الحدث- إباء عامرية
عام جديد وفرصة جديدة للتغيير، ربما تراها مجرد أرقام لا تقدم ولا تؤخر، لكنها دورة جديدة في المجموعة الشمسية التي أنت جزءٌ منها، وبالتالي فهي دورة جديدة في حياتك أيضاً، مرحلة جديدة عليك أن تحسن استقبالها لتكون أفضل من كل المراحل التي قد عشتها سابقاً. ولبداية جديدة لا بد من نهاية، إذ كيف ستتقدم خطوة نحو الأمام بينما قدمك ما زالت عالقة في خطوة سابقة، وكيف تبدأ مرحلة جديدة إن كنت لم تُنهِ مرحلة قديمة قد فات أوانها؟. ضع حياتك أمام عينيك، ابحث فيها عن أمرٍ يأسرك ويعيق تقدمك. قد تكون علاقة ما أو مشكلة أو قرار خاطئ أو معتقد سام، أمر قد يكون عمره ساعات أو أيام أو سنوات طويلة، أمر ربما اعتدت عليه رغم أنه يؤذيك ويقيدك. حان الوقت لتتخلص منه وتتجاوزه، كف عن التمسك به معتقداً أن من الخطر أن تتركه أو تكسره؛ فتمسكك بأمر خاطئ سيعيقك عن الوصول للصواب، أو الوصول لمرحلة جديدة، واتخاذ قرارات صائبة، وإيجاد فرص أكثر ملاءمة لحياتك من تلك الفرص الفاشلة الفائتة التي ما زلت متمسكاً بها لا تستطيع التقدم بسببها. واحرص دائماً على المسامحة، تذكر أن شعور الضغينة الذي تحمله لشخص قام بإيذائك هو كالسُم الذي تشربه متوقعاً أن يقتل شخصاً آخر؛ فهو لا يؤذي غيرك، هذا الشعور ما هو إلا عقبة لك تُبقيها أنت في حياتك معتقداً أنك تضعها في طريق من أذاك. تخلص عاجلاً من هذه العقبة واتخذ قراراً بمسامحته من أجلك أنت وليس من أجله.
أنظر نظرة تقييم لحياتك السابقة، ستجد فيها ما يسرك وما يحزنك. لا تنسَ إنجازاتك الصغيرة العظيمة، اجمع كل أشياءك الجميلة والأحداث اللطيفة في حياتك واجعلها حافزاً لك على الاستمرار وتشجيعاً على إنجاز أمور أعظم وجمع المزيد من السرور في خزانة ذكرياتك. أما اللحظات الصعبة والأحداث المحزنة التي مررت بها فلا تنظر إليها نظرة سلبية، لا تجعلها ذكرى مؤلمة، فهي لم توجد لتشويه حياتك أو بث مشاعر الحزن والخوف فيها، بل وجدت لتذكرك بجمال الأِشياء من حولك ولتذكرك بقوتك الداخلية التي لن تكتشفها ما دمت تعيش في سعادة دائمة وجو مليء بالفرح في كل الأوقات. تخيل نفسك تجلس مع أحفادك بعد عشرات السنين تسرد لهم قصة حياتك، كم سيكون مملاً أن يستمعوا لقصة ليس فيها أي مطب أو صعوبة، لن يستطيعوا رؤية ذلك البطل فيك، لن تعرف أنت كم كنتَ قوياً. تذكر أنك البطل في قصة حياتك، وقد وجدت كل تلك الصعوبات لتُظهِر قوتك وبطولتك فيها، مما يساعد على زيادة ثقتك بنفسك لتواجه صعوبات أخرى في مستقبلك. وتذكر دائماً أن كل صراع تعيشه مع نفسك أو مع العالم ستخرج منه في النهاية بنتيجة إيجابية أو سلبية، لكن تلك النتيجة ستكون درساً لك لتختار الطريق الصحيح في صراعات مقبلة، وستجنبك الخطأ والفشل في مواقف مشابهة.
تجنب التركيز على الحدث نفسه وما سببه لك من مشاكل، بل ركز على إعطاءه المعنى الذي يخدم تقدمك، المعنى الذي تعطيه للأمور هو ما يحدد تأثيرها عليك، أفكارك عنها، الوجهة التي تنظر منها؛ فنظرتك للحدث هو ما يجعل تأثيرها على صحتك النفسية تأثيراً إيجابياً أو سلبياً. فيشير البعض في تعريف الصحة النفسية إلى أنها الحالة التي يستطيع فيها الفرد أن يعيش في سلام مع نفسه ومع الغير، وأن يحقق إمكانياته المختلفة إلى أقصى مداها، وأن يتكيف مع الصدمات وضغوط المحيط، ويستشعر في ذلك كله الرضى والسعادة. أما منظمة الصحة العالمية فتذهب في تعريفها إلى أن الشخص الذي يتمتع بصحة نفسية جيدة هو الشخص القادر على التكيف مع مختلف أوضاع الحياة المتميزة بالإحباط والسعادة، وبالأوقات الصعبة أو المشاكل المحتاجة للحل. وبالتالي فإن الشخص صاحب الصحة النفسية الجيدة هو شخص يحس بما يكفي من الثقة ليتكيف مع وضعية لا يملك أن يغيرها أو ليعمل على تغييرها إن أمكن. هذا الشخص يعيش متحررا من المخاوف والجراحات القديمة التي كان من الممكن أن تربك حاضره أو تؤدي إلى اضطراب رؤيته للعالم. التوازن والتوافق النفسي هو أساس الصحة النفسية؛ فهي لا تعني أن يعيش الإنسان سعيداً طول الوقت، فالمشاعر السلبية من حزن وقلق وخوف هي مشاعر ضرورية أيضاً لتحقيق التوازن النفسي، ومن المهم أن تعيش المشاعر في وقتها المناسب وأن تطلق العنان لحزنك حين تحتاج لأن تحزن. وإن لم تفعل ستكون عرضة لأزمات نفسية قد تهاجمك في أوقات لا تتوقع فيها أي مشاعر سلبية، ستقف تسأل نفسك كثيراً "لماذا أنا حزين؟" ولن تجد إجابة لسؤالك. ربما ستدرك لاحقاً أنها مشاعر لم تعطها حقها في الوقت المناسب، بل قمت بدفنها في نفسك حتى تحجّرت وصارت أكثر صلابة وأكثر صعوبة في العلاج أو التخلص منها.
الآن وقد تخلصتَ من عُقَد الماضي واستفدتَ من كل مراحل حياتك، أصبحتَ مستعداً للتخطيط لمرحلة جديدة. حان الوقت لتضع أهدافاً جديدة لتبدأ بالسير على طريق تحقيقها. أول خطوة لتحقيق الهدف هو اختياره وتحديده، فحين تحسن اختيار هدفك ستحمي نفسك من الوقوع في شباك الفشل والإحباط. تذكر دائماً أن حلمك لك وأنك وحدك من سيستهلك فيه طاقته ووقته، فلا تسمح لغيرك أياً كان أن يختار لك هدفاً، ولا تجعل اختياره مجرد مواكبة للسائد في المجتمع، قرر أن تكون مختلفاً وأن يعكس هدفك شخصيتك، وأن يكون نابعاً من شغفك واهتمامك. ومن المهم أن تكون واقعياً في اختياره؛ إذ ليس من المعقول أن تطمح للعيش في كوكب بلوتو مثلاً. فهذا النوع من الأهداف الخيالية سيهدر طاقتك النفسية ولن يمنحك سوى شعور الإحباط الذي قد يكون حاجزاً بينك وبين أهدافك الأخرى. لا تستهن بأهدافك الصغيرة ولا تقلل من قيمتها؛ فشعورك بتلك النجاحات الصغيرة هو حافز ضروري لك لتستمر في محاولة تحقيق أهدافك الكبرى.
الخطوة الثانية أن تؤمن بنفسك، ثم بهدفك. أخرِج كلمة مستحيل من قاموسك، من المهم أن يقتنع عقلك أن تحقيقه ممكن ليبدأ في العمل على ذلك. أغمض عينيك وتخيل أنك قد وصلت لذلك الهدف، ارسم صورة فيها تفاصيل تلك اللحظة، شعورك الذي سيكون حينها، الأشخاص الذين سيشاركونك فرحة الوصول. تلك الصور التي صنعها خيالك سيترجمها عقلك اللاواعي على أنها حقيقة؛ فاللاوعي لا يميز عادة بين الصور الذهنية والصور الحقيقية، مما سيجعله مقتنعاً بإمكانية تحقيق الهدف، وبدوره سيساعدك على مواصلة الطريق ويهيء لك سبل الوصول. ركز على هدفك وتجنب الاستماع لذلك الصوت في عقلك الذي يذكرك بالعقبات والعراقيل التي ستواجهك، كُفَّ عن البحث عن مبررات لعدم نجاحك، قرر أن تلتزم بذلك الطريق الذي رسمه عقلك لتحقيق هدفك رغم كل الظروف، تذكر دائماً النتائج التي سيعود بها ذلك الهدف عليك، تذكر كم سيكون جميلاً أن تصل إلى غايتك، ثم اضبط نفسك لتجد أن بإمكانك أن تتحكم أنت بالظروف لتظل سائراً على نفس الطريق إلى أن تصل في النهاية لما كنت تنتظره وما تعبتَ من أجله. وتذكر دائماً أن تُحب نفسك، أن تحب ما تفعل، أن تحب عالمك وظروفك المحيطة، فالحب هو السبيل لتحقيق المستحيل. ولنتذكر دائماً مقولة الأم تيريزا الحاصلة على جائزة نوبل للسلام: "في هذه الحياة لا يمكننا دائماً أن نصنع أشياء عظيمة، لكن يمكننا أن نصنع أشياءاً صغيرة بحُبٍ عظيم".