الأربعاء  27 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

خاص: الانسحاب الأمريكي من سوريا: الدلالات والسيناريوهات

*بقلم: أورنيلا سكر

2018-12-21 06:11:57 PM
خاص: الانسحاب الأمريكي من سوريا: الدلالات والسيناريوهات

إن قرار انسحاب أمريكا من سوريا يأتي في سياق تسارع أحداث متباينة وتفاهمات عميقة بين إيران وأمريكا في المنطقة. وطبعاً هذا القرار لم يأت في سياق عودة  واشنطن إلى قواعد القانون الدولي بل يأتي في سياق ثمرة تفاهمات ضمنية عميقة ونوعية بين أمريكا-إيران نتيجة قنوات اتصال سبقتها اتصالات سرية أبرزها قناة الاتصال في مسقط التي زارها بنيامين نتنياهو قبل شهر ونصف وبالتالي، لم يكن مفاجئا هذا القرار الذي أعاد تركيبة سوريا بشكل تم تسليمه لإيران والنظام السوري ليحلا هذه القوى على طريقتهما فيما يتعلق بموضوع مكافحة الإرهاب من شرق سوريا تمهيداً إلى المعركة الكبرى في إدلب، ولم تكن زيارة تميم بن حمد آل ثاني أمير قطر إلى طهران إلا في سياق المساعي لتأكيد خط هذه المفاوضات الأمريكية-الإيرانية ونقل الرسائل بهدف إنضاج المفاوضات الإيرانية-الأميركية. وبالمقابل ستشهد المنطقة من الآن فصاعدا، خروج كل الأرانب من مخبئها لأداء وظيفتها المحددة بفعل جولات عنف جديدة أبرزها من سوريا واليمن ولن تكون بغداد وغزة ولبنان في منأى عن هذا التصعيد والتطورات التي شاءت أن تكون دموية ودراماتيكية عبر إطلاق ذراع السياسة الإيرانية في المنطقة أمنياً وسياسياً من جديد وعودة الإرهاب والعنف المتوحش بحجة مكافحة الإرهاب، خاصة مع تزامن إطلاق قوى سوريا الديمقراطية سراح 3300 داعشي يعد بمثابة فتح الأبواب أمام عملية إخراج الأرانب كل من مخبئه ليؤدي وظيفته المرسومة سلفاً لإضعاف العرب في المنطقة. وهذا يعد بمثابة مؤشر خطير يمهد إلى سيناريوهات التالية:

أولا:  إما استمرار الأوضاع والتوازنات الحرجة القائمة.

ثانيا: الفوضى والصدام بين الصعود والتراجع الإيراني الصلب.

ثالثا، الإصلاح والتنسيق الإقليمي بين التراجع والصعود الإيراني الناعم. وعلى أساس ذلك، يأتي التقييم وبدائل احتمالات إما الجنوح نحو تقليل الانخراط وتجنب المواجهة أو خيارات المواجهة والتصعيد.

وبالتالي لو عدنا إلى حقيقة البعد الأمريكي لوجدنا أن قرار الانسحاب لم يأت من عبث، بل من خلال سيرورة محكمة بفعل أحداث مترابطة ومتسلسلة أولها إصدار قانون جستا، أو ما يعرف بالعدالة ضد رعاة الإرهاب الذي جاء في عام 2016 على ضوء أحداث 11 أيلول 2001 والكفيل بفهم السياسة الأمريكية وتحديدا إدارة ترامب تجاه العلاقة مع المملكة السعودية من محاولات لتقويضها وتوريطها وابتزازها سواء بتصوير وتضخيم الدور الإيراني في المنطقة من اليمن والعراق وصولا إلى سوريا ولبنان وفلسطين، مما يشكل ذلك بمثابة تهديد أمني ووجودي لمنطقة الخليج مما يستوجب التصدي له من خلال تبرير شراء الأسلحة وابتزاز المملكة السعودية مالياً سواء جراء قضية خاشقجي المليئة بالألغاز وإثارة الأزمات الإنسانية، مما يدفع الأمر بالسعودية إلى ارتكاب العديد من الحماقات، وكمحصلة لذلك يأتي الإيراني ليعيد حساباته وتموضع علاقاته وحضوره في المنطقة. لكن، ما هو مثير في الأمر هو مسارعة الأمريكي إلى تقوية النفوذ الإيراني في المنطقة على حساب العرب وذلك من خلال إدانة الكونغرس الحلف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن، محاولة بذلك فرض هدنة على بوابة الحديدة على مسافة 500 كلم من أجل إسعاف الحوثيين في اليمن وإعادة تموضعهم من خلال التفريط بالأكراد والإخلال بوعدهم في تحقيق دولة انفصالية كردية في العراق على أساس أن هناك اتفاقا استراتيجيا مع إيران قبل إعطاء هذا الوعد للكردي في سياق التدخل الأمريكي في نتائج الانتخابات العراقية وإلزام حلفائها السنة المتطرفين لمراجعة إيران نتيجة استفتاء البارزاني حول دولة انفصالية كردية في العراق. ولينتقل الدعم الأمريكي في سوريا من خلال انسحاب أمريكي- بريطاني مفاجئ من سوريا تمهيدا لجولات العنف والدماء تمهيدا لمعركة إدلب وصولا إلى لبنان وافتعال قصة الأنفاق كمسوغ تبريري يتم التصوير من خلاله أنه فعلا هناك قوة إيرانية مهيمنة وخطيرة في المنطقة تهدد مصالح إسرائيل والخليج، مما يعزز ذلك إثارة إشكالية التغيير الديمغرافي والهوية في المنطقة وتحديدا في سوريا والعراق من خلال التأثير على الأرض عبر تأسيس ضغط سياسي واقتصادي ومذهبي مما يدخل في إطار المحددات الجغرافية والمذهبية الذي يعرف "بالكوزموبوليتيا الشيعية" التي تحفظ الأمن القومي الإيراني على حساب الأمن القومي العربي بفعل تفكيك المجتمعات العربية وتجزئتها وتفريغها من سكانها الأصليين واستخدام الشيعة كمذهب موال لإيران ثقافيا وسياسيا وفكريا  عبر الارتكاز على محددات الجغرافيا والسكان عبر أدلجتهم بمنطق "المقاومة المقاولة" التي لا تخدم الإنسان وكبريائه وسيادته ولا استقراره سوى العيش في حالة من الاعتراض والتناحر والكراهية والتعصب والتطرف والإرهاب اللامتناهي. فكيف تفسرون مسألة عدم إنماء مدينة هرمل وشعبها الذي يعيش حالة فقر وتهميش وحرمان وهذا ما أوضحته مشاورات الوزير النائب جواد عدرا مدى حرص المقاومة على لبنان بتعطيل البلد في سياق مشروع كل هذه القنوات الاتصال والمماطلة السياسية ما هذه المهزلة السياسية حقا ً !!

إن هذه المسارات يمكن أن تترجم في إطار الأهداف الإيرانية في التغيير الديمغرافي بهدف تفكيك المجتمع السني من خلال تشويه  العرب وإطلاق البروباغندا النازية: "كذب كذب حتى يصدقونك" مما يسهل عملية المصادرة لمستقبل الشباب والأجيال ودفعهم إلى التطرف والعنف والإرهاب وتدميرهم وجعلهم أداة سهلة الاستنزاف والخرق وأكثر تخلفا وتوحشا. إن هذه الكراهية لن تؤدي سوى الدور الإيراني المناط به لتحقيق أهداف أمريكا في المنطقة وهو شيطنة العرب والقضاء عليهم وهذا ما جاء أساسا على لسان ترامب خلال حملته الانتخابية قائلاً سأعيد السعودية إلى ركوب الجمل، أي التخلف، إضافة إلى مواقفه وتصريحاته المعادية للإسلام، كلها سياسات تخدم إسرائيل من ناحية تبرير وجودها واعتماد العنف المضاد كذريعة لإنتاج جسم عربي متوحش ومتناحر طائفيا ومذهبيا وقبائليا ومفككاً يخدم السياسة الأمريكية من خلال تنفيذ مخططاتها دون تكبد أي خسائر في صفوف قواتها ولا مزيد من التورط المباشر في أزمات الدول العربية ( سوريا). مما يستدعي ذلك إلى طرح سؤال ملح، ما هي نتائج خيارات مفاوضات  قنوات الاتصال في كل من مسقط وجنيف على المنطقة؟

  • الخيار الأول:  خيارات تقليل الانخراط وتجنب المواجهة

  • وتقوم على مزج الدول العربية بين خيارات الانعزال والتنمية الداخلية والتركيز على القضايا والتحديات الداخلية الأمنية والاقتصادية والسياسية  بشكل أساسي، مع محاولة تبني سياسات أقرب إلى الحياد وتقليل الانخراط في المواجهة ضد توسع الأدوار الإيرانية، وتبني استراتيجيات أقرب إلى انتظار وتغيير عناصر الضعف الكامنة والخلافات داخل النظام الإيراني وتأثيراتها في قلقلة استقرار النظام وتغيير سياساته، مع تمرير المسؤولية في ممارسة الضغوط على إيران إلى الحلفاء والفاعلين الآخرين سواء من (الولايات المتحدة أوروبا، روسيا) أو إقليميين (إسرائيل، تركيا) باعتبارهم أصحاب دوافع أصيلة في تحجيم الأدوار الإيرانية بما يهدد مصالحهم الحيوية في المنطقة. إن خطورة هذا البديل هو في إمكانية توصل هذه الأطراف إلى اتفاقات وتفاهمات صريحة أو ضمنية لاقتسام النفوذ مع إيران بشكل لا يراعي المصالح العربية بشكل أساسي، وهذا ما تحقق جزئيا في الاتفاق النووي الإيراني عام 2015، مع تعدد المصالح الاقتصادية الكامنة مع هذه الأطراف.

الخيار الثاني: خيارات المواجهة والتصعيد

أي السعي لتطوير القدرات العسكرية الذاتية وتعزيز التحالفات للدول العربية مع أطراف إقليمية ودولية ذات معارضة لإيران بهدف تحجيم أدوارها. إن إمكانية إثارة تداعيات عكسية بتصعيد حدة المواجهة الإقليمية وزيادة التشدد الإيراني وأنماط أدواره الصراعية والتدخلية أو إمكانية استغلال إيران هذه المواجهات لصالحها بالنظر إلى ما أظهرته خبراتها مع أزماتها وفي الجوار الإقليمي من طابع براغماتي ذكي، قادر على تحويل الأزمات إلى فرص وتعزيز نفوذها عبر توظيف أخطاء الفاعلين الآخرين على غرار توظيف الفراغ الاستراتيجي الذي خلفه الاحتلال الأمريكي للعراق والتورط في استنزاف العرب وقدراتهم الذي ينعكس سلبا على أولويات ومخصصات الإصلاحات الداخلية والتنمية العربية وتأجيج الانقسامات العربية نتيجة أولوية تقديرات المواجهة مع إيران تضاف إلى ذلك مخاطر الاصطفافات الخاطئة المستنزفة لشرعية النظم العربية لاسيما أطراف مثل إسرائيل الذي يعزز شرعية محور المقاومة والممانعة وتبرير الأدوار الإيرانية في ساحات عربية قد تعرض الإيراني لأي انتكاسة يحذر عليها مقايضات صعبة من شأنه مراجعة أنماط الأطراف المعادية لإيران وانفتاحهم على الإقليم بشكل يسهل فتح علاقات متبادلة مع جيرانهم بدافع أمنهم القومي لتقاسم مساحة نفوذ ودور إقليمي على ضوء ترتيبات محكومة بالظروف والتطورات المقبلة.

لمواجهة ما هو أعظم؟

*صحافية لبنانية