الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

اللغة الاحتلال ..الكثيرُ من المعلومات الكثيرُ من الشك

2018-12-21 09:44:26 AM
اللغة الاحتلال ..الكثيرُ من المعلومات الكثيرُ من الشك

أسرة التحرير

في كل مرة تصاعد للأحداث وتقلبها بصورة متواترة، نكون في حالة صراع ما بين الخبر ومصدره وصدقيته وسبقيته، وهو بالأساس سؤال حول المعرفة والإدراك القائمين على التشكيك، ذلك أن مهنة الصحفي مهنة شك قبل أن تكون مهنة إعلانِ الحقيقة والدفاع عنها، وفي حالةِ الصحفي الفلسطيني فهي مهنةُ "ما بعد الحقيقة"، لاستمرار جوهر حقيقة وجوده مرتبطة بوجود مستعمر يتفوق في المقدرة على الترويج والدعاية لـ "حقائقه".

ولأن العلاقة التفاعلية المفروضة قسراً على الفلسطيني مع مستعمِره تقتضي لزاماً متابعة كل ما يصدرُ ويُنتجُ عنه إعلامياً وثقافياً واجتماعياً وإلى ما ذلك من الحقول، تصيرُ اللغة الحاملةُ للمعرفَةِ عن المستعمرِ أساساً لعملنا في الصحافةِ. هي علاقة "التأثر والتأثير" القائمةُ على فرضية اللغة والمعرفة لتشكيل الذاكرة.

إن ما يُميزُ الإنسان عن بقية الكائنات هو مقدرته على التفكير والكلام وبالتالي مقدرته على إنتاج المعرفة، وهو السؤال الفلسفي الكبير، الذي ربط ما بين الإنسان والكون المحيط به تأثُّراً وتأثيراً.

وإذا كنا نعتقد أن هنالك علائق قوية ووثيقة ما بين التفكير واللغة (واللغة المترجم من وإليها)، فإننا لا نأتي بجديد في النقاش أو الطرح، فقد ظل افتراض تشكيل اللغة للفكر يثير جدلا واسعا لقرون، وظل موضع بحث وتساؤل حول أيهما أسبق هل تُشكل اللغة، بما فيها اللغة المتكلم بها أو لغة الفرد الداخلية، فكر الإنسان وتفكيره وسلوكه، أم أن التفكير هو الذي ينتج اللغة والمعرفة. وتظل الحقيقة التي لا مفر منها هنا هي مركزية اللغة في المعرفة.

بلغة بسيطة لتوصيف الحالة الفلسطينية، فإن الذاكرة الفلسطينية تتجدد وتتكرر كل يوم لتضع الأمور اللغوية في نصابها الصحيح، ذلك أنها لا تتشكل وحدها من معالم لغةِ خبرٍ نُقلَ عن الإعلام العبري، المعرفةُ تتشكلُ من أمام الحاجزِ، من أمام الجندي الذي يطلقُ النار على قاسم العباسي بالخطأ ظناً أنه يستعد لتنفيذ عملية، تتشكل من أمام هدم منزل أم ناصر أبو حميد من داخل المخيم.

الذاكرة الفلسطينية ليست ذاكرة لفظية، أو لغوية، رغم الأهمية، إنها ذاكرة لم تنتهِ بعد لتصير من حصيلة الماضي الذي ستخدشُه لغةُ العدو، أو النقلُ عنها. إنها "ذاكرة مستعاشة" (مستمرة ومعاشة)، تستحضرُ أحداثها كل يومٍ، بنفس التكرار والتواتر، لتكون المحفز للُّغة الداخلية للفلسطيني، للغة التحتية لذاكرته، لتحكي له دون كلامٍ أن ما يراه من أعلامٍ مرفوعةٍ أعلى مقرات الأجهزة الأمنية وعند مداخل المقاطعة وبيت الرئيس، هي لغةٌ زائفة مترجمة عن اللغة المحذوفة من قاموسنا ومن مناهجنا ومن مدارسنا، وأن اللغة التي يتحدثُ بها الحاكم العسكري في بيت إيل، هي اللغة التي يجب أن نفهمها.

هي اللغة الاحتلال.

حاصلُ الأمر، أن كل ما يصدرُ عن تلك اللغة هو شكل وأداةٌ من أدوات الاحتلال. إن كل لغةٍ؛ مترجمة أو تحدث بها المنسق أو أعوانه منهم ومنا، وسقطت سهواً أو بقصد، في جبِّ الترويج لـ والتغني بالمستعمرِ، هي لغةٌ تأصيلها مشكوكٌ فيه، ويجب التعامُلُ معها بتجريدها من سياقاتها الدلالية، والاكتفاء بالمعرفة التي تقدمها، فالغرض هو المعلومة، أي المعرفة؛ معرفة العدو، بكثير من المعلومات وبكثير من الشك.