خاص الحدث
تعتبر زيارات أهالي الأسرى لذويهم من الحقوق التي استطاع الأسرى انتزاعها بعد جولات من الصراع مع إدارة السجون الإسرائيلية على مدار سنوات. وخلال العقود الماضية، عمل الصليب الأحمر الدولي على تنظيم زيارتين في الشهر للأسرى في سجون الاحتلال. وفي 1/6/2016 قرر الصليب الأحمر الاستمرار في تنظيم زيارة واحدة فقط ووقف الثانية باستثناء زيارات الأسرى الأطفال والمرضى والأسيرات، وعلى إثر ذلك قرر الأسرى القيام بخطوات احتجاجية وبدأوا بمراسلة السلطة الفلسطينية والفصائل حيث تم إرسال رسائل إلى كل من الأخ الرئيس أبو مازن والإخوة ماجد فرج و حسين الشيخ بوصفهم مسؤولي التنسيق الأمني للعمل على حل المشكلة واستئناف الزيارة الثانية. وعند تعثر الأمر لأسباب أخرى تتعلق بشروط الحياة داخل السجون قرر الأسرى وبالإجماع من كافة الفصائل خوض إضراب مفتوح عن الطعام حيث تم توقيع هذا الاتفاق في شهر أغسطس 2016 وتم تحديد يوم 17/4/2017 كموعد للبدء بهذا الإضراب. وبدأ إضراب الحرية والكرامة بعد عام من انتظار الحلول لمسألة الزيارة الثانية، ولكن هذا الانتظار كان دون جدوى بسبب تقاعس السلطة وعدم القيام بدورها على الرغم من وعودها بحل المشكلة. وقاد الإضراب المناضل والزعيم الوطني د. مروان البرغوثي وبمشاركة أكثر من ألف مناضل معظمهم من أبناء حركة فتح واستمر الإضراب 42 يوماً حتى تم انتزاع موافقة مصلحة السجون على استئناف الزيارة الثانية، على أن تقوم السلطة بترتيب هذا الأمر.
وكان الإضراب بمثابة ملحمة بطولية أسطورية غير مسبوقة في تاريخ الحركة الأسيرة، وتعرض الأسرى فيه لأبشع وأشرس الهجمات من قبل إدارة مصلحة السجون، وتمثلت هذه الهجمات بعمليات النقل والعزل والتعذيب والإهانة، في ظل الجوع ووهن الجسد. لكن الإرادة الحرة انتصرت على أدوات القمع. اليوم، وبعد أكثر من عامين ونصف على وقف الزيارة الثانية وعام ونصف على وقف الإضراب، لم تنجح السلطة وحكومتها وهيئاتها في تنظيم وترتيب المسائل المترتبة على الزيارة الثانية، علماً أن الأمر لا يحتاج منها سوى عقد اتفاق مع عدة حافلات إضافية لنقل أهالي الأسرى. ورغم الجهود المخلصة التي بذلها الأخ عيسى قراقع والأخ قدورة فارس والأستاذة فدوى البرغوثي لإتمام كل ما يتعلق بهذه القضية إلا أن شيئاً لم يتم، بسبب عجز قيادة السلطة والعبث الذي يتم في ملف الأسرى من البعض والذي يكشف عن التقصير الفاضح بحق قضية وطنية تحظى بإجماع الشعب الفلسطيني وتقديره، علماً أن الاسرى يتعرضون لأقسى الإجراءات العنصرية وأشرس الحملات من قبل الإعلام الإسرائيلي، بالإضافة للحرب القانونية التي تشنها عليهم حكومة الاحتلال من خلال استحداث القوانين الانتقامية، ليس آخرها قانون إعدام الأسرى.
إن المطلوب أساسا وأولا هو تحرير الأسرى ووضع حد للاعتقالات اليومية والتوقف عن تهميش وإهمال هذا الملف الوطني الذي لم يكن يوماً على طاولة صانع القرار الفلسطيني وهذا ما أثبتته تجربة ربع قرن تلت اتفاق أوسلو، حيث غاب الأسرى وكان عددهم 16 ألف عن نص أوسلو واستمر هذا الإهمال والتهميش حتى يومنا هذا، ولا زال الأسرى خارج المطروح على طاولة القرار وخارج أولويات القيادة الفلسطينية، والمفارقة العجيبة أن كل هذا يتم في ظل تنسيق أمني وتعاون بين السلطة ودولة الاحتلال.
إن على السلطة ومؤسساتها وبخاصة هيئة الشؤون المدنية و هيئة شؤون الأسرى و وزارة المالية التسريع في إنجاز ما تم الاتفاق عليه بخصوص الزيارة الثانية للأسرى، حتى لا يضطر الأسرى إلى الذهاب باتجاه خطوات احتجاجية، علماً أن التكلفة المترتبة على السلطة بسبب هذه الزيارة، أقل من قيمة التكاليف المترتبة على السلطة بسبب سيارة مسؤول أو إقامته في فندق خمس نجوم. مع الإشارة إلى أن المتضررين بشكل كبير من حرمان الزيارة الثانية هم الأسرى المحتجزون في سجون العزل الجماعي مثل سجن مجدو وجلبوع وهداريم.
إن ما يجرى من تقصير في ترتيب هذه الزيارة قبل إضراب الحرية والكرامة وبعده يكشف عن غياب كامل لقضية الأسرى عن أولويات القيادة الفلسطينية وسلطتها، وليس مصادفة أن كل هذا التهميش يأتي بالتزامن مع حل نادي الأسير والحملة التي تستهدفه باعتباره مؤسسة وطنية فتحاوية وريادية وإقالة الأخ عيسى قراقع وزير الأسرى الذي كرس ربع قرن من حياته في خدمة الأسرى وحمل هذا الملف بجدارة، وهذا لا ينفصل عن الدعوات الإسرائيلية التي تستهدف الأسرى من أجل التضييق عليهم ومحاصرة عمل المؤسسات المساندة لهم، والتي عملت لسنوات في خدمتهم، ويبدو أن البعض لم يخجل من نفسه وفشله في الإفراج عن الأسرى من خلال المفاوضات العبثية التي استمرت لـ 15 عاما، بل وبدأ يتهرب من مسؤولياته تجاه الأسرى الذين يقضي بعضهم عامه التاسع والثلاثين في السجن، مثل نائل البرغوثي و كريم يونس و جمعة آدم و محمود وناصر أبو سرور و محمد داود وغيرهم.
إن الاسرى لن يتسامحوا أو يغفروا لمن يضع العصا في دواليب استئناف الزيارة الثانية التي تسمح لهم برؤية ذويهم لأقل من 45 دقيقة، حتى إن كثيرا منهم يظل على أعصابه من أن تكون زيارة والدته العجوز أو والده هي آخر زيارة لهم وآخر لقاء عبر الحاجز الزجاجي. إن لعنة الأمهات والآباء والزوجات والأبناء لن ترحم تلك الجهات التي تجاهلت وقصرت في قضية الأسرى الوطنية والإنسانية بامتياز.
الكابتن الطيار/ أسير الحرب
المحكوم بالسجن المؤبد