الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

قضية الأسرى ومنزلق تصحيح الخطأ بخطيئة

2013-12-24 00:00:00
قضية الأسرى ومنزلق تصحيح الخطأ بخطيئة
صورة ارشيفية

د/ إبراهيم أبراش

لأن ثقافة النخب الحاكمة في فلسطين لا تؤمن بالنقد الذاتي ولا تعترف بأخطائها، وحيث أن الواقع يقول بأن هذه النخب ارتكبت أخطاء كبيرة بحق الشعب والقضية، وأن الواقع المأساوي الذي نعيشه هو نتاج سياستها- بالإضافة إلى الاحتلال بطبيعة الحال-، فإنها بدلا من الاعتراف بالخطأ ومراجعة نهجها تقوم بارتكاب خطايا أعظم، معتقدة أن في هذا الأمر تصحيحاً لنهجها السابق أو تطويراً له. فمن أخطاء مفاوضات فاشلة طوال عقدين إلى خطيئة العودة للمفاوضات مع استمرار الاستيطان، ومن خطأ حماس باللجوء للمقاومة بدون استراتيجية وطنية إلى خطيئة هدنة رسمية تنهي المقاومة وتكرس فصل غزة عن بقية الوطن، ومن خطأ رهن القضية الوطنية بمشاريع وأجندة خارجية إلى خطيئة المكابرة وإدارة الظهر للمصالحة الوطنية حتى بعد انكشاف وهم المراهنة على الخارج. لو أردنا مراجعة أخطاء وخطايا النخبة السياسية فلن يكفي مقال أو كتاب لتغطيتها، ولكننا سنركز على مسألة واحدة كمثال لعدم استفادة النخبة السياسية من أخطائها السابقة وإصرارها على معالجة الخطأ بخطيئة، وهي العودة للمفاوضات وتوظيف قضية الأسرى في هذا السياق.

لاشك أن الأسرى يستحقون منا كل اهتمام وتقدير، وكيف لا وهم يضحون بحريتهم من أجل فلسطين وبعضهم أمضى أكثر من ربع قرن في السجن، وكيف لا ولولا نضال وتضحيات الشهداء والجرحى ما كانت هناك حالة تسمى النضال الفلسطيني، وما كانت القضية الفلسطينية حظيت باهتمام واحترام العالم، وما كان هناك حكومات وسلطات ووزراء ونخب ترتزق وتعيش بترف على حساب معاناة الشعب والأسرى الذين يقبعون في السجون. بالرغم من هذه الأهمية إلا أنه يبدو أن قضية الأسرى خرجت من سياقها السياسي كقضية وطنية وإنسانية وقانونية إلى مرحلة التوظيف السياسي من قوى سياسية فلسطينية ومن أنظمة عربية وجامعة الدول العربية.

دون تجاهل التأثير النفسي والعاطفي الإيجابي للاهتمام بقضية الأسرى على الأسرى وذويهم، مع أن هذا الاهتمام ما كان ليكون لولا الدور الذي قام به الأسرى أنفسهم في تسليط الضوء على قضيتهم من خلال الإضراب عن الطعام والوقفات الاحتجاجية، ودون تجاهل وجود دوافع وطنية وإنسانية تفرض على الفاعلين السياسيين عدم تجاهل موضوع الأسرى، إلا أن تضخيم خطاب النصر والإنجاز مع كل صفقة أسرى كان يوَظَف للتغطية على فشل النخب الحاكمة في مواجهة الاحتلال وحل المشاكل اليومية للمواطنين. وعلى القوى السياسية التي تقف وراء كل صفقة إطلاق سراح أسرى أو تتعهد بقضية الأسرى، التوقف عن الإرهاب الفكري والتلاعب بمشاعر ذوي الأسرى من خلال اتهام كل من ينتقد أسلوب التعامل مع قضية الأسرى وكأنه ضد إطلاق سراح أسرى أو لا يشعر بمعاناة الأسرى. نعم لا أحد ضد إطلاق سراح أسرى ولكن ليس بأي ثمن.

المشكلة لا تكمن في حق الأسرى بالتعريف بقضيتهم والدفاع عنهم في كل المحافل وبكل الأساليب، المشكلة تكمن في توظيف القوى السياسية للجانب الإنساني من قضية الأسرى والمعتقلين لتبرير سلوكيات خاطئة وتمرير تنازلات خطيرة للعدو. في معمعة فرحة الأسرى وأهاليهم ووسط تغطية وبهرجة إعلامية، وأموال تنفق بلا حدود على الاحتفالات التي تصاحب عملية إطلاق سراح الأسرى، ومع المبالغة في الحديث عن الإنجاز والانتصار الذي يتحقق مع كل صفقة أسرى،  بل تصل المهاترات إلى درجة حديث بعض السياسيين عن تبييض السجون الإسرائيلية من الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين! وسط كل ذلك يتم التغطية على الثمن الباهظ الذي يتم دفعه مقابل إطلاق سراح أسرى.

دعونا نتساءل هل ما زلنا في مرحلة تحرر وطني وبالتالي في حالة مواجهة ومقاومة ضد إسرائيل؟ أم إن مرحلة التحرر الوطني انتهت وبالتالي انتهت المقاومة والجهاد؟ لو كانت القوى السياسية أنجزت مرحلة التحرر الوطني بما تتضمنه من حرب ومقاومة وجهاد وشهداء وأسرى ومعاناة الخ وأصبحت تعيش مرحلة سلام وتسوية سياسية، آنذاك يمكن تفهم المساعي لتحرير الأسرى وتبييض السجون الإسرائيلية. لكن وحيث إنه لا يوجد سلام ولا تسوية سياسية وما دامت القوى السياسية تقول بأنها ملتزمة بنهج التحرر الوطني وما دامت الممارسات الإسرائيلية على الأرض من استيطان وتهويد وحصار وعدوان وقتل واعتقالات تؤكد أننا ما زلنا تحت الاحتلال، لذا فإن الأولوية يجب أن تكون للمقاومة والمواجهة مع كل ما يترتب عليهما من استحقاقات كسقوط شهداء وجرحى وأسرى، فكيف نكون في مرحلة تحرر وطني ولا يسقط شهداء وجرحى وأسرى؟ للأسف نقول إن سلوك القوى السياسية ومن خلال تعاملها مع قضية الأسرى يوحى بأنها هجرت مرحلة المقاومة والمواجهة وتسعى إلى تصفية مخلفات تلك المرحلة، وقضية الأسرى من هذه المخلفات، وهم في سبيل الحفاظ على السلطة سواء في الضفة أو غزة يتلاعبون بكل الثوابت والقيم والحقوق الوطنية بما فيها قضية الأسرى.

تعتبر الصفقة التي أبرمتها حركة حماس مع إسرائيل في أكتوبر 2011 وتم فيها إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي شاليط مقابل 1027 من الأسرى، والصفقة الأخيرة لإطلاق سراح 104 أسيرا على دفعات ممن سجنوا قبل توقيع اتفاق أوسلو مقابل العودة لطاولة المفاوضات من أكثر صفقات إطلاق سراح أسرى إثارة للجدل، مع الأخذ بعين الاعتبار الاختلاف في طريقة المفاوضات وشروطها وعناصر الصفقة. لا شك أن صفقة الأسرى التي أنجزتها حركة حماس حظيت بشعبية كبيرة وفرضت على إسرائيل التخلي عن شروط سابقة للتفاوض، ولكن في المقابل لا يمكن تبسيط الصفقة بالقول بأنها كانت جندي إسرائيلي مقابل 1027 أسير فلسطيني، نعم كانت حركة حماس متميزة بقدرتها على إخفاء الجندي لأكثر من خمس سنوات ، ولكن في المقابل وظفت إسرائيل قضية شاليط لتعزيز حصارها لغزة وتعزيز الانقسام واستمرار العمليات العدوانية التي أدت لسقوط أكثر من ثلاثة آلاف شهيد بالإضافة إلى اعتقال أضعاف الذين تم إطلاق سراحهم وتدمير للبيوت والمؤسسات ما زال القطاع يعاني منها حتى اليوم، كما مهدت صفقة شاليط لتوقيع هدنة مع إسرائيل أنهت فعليا حالة المقاومة.

أما إطلاق سراح أسرى معتقلين قبل توقيع اتفاقية أوسلو كجزء من صفقة العودة للمفاوضات قبل أشهر دون وقف الاستيطان، فنعتقد أنها كانت عملية ابتزاز للسلطة وتغرير بالشعب بتوظيف قضية الأسرى كقضية إنسانية لتبرير وتمرير العودة للمفاوضات خارج إطار التوافق الوطني، في تخل صارخ لمطلب مشروع وضعته المنظمة للعودة للمفاوضات وهو وقف الاستيطان، وليس صحيحا أن لا شيء أغلى من الإنسان، فالمواطن يضحي بكل ما يملك من أجل الوطن. كما أن العودة للمفاوضات تأتي في ظل شروط ومعطيات فلسطينية وعربية وإسرائيلية غير مواتية لإنجاز أي تقدم في صالح القضية الوطنية، وهي مفاوضات ستساعد على إخراج إسرائيل من عزلتها وستضفي شرعية على عملية الاستيطان، يضاف إلى ذلك أن المفاوضات السابقة كانت علنية وتحت رعاية اللجنة الرباعية – الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية – أما مفاوضات اليوم فهي مفاوضات سرية وتحت رعاية أمريكية فقط.

نعم، إنها محاولة تصحيح خطأ بقاء أسرى بعد توقيع اتفاقية أوسلو بخطيئة العمل على إطلاق سراحهم بثمن أفدح، وابتزاز لأنه كان يُفترض أن يتم إطلاق سراح هؤلاء الأسرى مع توقيع اتفاقية أوسلو حيث تم اعتقالهم على أعمال مارسوها قبل توقيع الاتفاقية، وابتزاز لأن إطلاق سراحهم سيتم على دفعات – تم إطلاق الدفعة الأولى المكونة من 26 أسيرا فجر 14 أغسطس- مقيدة بمدى التقدم بعملية المفاوضات، بمعنى أنه في حالة عدم تجاوب الفلسطينيين مع المطالب والشروط الإسرائيلية على طاولة المفاوضات أو أوقف المفاوض الفلسطيني المفاوضات، فستتوقف عملية إطلاق سراح الأسرى، وقد تبدى الابتزاز الإسرائيلي في الأسبوع الأول من المفاوضات حيث أعلنت إسرائيل عن عطاءات لبناء أكثر من ألف وحدة سكنية في القدس والضفة ولم يصدر عن السلطة سوى انتقادات خجولة لا تتناسب مع خطورة الحدث، وما زالت مشاريع الاستيطان مستمرة