الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

قراءة في نصوص مشروع القرار الفلسطيني لمجلس الأمن/ بقلم: بدر جبران

2014-12-23 01:11:41 PM
 قراءة في نصوص مشروع القرار الفلسطيني لمجلس الأمن/ بقلم: بدر جبران
صورة ارشيفية
 

تطل علينا نصوص القرار الفلسطيني المقدم لمجلس الأمن والذي تمت صياغته بالتشاور مع فرنسا، واطلاع أمريكا والتي عارضته. وبالرغم من عديد الملاحظات على نصوصه التي يبدو أنها تركت بقصد عائمة وفضفاضة ومبهمة وغير متفق عليها داخلياً في الشارع الفلسطيني سواء المسَيس منها أو المستقل، مما فرز الساحة الفلسطينية ما بين مؤيد ومعارض.
لقد كان المؤمل وبعد هذا الضياع الأزلي في تفاوض غير مجدٍ، وغير مثمر، إن يتم بلورة مشروع فلسطيني يتم التصويت عليه شعبياً، وأن تكون النخب السياسية متفقه على حدوده الدنيا، لا أن يختزل رأي الشعب في الداخل والخارج في توجهات البعض باعتبارها واقعية وتتفهم الضغوط السياسية والوضع الإقليمي أكثر من غيرها وباعتبار وجهة نظرها اأكثر إدراكاً للمصلحة العليا للشعب الفلسطيني ولمستقبله.
على كل حال، إن العودة إلى النصوص وتفنيدها سيخرجنا من دائرة التوصيف والاتهام ويعيدنا إلى العقلانية المبنية على تحليل منطقي وواقعي لما ورد في النص.
من المراجعة الأولية لترجمة المشروع نستدل الآتي:
1.      النصوص هي ترجمة عن الإنجليزية، وبالتالي النص العربي يبدو ركيكاً بشكل عام، وغير مفهوم في بعض البنود.
2.      إن الحل السلمي العادل والدائم والشامل سيتحقق في غضون 12 شهراً من تاريخ اتخاذ القرار، وسيؤسس لدولتين مستقلتين ديمقراطيتين تعيشان جنباً إلى جنب بسلام وأمن وفي حدود معترف فيها دولياً. ما لا بنص عليه مشروع القرار هو أنه وفي حال تجاوز المدة المتفق عليها والمشار إليها في هذا البند، ما الذي سيكون عليه الحال؟ وما العواقب والعقوبات، والنتائج والمرجعيات؟  
3.      يشار في المشروع إلى أن التفاوض سيتم عن طريق عدد من المعايير، وهنا لا يستدل من النص فيما إذا كان التفاوض سيكون مباشراً أو برعاية دولية أو عبر رعاية أمريكية أو الرباعية أو أي شكل آخر، وهذا يعيدنا إلى المربع الأول الذي لم نغادره منذ اتفاق أوسلو وحتى الآن.
4.      عند الحديث عن الترتيبات الأمنية، يتم الحديث عن طرف ثالث دون تحديده هل هو دولة إقليمية أو جهة دولية أو أممية، ومن سيحدد الطرف الثالث هذا. ويتحدث عن انسحاب تدريجيي، يعيد للأذهان ما حدث في السابق من انسحاب كان من المفترض أن يكون تدريجياً خلال فترة زمنية سيتفق عليها في إطار زمني معقول سقفه عام 2017.
5.      الترتيبات الأمنية قيد البحث تتحدث عن ضمان أمن كل من إسرائيل وفلسطين عن طريق منع ظهور الإرهاب والتصدي بفعالية للتهديدات الأمنية، بما فيها تلك المستجدة والناشئة. النص يخلو من تعريف واضح للإرهاب ومن سبل محاربته ومن تعريف الجهات المخولة بمحاربته.
6.      عند الحديث عن القدس، فإن النص المقترح هو أول نص في التاريخ الفلسطيني يعترف بأحقية إسرائيل بتسمية القدس عاصمة لها، وهو الأمر الذي طالما حال دون نقل العديد من الدول سفاراتها إلى القدس على الرغم من كونها حليف عظيم لإسرائيل، إن الحديث عن التطلعات المشروعة للطرفين يساوي بين تطلعات المحتل والمحتلة أرضه والحديث عن حرية العبادة يساوي ما بين من يقف سداً منيعاً أمام من يبغي العبادة في القدس وبين من له حالياً الحرية المطلقة بذلك.
7.      تركت بعض النصوص فضفاضة جداً مثل: "تسوية متفق عليها من القضايا العالقة الأخرى، بما في ذلك المياه"، بالرغم من أن جوهر الصراع مع الإسرائيلي اليوم هو على الأرض والمياه، وجهد الاحتلال الإسرائيلي لبناء جدار فصل قضم ما يزيد عن 110 آبار للمياه، وهو لا يزال يتحكم بحصة الفرد الفلسطيني من المياه، ولا تصل حصة الفلسطيني من المياه إلى ثلث حصة الإسرائيلي، إلا أن هذا الأمر الحيوي تُرك ليحل لاحقاً، بالرغم من تبعاته المحتملة على الواقع الفلسطيني وقدرته على استيعاب العائدين والنمو الطبيعي للسكان، وآثاره على الصناعة والزراعة، والبيئة، والسياحة، وما إلى ذلك.
8.       في كل الأحوال فإن مشروع القرار يؤكد على ضرورة التنسيق الأمني، أي أن التنسيق الأمني يخرج عن كونه اتفاق بين طرفين متفاوضين يريان مصلحة في ذلك، ربما تتغير مع الزمن، وينقله إلى قرار دولي.
9.       يعيد المشروع الحديث عن أهمية التفاوض المبني على أساس الثقة المتبادلة لتحقيق السلام كما يتحدث عن ضرورة الامتناع عن جميع أعمال التحريض والاستفزاز أو إصدار بيانات، ويدعو إلى دعم دولي لهذه الجهود لتهيئة مناخ ملائم يفضي إلى المفاوضات. ما لا يذكره النص المقترح هو كيفية التعامل مع من يخالف ذلك؟
10. يبدو أن مشروع القرار لم يستطع مغادرة مربع التفاوض والمؤتمرات الدولية، وبالتالي هو يدعو إلى عقد مؤتمر دولي لإطلاق المفاوضات وتحديد إطار لها، والسؤال يبقى، على ماذا إذا كنا نتفاوض منذ ما يزيد عن عشرين عاماً؟ وما الفائدة التي أتت بها المؤتمرات الدولية التي عقدت سابقاً؟ وهنا يبدو الخلط بين الرؤى، فمرة نتحدث عن مفاوضات مباشرة، وتارة عن مفاوضات برعاية دولية، وفي مكان آخر نتحدث عن مفاوضات برعاية أطراف ذات العلاقة والمصلحة، فما هو الشكل المطلوب بالتحديد؟ حيث أن الشكل يدل على المحتوى ويفضي إلى النتيجة.
11. يدعو مشروع القرار الطرفين إلى الامتناع عن اتخاذ أية إجراءات أحادية الجانب ووصفها بأنها غير قانونية ولم يحددها، وذكر إيجاباً على سبيل المثال الأنشطة الاستيطانية، التي يمكن أن تقوض قابلية حل الدولتين على أساس المعايير المحددة في هذا القرار. السؤال الأهم يبقى: ما تعريف غير قانونية (هل إعلان الدولة من جانب واحد غير قانوني؟ هل الذهاب للمؤسسات الدولية غير قانوني؟ هل يجوز أن نساوي بين هذه التوجهات وبين الاستيطان باعتبارها أحادية الجانب؟)
12. مشروع القرار يتحدث عن أوضاع غزة ويدعو إلى بذل جهود فورية لتصحيح الوضع غير المستدام في قطاع غزة، ويتحدث عن توفير المساعدة الإنسانية إلى السكان المدنيين الفلسطينيين عبر وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين لإغاثة وتشغيل في الشرق الأدنى ووكالات الأمم المتحدة الأخرى، ومن خلال بذل جهود جادة لمعالجة القضايا الأساسية للأزمة، بما في ذلك تعزيز وقف إطلاق النار بين الطرفين. إن النص المقترح يؤشر إلى افتراض أن يستمر الوضع إلى ما لا نهاية في القطاع الحبيب، وأن يستمر غياب السلطة الفلسطينية، وبالتالي هناك تغييب مقصود لدور السلطة في القطاع، وتجاوز لدور التنظيمات الفلسطينية هناك، ووضع الأمور في يد منظمات دولية تتعامل مع سكان في تلك المنطقة، ولا تتعامل معهم باعتبارهم أصحاب أرض، ومواطنين، كذلك يشير النص فقط إلى مساعدات إنسانية ولا يتحدث عن فك الحصار وإعادة الإعمار.
13. يطلب إلى الأمين العام أن يقدم تقريراً عن تنفيذ هذا القرار كل ثلاثة أشهر، وبالتالي النص يتحدث عن تقرير إداري وصفي ولا يتحدث عن قوة فارضة على الأرض، مما يؤشر إلى أن دور الأمين العام هو مراقب لا أكثر ولا أقل.
السؤال الأهم، يبقى: ما الجديد في المشروع المطروح؟ والجواب يبدو واحداً ووحيداً فقط: أن نهج التفاوض شعر بضرورة "عمل حراك سياسي ما" ينزله عن شجرة رفضه التفاوض مع الإسرائيليين ويعيده إلى طاولة المفاوضات بالرغم من المخاطر التي يحتويها هذا الحراك في هذا الوقت بالتحديد.  لقد تناسى مشروع إقرار العديد من القضايا الأساسية المهمة للشعب الفلسطيني، فهو لم يتطرق إلى ملاحقة قادة إسرائيل في المحافل الدولية كمجرمي حرب، ولا يتحدث عن الأسرى ولا عن المياه، ويتجنب التعامل مع القضايا الرئيسية لحل القضية حلاً عادلاً وشاملاً ومتوازناً.
القيادة الآن مطالبة بتحقيق أكبر التفاف حقيقي حولها، وهي مطالبة بالذهاب إلى الأمم المتحدة ولمجلس الأمن موحدة وهي تمثل الشعب الفلسطيني برمته في شطري الوطن وفي الشتات، لا أن تذهب وهي تمثل وجهة نظر منفردة وبالتالي فإن أولى أولويات القيادة وبوصلتها في هذه المرحلة يجب أن يكون تحقيق الوحدة الوطنية وتشكيل الجبهة الوطنية العريضة لقيادة المشروع الوطني في هذه المرحلة الحساسة بدلاً من إضاعة الوقت واللهث وراء مبادرات لن تعود إلا بالويلات على شعبنا وتزيد من حالة التراجع الوطني والضياع لهثاً وراء سراب.