الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الببجي (البوب جي) بين التطبيع مع "الإسرائيلي" أو النضال الرقمي ضده!

الحدث: إبراهيم أبوصفية

2018-12-22 05:31:37 PM
الببجي (البوب جي)  بين التطبيع مع

 

انتشرت في الآونة الأخيرة لعبة "الببجي" والتي تقوم على مبدأ القتال، حيث أن هذه المعركة الإلكترونية تعمل على تفاعل اللاعبين، ينطلق اللاعب أو الفريق في رحلة  باختيار مكان ما في الخريطة التي تتيحها اللعبة، يهبط اللاعبون! في أرض المعركة ، ويبدأ اللاعب في جمع السلاح والمؤونة التي يحتاجها، ومن ثم القتال في ساحة مفتوحة، وتتضمن اللعبة  مئة مقاتل من دول العالم، ولكن يكون اللاعب ضمن فريق ، فقد يكونوا أصدقائه أو أي فريق تعده اللعبة من الموجودين والمتاحين للعب.

يبدأ القتال والتفاعل بين الفريق نفسه أو مع الأعداء الإلكترونيين، ووفقا للخطة أو الاستراتيجية التي يضعها الفريق، يقوم بقتال الأعداء والقضاء عليهم، والحفاظ على حياة الفريق، فالبقاء على قيد الحياة هو الذي يحقق الانتصار والفوز، إذ إن اللعبة تجبر اللاعب على التفاعل والحركة الدائمة لما فيها من خاصية حصر المكان وتقلصه تدريجيا، فإن لم يكن منجزا للمهام يموت بهذا الحصار الذي يطلق عليه "زون".

اليوم يشترك في هذه اللعبة أكثر من 200 مليون حول العالم، وتنشط كثيراً  في المنطقة العربية والإسلامية، وربما هنا تتساءل ما علاقة اللعبة بالتطبيع أو النضال الفلسطيني الرقمي؟.

نظرا إلى الاحتمالات اللا محدودة للعوالم الجديدة من الألعاب وطبيعتها وخصوصاً الببجي تتيح لبناء علاقات اجتماعية، ونقاش أمور فكرية أو أي قضايا أخرى بين اللاعبين، ويبين الكاتبان داريا كوس ومارك غريفيث أن الألعاب تنشئ ارتباطاً بين اللاعب وشخصيته المستعارة، أي هنا قد يعكس هذه الشخصية المستعارة إلكترونياً للتحول واقعياً متأثرة بأي تفاعل حصل، وخصوصًا أن الاستدراك العقلي للمفاهيم المنتقاة والتي تبث داخل الجو الإلكتروني والتي تُزرع باستمرار نتيجة الإدمان الإلكرتوني للشخصية.

إن الرغبة في ممارسة الألعاب عبر الإنترنت والرغبة في إدمان المخدرات تشتركان في الطبيعة العصبية البيولوجية نفسها، ويسبق تفكيرهم في هذه الألعاب تفكيرهم في أمورهم الحياتية الأخرى، وعلى الرغم من إدراك اللاعب أن عالم اللعبة ليس حقيقيا، فإنه لا يزال يُظهر استجابات إنسانية حقيقية لأحداث اللعبة، وهذا ما خلص إليه أندرو ويفر ونيكي لويس من جامعة إنديانا، من استبيان ملأه خمسة وسبعون مشاركًا حول الاختيارات الأخلاقية داخل ألعاب الفيديو، ووجد الباحثان أن اللاعبين يتخذون اختيارات أخلاقية حقيقية سواء بالتعاطف أو العدوان تجاه شخصيات افتراضية داخل ألعاب الفيديو، بل إن كثيرًا منهم يشعرون أحيانًا  شعورًا حقيقيًا بالذنب بعد عمليات القتل الافتراضية داخل تلك الألعاب.

وبالتالي لا شكّ أن التفاعل الذي تتيحه اللعبة، يسمح "للإسرائيلي" أن يراهن على تطبيع العقل العربي من خلال توجيه اللاعبين "الإسرائيليين" وكيفية التعامل مع العربي أو الفلسطيني، وهنا غالبًا أن "الإسرائيلي الفرد" يفهم المعادلة جيدًا ويقوم بدوره حتى دون توجيه، فهو يفهم حالة العداء إليه ويدرك أن مهامه تكمن بجر الفلسطيني إلى الفخ، ربما الأمني أو التطبيع بجعل "الإسرائيلي" مقبولاً فلسطينيًا أو عربيًا، فهنا قد تعمل المؤسسات المخابراتية، فالمعلوم بأن جيش الاحتلال لديه وحدات السايبر والتكنولوجيا في الجيش بهدف المتابعة  الالكترونية، حيث تقوم بتخصيص العشرات من موظفيها لإنشاء العشرات من حسابات التواصل الاجتماعي، فهنا قد يجسد ذات الفكرة وينشئ وحدة خاصة تهتم بالألعاب الفيديو واللعب مع الفلسطينيين ومحاورتهم، إذ إن اللعبة تتيح التواصل مع أهداف مختلفة. كذلك يراهن " الإسرائيلي" على أي أداة يستخدمها لتطبيع العقل العربي، وخصوصًا أنّ العقل الاستراتيجيّ الإسرائيلي" يُراهن على نشر نوع مـن حالة ذهنية أو سيكولوجية لدى العرب والفلسطينيين والعالم تكون بلا مضمون تاريخيّ ولا بعد وطني أو قومي، أي حالة لا ثقافية، وثقافةٌ سياسيةٌ تتكيّف وفق تخطيطه.

إن الخطر الرقمي الذي يحيط بالفلسطيني والعربي هو الممر " الإسرائيلي " للعقول العربية، وسابقًا قال الإسرائيليون بأن الحرب المقبلة ستكون بعيدة عن الواقع وهي حرب رقمية قائمة على التنافس التكنولوجي فمثلاً قال  "شمعون بيريز" رئيس الكيان "الإسرائيلي" الأسبق في إحدى خطاباته، أن العصر المُقبل يجب أن يكون عصر التنافس التكنولوجي وأنّ "إسرائيل" جزءٌ منه، وبالتالي هو يريد أن يقول أن هذا العصر هو عصر الحروب عبر التكنولوجيا، والتنافس التكنولوجي بذات الوقت والذي يتفوق به على المحيط العربي والإسلامي.

وعودة إلى عمق التطبيع خلال لعبة "الببجي" وهنا غالبًا ما يكون التطبيع عن طيب خاطر قد يؤدي إلى ترسيخ المفاهيم الذي يهدف الاحتلال لزرعها، حيث أن هذه اللعبة تتيح للاعب التفاعل خلالها، وهذا التفاعل الذي في بعض المرات يكون " بين الإسرائيلي والفلسطيني"، فمثلا يفيد أحد اللاعبين أنه لعب ذات مرة ضمن فريق شكلته اللعبة له، وكان في هذا الفريق" اثنين اسرائيليين"، مبينًا أنه أصبح هنالك ترحيب من قبل " الإسرائيليين " له، وأنه رد عليهم بالمثل كونه على معرفة في اللغة العبرية وفي بعض الأوقات التحدث باللغة الإنجليزية، وبدأت اللعبة ودار الحديث عن مكامن الأعداء في اللعبة، وأن الفلسطيني أصبح هنا حاميًا " للإسرائيلي " من الأعداء ومتعاطفًا معهم، وبعد الحماية وانقاذهم من الكمين، قال أحد الإسرائيليين، ماذا لو حدث ذلك على أرض الواقع، وأن نكون دولة واحدة أو دولتين مجاورتين يحمي بعضنا البعض من الأعداء الأخرين، ولا ندرك هنا من يقصد بالأعداء الأخرين؟!.

قال الشاب بعد سماع ما قاله "الإسرائيلي" أصبح النقاش يدور عن الوجود اليهودي والاحتلال، ويحدثونه عن مظلومية اليهود في العالم والمخاطر التي تحيط " بإسرائيل" اليوم، إضافة لحديثهم عن امكانية نجاح المفاوضات لولا التعنت من القادة السياسيين الفلسطينيين، وبشكل " أقل " الإسرائيليين "، يقول الشب لعدم اطلاعي السياسي الكافي، وفقط أني أدرك جيدًا بأننا شعب محتل، ولكن بعد الحديث القصير الذي استمر لمدة قصيرة جدًا ولكن مشبعة بما يريده " الإسرائيلي" من بثه، أصبح يتطلب لأن ندخل من جديد للعب من جديد، وإضافتهم على حسابات اللعبة.

أوضح "إن في ما بعد وما شكلوه من جبهة مفتوحة، أصبحتُ أدرك بأني في المكان الخاطئ، وأن فقط الرد عليهم بإنهم أعداء وقطع الطريق عليهم، خوفًا من أن يذهبوا بنقاشهم إلى مكان أبعد من ذلك خلال اللعبة.

وأضاف  الشاب بأنه رغم وعيه أنه تحت احتلال، كاد أن يتشرب ما يطرحونه من أفكار تخترق العقل الباطني والتفكير في كلامهم، "وأنهم فعلاً مظلومين، وأن الأرض ضاقت بهم وما كان لهم إلا يأتوا لإقامة كيانهم"، ولكن العودة العكسية التي ارتدت على ذاكرتي والمشاهد التي ارتكبوها وأنهم مستعدون لقتل كل ما هو عربي وفلسطيني، مشيرًا "إن نهاية الحديث معهم قمت بشتمهم وملاحقتهم داخل اللعبة، وجمعت " القنابل " التي تستطيع أن تقتل "رفيقي" في الفريق، كون اللعبة لا تتيح لك قتل رفيقك إلا بالقنابل، ولكن هم استبقوا الأمر وقاموا بقتلي داخل اللعبة، مطلقين قذارة لسانهم".

وحذر الشاب من هذه الأساليب التي يتبعها الاحتلال، خصوصًا أنه شك بأن " الإسرائيليين" ينتميان لمؤسسة أمنية " إسرائيلية".

هذه الحالة رغم أنها لم تُسقط في وحل التشرب الفكري والاختراق العقلي وربما الأمني، إلا أن هنالك العشرات أو المئات الذين قد يتأثروا ويسقطوا في وحل التطبيع وأبعد من ذلك، فـ"الإسرائيلي " يدرك أن هذه  الألعاب تساهم في السيطرة على عقول الكثيرين، قد يستغلونها لأهدافهم المختلفة وما تتيح هذه الألعاب من توفير معلومات ودراسات قد يجريها على عقل اللاعبين العرب والفلسطينيين.

وخلال اطلاعي وسؤالي لأصدقائي اللاعبين بشكل مستمر، قال لي أحدهم " إذا قمت بالدخول إلى اللعبة عبر النت الموفر من الشرائح " الإسرائيلية" حتمًا سيلاقيك " إسرائليين"، إضافة لأن يكون العلم " الإسرائيلي" في بعض الحالات متواجد كشعار على لعبتك".



في المقابل حتى لا نظلم اللاعبين وهنا(  لا نمنع ولا نحرم من ممارسة اللعبة )، والعكس تمامًا هو توعية أكثر عن دور " الإسرائيلي" سواء مؤسساتيًا أي مخابراتيًا أو فرادى في ممارسة اللعبة بشكل يخدم مصالحهم العدوانية اتجاه كل ما هو فلسطيني وعربي وعبر كافة الوسائل التي نستخدمها ونعتبرها مصدر ترفيه.

فالنضال الرقمي أو الكفاح الفلسطيني العربي في اللعبة، وصحيح هنا قد يكون على شكل " مزحة "، إلا أنه يوصل رسالة للاحتلال بأنك غير مقبول أيضًا في المجال الإلكتروني الترفيهي، وستواجه في كل المجالات والأمكنة.

خلال العدوان الأخيرة على قطاع غزة نشر الشباب الفلسطيني الذي يمارس العبة على مواقع التواصل الاجتماعي، مقطع فيديو من اللعبة يشترك اللاعب في فريق يحتوي " إسرائيليين "  ثم يفجر نفسه فيهم داخل اللعبة، إذ أن ألعاب الفيديو أتاحت لمفهوم "النضال والجهاد" افتراضيًا مثل باقي المفاهيم التي تمت رقمنتها وتواكب التطور التكنولوجي.

وبذات السياق بين أحد اللاعبين أن كثيرًا ما يواجهني " اسرائليين " في اللعبة إلا أني سريعًا إما أتخذ قرار الخروج و الانسحاب من اللعبة، وإما مواجهتهم وملاحقتهم حتى يتم قتلهم.

ومثال آخر قال أحد الشباب " كنت قد دخلت إلى اللعبة عبر " النت الإسرائيلي الموفر من شريحة سيلكوم "،  وجاءت علامة العلم " الإسرائيلي "، حيث يرى الأخرين هذه العلامة ومن أي دولة تلعب أنت، وفي خلال اللعبة أصبح الفريق وغالبه كان من العراق يوجه لي الضربات، وعند نقاشهم حول هذا الفعل، قالوا بأنك " اسرائيلي " حتى قمت لهم بالشرح وسبب ظهور هذا العلم حتى اقتنعوا في ما بعد.

هنا تكمن القيمة بوعي اللاعب العربي الذي نجد بأنه مستعد  لقتال ومواجهة " الإسرائيلي"، واستعداده لملاحقته في لعبة الفيديو، فمن المتوقع لو أتيح له المجال أن يكون قتاله واقعيًا لفعل، وخير مثال على ذلك الشاب الأردني طاهر خلف الذي نفذ عملية طعن ضد المستوطنين في مدينة إم الرشراش " إيلات " قبل شهر.



وفي النهاية بين النضال الرقمي والتطبيع يكمن الوعي واستدراك اللاعب الفلسطيني والعربي في مواجهة "الإسرائيلي "، وبين النضال والتطبيع شعرة في مجال لعبة الفيديو، أي إذا تقبّل الاعب الوجود " الإسرائيلي " وممارسة اللعب  مرات عديدة وأتاح له التعبير عن ما يهدف إليه يقع اللاعب في وحل التطبيع وتحقيق الرهان " الإسرائيلي" على أن يجد انقلاباً سيكولوجياً في مواقف العرب من "إسرائيل"، أو يصبح مناضلاً رقميًا يفشل مشاريع التطبيع والرهان على تطويع العقل العربي والفلسطيني، ويحقق انجازًا في التصدي لاختراقات الاحتلال للشارع العربي، وإيصال رسالة أحقية الوجود للفلسطيني وزحزحة المشروع الصهيوني وإفشاله.