض النظر عن تاريخ إقامتها، مشيرا إلى أن اختيار التاريخ 1917 كان من قبل مجموعة من العاملين في مجال التراث الثقافي.

وحول سعي وزارة السياحة والآثار لتملك المباني التاريخية، قال ياسين لـ الحدث، إن إدخال المباني التاريخية على مستوى فلسطين ضمن ملكية وزارته أمر يحتاج إلى موازنة كبيرة جدا، الأمر الذي يخلق إشكالية في حال قامت الوزارة بتملك بناية معينة فإنها ستكون أمام قرارين إما الهدم أو التعويض المادي.

وبذلك، فإن الخطة التي تعدها وزارة السياحة والآثار بالتعاون مع البلديات والمجالس القروية على حد قول ياسين، جاهزة، ومن المتوقع أن يتم المصادقة عليها قريبا من قبل وزارة الحكم المحلي لحماية المباني القديمة. مشيرا إلى أن رغبة الوزارة وحدها في استملاك المباني لا تكفي وإنما هناك حق فردي يحكم فيه القانون والقضاء. مشددا على مشكلة الأبنية التي هدمت في مدينة رام الله مؤخرا تعود نظرا لعدم إدراج هذين المبنيين ضمن خطة الحماية التي لم تقر بعد.

وبدورها، أكدت بلدية رام الله في تصريح صحفي لها، اعتزازها بالإرث الثقافي والتاريخي للمدينة بكل مكوناته، وأنها حريصة كل الحرص على حمايته بما يضمن تعزيز ذاكرة وتاريخ وتراث المدينة، وجاء التعبير عن ذلك  بحسب البلدية بالتعاقد مع مركز حفظ التراث في بيت لحم عام 2016 من أجل مراجعة وتحديث سجل المباني التراثية، كما وتعكف البلدية على إعداد مخطط حماية للمادة رقم 35 من قرار بقانون رقم 11 لسنة 2018 بشأن التراث المادي الثقافي وتقديمه لوزارة السياحة من أجل حمايتها لحين إقرار أحكام البلدة القديمة والمباني التاريخية المنفردة من قبل وزارة الحكم المحلي، مشددة على أنها لم تمنح الموافقة على أي قرار بالهدم إلا بالاستناد إلى الوزارة ذات الصلة ولمبان لم تدرج ضمن قائمة المباني التاريخية المحمية، ورفضت البلدية بدورها طلبات بالهدم قدمت لعدد من المباني التراثية المحمية مثل قصر الحمراء ومجلس أمناء جامعة بيرزيت وغيرها.

وقال المدير السابق للمتحف الفلسطيني والأستاذ في جامعة بيت لحم د. فهمي الهواري، إن هناك ارتباطا وثيقا للعمارة التقليدية والتراثية بتاريخ الشعوب وتراثها وهويتها، وأي موروث معماري هو نتيجة تراكمات حضارية على مر العصور لأي شعب. مشيرا، إلى أن التراث المعماري الفلسطيني والعمارة التقليدية الفلسطينية تمثل مجموع التقاليد التي توارثها الأجيال منذ آلاف السنين في فلسطين.

وأشار الهواري، إلى أن العمارة تمثل عددا من الجزيئيات ومكونات الهوية المعمارية لفلسطين، وهي بالتالي مكونات لهوية وطنية وقومية للشعب الفلسطيني إلى جانب التاريخ والحضارة واللغة والتراث.

وينتهج الاحتلال الإسرائيلي سياسة "الحفاظ" على المباني التاريخية الفلسطينية بشكل انتقائي على مدار 50 عاما، وتغيير ملامحها الفلسطينية بحسب الهواري. كما ويقوم الاحتلال بهدم وطمس المعالم المعمارية والأثرية، كما حدث عام 2002 في نابلس على سبيل المثال من تدمير للأبنية والأحياء التاريخية القديمة، إلى جانب قيامه بتدمير مئات القرى الفلسطينية عام 1948 ضمن عملية التهجير القسري والتطهير العرقي بحق الفلسطينيين.

وأضاف الهواري، أن حصول الاحتلال على الحجارة والمباني القديمة هي سياسة إسرائيلية معروفة منذ الخمسينيات من القرن الماضي عندما أخذ حجارتها وأعاد استخدامها في بناء مستوطناته، وهي ممارسات معروفة وقديمة مثلما حدث سابقا في حيفا واللد وطبريا وبيسان، حيث يقوم بإعطائها أسماء جديدة توحي بأنها ليست عربية أو فلسطينية.

عقوبات "مخففة" للمخالفين!

وبما يتعلق بالاستثمار وما حدث مؤخرا في مدينة رام الله، أكد الهواري لـ الحدث، أن الدوافع الاقتصادية والاستثمارية وجناية الأرباح هي أحد أهم الأسباب التي تؤدي إلى هدم المباني القديمة التاريخية، مضيفا أن فلسطين ليست حالة منفردة في الأمر فهناك الكثير من الحالات في الدول العربية، بحيث يتم شراء الأراضي التي تحتوي على مباني قديمة من قبل مستثمرين يقومون بهدمها من أجل بناء عمارات استثمارية بغض النظر عن أهميتها التراثية التي تقع على عاتق السلطات المختصة بالحفاظ على التراث المعماري، والتي يتوجب عليها العمل من أجل وقف هذه الظاهرة ووضع التشريعات اللازمة من أجل منع حدوثها.

وأشار الهواري، إلى أن قانون وزارة السياحة والآثار الذي تم سنه مؤخرا هو قانون "ممتاز" يجب تطبيقه وتثبيته على أرض الواقع، وعلى الرغم من أنه يقتصر على المباني ما قبل عام 1917 إلا أنه يقضي بحماية كل المباني التي تحمل قيمة تاريخية أو جمالية وهو الأمر الذي يقع على عاتق السلطات المختصة بحمايتها، داعيا إلى فرض غرامات مالية وعقوبات مشددة على المخالفين (من مستثمرين وأشخاص مسؤولين عن الهدم)، خاصة وأن المستثمرين يستهترون بالغرامة المالية البسيطة على حد وصف الهواري، حيث إنهم يجازفون بالاستثمار ويدفعون هذه الغرامات.

وفي لقاء خاص مع الحدث، قال أستاذ علم الاجتماع في جامعة بيرزيت د. أباهر السقا، إن المحافظة على الأبنية التاريخية الفلسطينية تأتي من باب أنها ليست مجرد حجارة ومجسمات معمارية وإنما هي مرتبطة بالأساس بتاريخ المدينة وحياتها الاجتماعية وحيوات الناس المختلفة، وبالتالي الحفاظ عليها هو حفاظ على ذاكرة المكان والزمان والأشخاص الذين مروا بهذه الأمكنة.

وشدد السقا، على ضرورة أن يكون هناك مجموعة من القوانين التي تمنع هدم هذه البيوت على الرغم من وجود سجال حول تصنيفها وعدم تصنيفها بداخل المجتمع الفلسطيني، الأمر الذي يعتقد السقا أنه يجب أن يستفيد من خبرات أماكن كثيرة حول العالم، بمعنى تصنيف البيوت حسب القيمة المعمارية لهذا المكان، الأمر المرتبط بالعمارة ونمط وذاكرة العمارة وهو تأريخ وأرشفة المجتمع، بمعنى التعامل مع المجسمات التاريخية على اعتبار أنها جزء أساسي من التاريخ الاجتماعي للمدينة، فالحماية تكون أولا عن طريق القانون والتوعية بمدى أهمية الحفاظ على الإرث المعماري والموروث الاجتماعي، إضافة إلى تشكيل جماعات ضاغطة لمنع عمليات الهدم والوقوف ضد من يسوغ ويقوم بعمليات الهدم لتحقيق أرباح دون أخذ قيمة هذه المباني بعين الاعتبار.

فردية جديدة مقابل الفردية الفلسطينية

وقال أستاذ علم الاجتماع في جامعة بيرزيت، إن الاحتلال يستغل هذه المباني ويحاول أن يخلق فردية جديدة مقابل الفردية الفلسطينية وصاحب الأرض، لأن كل الشواهد المعمارية والتراثية تظهر الفلسطيني على أنه صاحب الحق والأرض الأساسي، فقيام الاحتلال بشراء البيوت الفلسطينية ما هي إلا عملية شراء فردية جديدة يتم من خلالها تزوير الحقائق وإعادة تملك ما يمتلكه الفلسطيني عبر وضع إشارات يهودية واستخدام نمط معين في البناء، وهو ما يحدث في مدينة القدس والداخل المحتل، فالاحتلال بهذه الخطوات يحاول شراء ذاكرة الفلسطيني وفرديته وطمسها مقابل فردية المستعمر.

وتعقيبا على قانون وزارة السياحة والآثار، قال السقا، إنه يتوجب على الجهات المختصة سن قوانين أخرى تعطي الأبنية المعمارية قيمة أخرى غير تاريخ بنائها، وعدم اقتصار الحفاظ على الغرث بفترة زمنية معينة، فمكان العمارة وتصنيفها له أهمية كبرى مثل دوار الساعة الذي كان يتوجب بقائه قائما كما كان قبل تغييره، لأنه يعبر عن ذاكرة المكان وهو الأمر غير الخاضع لأي قرار أو قانون.

ويرى السقا، أننا بحاجة إلى إعادة النظر في القوانين والتشريعات وفتح حوار مجتمعي بين المعماريين والمؤرخين والنشطاء وأبناء المدينة لتطوير آلية للحفاظ على هذه الأبنية.