الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

السياسات القبلية.. وإسرائيل ليست استثناء!! بقلم: رائد دحبور

2018-12-22 03:46:16 PM
السياسات القبلية.. وإسرائيل ليست استثناء!!
بقلم: رائد دحبور
رائد دحبور

يحاول عديد من الأكاديميين الإسرائيليين التفكير خارج صندوق الأساطير المؤسسة لدولة إسرائيل، تلك الأساطير التي قامت على، منهج نفي المنفى من الوجدان الجمعي الإسرائيلي، وعلى المفاهيم الصهيونية للعودة إلى أرض الميعاد - فلسطين - وعلى مفهوم أرض إسرائيل التوراتية الكاملة، وعلى الوعد الإلهي، وعلى الأمن كعقيدة يغذيها مفهوم الخطر الوجودي القائم والدائم ضمن مختلف المراحل الزمنية التي عاشها الشعب اليهودي سواء في الشتات - الذي امتد لآلاف السنين، والذي كان يتوزع، وفق تعبير إسرائيل شاحاك، من اليمن وحتى نيويورك - أو سواء بعد قيام إسرائيل بعد حرب عام 48 ضمن حدود الهدنة التي جرى الاتفاق عليها بين الدول العربية وبين إسرائيل برعاية دولية عام 1949.

يبرز من بين أولئك الأكاديميين الإسرائيليين المتخصصين في التاريخ وفي علم الاجتماع السياسي كل من " باروخ كمرلنغ " و" يوئل شموئيل مغدال "   وكذلك كل من " إسرائيل شاحاك " و " وحجاي رام " و " شلومو ساند " و " أوري بن إليعازر " و " إيلان بابيه " وآخرين غيرهم، كما يبرز اسم " ليف غرينبرغ " صاحب كتاب السلام المتخيل الصادر عام 2007 وهو الكتاب الذي يحاول فيه " غرينبرغ " وعبر أكثر من ستمائة صفحة تحليل مسيرة أوسلو وما أفضت إليه من نتائج على صعيدي المجتمعين الإسرائيلي والفلسطيني، لكن غرينبرغ  وقبل أن يدخل في التحليل التفصيلي لمسيرة أوسلو؛ يأخذ بمنهج التحليل التاريخي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي لمسيرة المجتمع الإسرائيلي المتشكل منذ تدشين المؤسسات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعسكرية - والتي بدأت فعليا ومنهجيا منذ عام 1921 - ما قبل الإعلان عن قيام الدولة اليهودية في عام 48 بأكثر من عقدين ونصف من الزمن، والتي استمرت في الفعل والأداء مرورا بمرحلة الثلاثينيات ومن ثم الأربعينيات من القرن الماضي، وصولا إلى لحظة إعلان الاستقلال في عام 48 واستمرارا في مرحلة الخمسينيات، وانعطافا غذى تواصلها انطلاقا من مرحلة حرب عام 67 وما أعقبها من تطورات، وليس انتهاء بمرحلة التسويات السياسية المقترحة في مدريد عام 92 وفي أوسلو عام 93 وفي مؤتمر كامب ديفد عام 2000 مرورا بالانتفاضة الثانية وكافة مجرياتها ووقائعها بما في ذلك تنفيذ خطة الانفصال عن غزة وكذلك حرب لبنان عام 2006 وحتى الوقت الراهن. إنه يتناول بالتحليل دور تلك الأساطير المؤسسة في صياغة وجدان وسلوك المجتمع الإسرائيلي وقبل ذلك كيفية توظيف النخب الاقتصادية والسياسية الأحزاب الإسرائيلية من يسار ويمين ووسط لتلك الأساطير في سبيل حشد المؤيدين والمقترعين في الانتخابات على قاعدة سياسات قبلية في الأساس - كما يصفها غرينبرغ في كتابه، السلام المتخيل - وهو يأخذ على سبيل المثال أسطورتين مختلفتين ولكنهما متكاملتين من حيث التأثير والأداء من تلك الأساطير التي جرى ويجري توظيفهما من قبل اليسار واليمين على حد سواء ؛ فاليسار وظف أسطورة " مفهوم الأمن " ومقتضياته كعقيدة راسخة على مستوى النظرية والتطبيق في تبرير سياساته الاجتماعية والاقتصادية ورؤاه السياسية سواء داخل الخط الأخضر - في الحيز السياسي والجغرافي الداخلي الإسرائيلي -  أو خارجه في المناطق المحتلة في الضفة الغربية وغزة.  وكذلك فعل اليمين بتوظيفه أسطورة " الوعد الإلهي ومفهوم " أرض إسرائيل الكاملة ". ويذهب " غرينبرغ " إلى حد تحليل السلوك الانتخابي الإسرائيلي على أساس قبلي - بمعنى آلية سياسة القبيلة -  منذ عام 1939 - حيث جرى الاقتراع على قيادة مؤسسات مجتمع المهاجرين اليهود كمجتمع مستقل عن المجتمع الفلسطيني تحت رعاية حكومة الانتداب ما قبل قيام الدولة - ومرورا بكافة الانتخابات والانقلابات السياسية ووصولا إلى آخر انتخابات جرت قبيل إصدار كتابه في عام 2007؛ وهو يحلل الأسباب والعوامل الاجتماعية والاقتصادية ودورها في تحديد سلوك الناخب الإسرائيلي وفي سلوك الأحزاب تجاه جمهور الناخبين؛ بما يوصله إلى استنتاج أساسي مؤداه؛ أن جملة العوامل الاجتماعية بما فيها التفاوتات الطبقية ومفاعيل المزايا الممنوحة والمكتسبات من جانب،   مقابل التهميش من جانب آخر،  وهذه العوامل القائمة على أساس التمييز بين مجتمع الغربيين - الأشكناز - والشرقيين - السافرديم؛ هي من كانت تحدد معايير سلوك الجمهور تجاه الاقتراع للأحزاب؛ أكثر من مفاعيل السياسات المتصلة بتحشيد وتدجيج المشاعر والمخاوف المتصلة بالتهديدات الخارجية، وهو - أي، غرينبرغ - يستعير مصطلح تعبيرات ومفاهيم " الديمقراطية الشكلية " من كثير من الباحثين الغربيين وتحديدا من زميله " باروخ كمرلنغ " ليصف من خلالها واقع الديمقراطية في نظام الحكم الإسرائيلي؛ ليصل إلى استنتاجه الأساسي بخصوص ذلك وهو: أن نظام الأحزاب والاقتراع والحكم في إسرائيل هو نظام يسير وفق سياسات قبلية لا تختلف في جوهرها عن أي سياسات قبلية متبعة في واقع الشكليات الديمقراطية المنتشرة في غير مكان من هذا العالم !!.