الحدث- محمد غفري
نظم الاتحاد العام للأدباء والكتاب الفلسطينيين بالشراكة مع مكتبة بلدية البيرة، يوم أمس الثلاثاء، في مسرح بلدية البيرة، أمسية ثقافية تكريماً للروائي وليد الشرفا لبلوغ روايته «وارث الشواهد» الصادرة عن الدار الأهلية 2017، والتي وصلت القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية في العام 2018. وقد قدَّم عضو الأمانة العامة للاتحاد الروائي عصمت منصور الأمسية التي تحدث فيها الشاعر والناقد عبد الرحيم الشيخ، إلى جانب الروائي والإعلامي وليد الشرفا.
وقد استعرض الشيخ، في قراءة نقدية جديدة، المصادر المرجعية المؤسسة التي لا بد من استحضارها كإحداثيات للقراءة النقدية للرواية التي اتخذت من قرية عين حوض المطهرة عرقياً موضوعاً لها. وقد عزا الشيخ أهمية الرواية لا للجائزة، بل لأنها منحتنا، نحن الفلسطينيين، مناسبة مفتوحة للحديث عن فلسطين بلا تلعثم.
وتناول الشيخ ثقافة الجائزة في ظل غياب جائزة الثقافة الفعلية، وأوضح معايير قياس استحقاق الروايات لتلك الجوائز: "شتان بين الثقافتين، ولا شك أن سياسات منح الجوائز والترشح لها موضوع شائك ومربك، ولكن الجائزة الحقة لأي رواية تكون في اتساع مقروئيتها، وتحولها إلى أشكال فنية أخرى جراء ما حملته من قضايا". وقد رأى الشيخ أن بلوغ «وارث الشواهد» القائمة القصيرة رفع من قيمة الجائزة، أكثر مما رفع من قيمة الرواية.
أما الجزء الأكبر من مداخلة الشيخ، فقد تركَّزت حول المصادر المرجعية للرواية، وأهمها: مقالة حول قرية عين حوض المطهرة عرقياً في كتاب "يوميات الحزن العادي" للشاعر محمود درويش الصادر عام 1973، إذ أورد في الشذرة الرابعة من المقالة الثانية توصيفًا لحزن عين حوض غير العادي، وهي القرية التي تجري فيها أحداث الرواية، إذ أصبحت "قرية الفنانين" لا تدل عليها إلا لافتة عبرية، تقرأ مترجمة "هنا عين هود". والتي نقد فيها صهيونية الصهيوني، ودافع عن حنين الفلسطيني إلى أوّله، الحنين الذي لن يكون مرة "صهيونية عربية".
وأما المصدر المؤسس الثاني، فهو كتاب الأكاديمي شريف كناعنة، الذي كان فاتحة الجهود الأكاديمية عن قرية عين حوض، والذي كان فاتحة سلسلة «القرى الفلسطينية المدمرة»، الصادر عن مركز الوثائق والأبحاث في جامعة بيرزيت في العام 1987، والذي اعتمد على شهادات مجموعة من أبناء القرية لكتابة تاريخها الأصلاني وفي وجه الرواية الصهيونية التي أرخت لنشوء قرية استعمارية في بيوت الفلسطينيين مرة باسم «عين هود»، وثانية باسم «كفار أومنيم» (قرية الفنانين)، وثالثة باسم «نير (مرج) عتصيون» .
ثم تحدَّث الشيخ عن المصادر الأكاديمية الأخرى، التي استفادت من جهد كناعنة، ابتداء من وليد الخالدي في كتابه «كي لا ننسى: قرى فلسطين التي دمرتها إسرائيل سنة 1948 وأسماء شهدائها»، وقد صدر بالإنجليزية وتمت ترجمته من قبل مؤسسة الدراسات الفلسطينية عام 1997. وتبعته محاولة سوزان سلاموفتش في كتابها «مادة (موضوع) الذاكرة: عرب ويهود يروون قصة القرية الفلسطينية» في العام 1998، مشيراً إلى الشهرة والإشكالية التي اكتنفت هذا الكتاب جراء «تورطه» بما يعرف بالتاريخ العلائقي الذي يبدو وكأنه يعطي رواية المستعمِر شرعية بمقدار رواية المستعمَر. وما تبع هذين الجهدين من محاولات أخرى على يدي ميرون بنفنستي، ونوغا كيدمان، وغيرهما... ولكن مع تركيز خاص على فيلم راحيل لئلا جونسون (500 دونم على سطح القمر) في العام 2002.
وقد انتقد الشيخ بشدة الانبهار الفلسطيني بالمؤرخين الإسرائيليين، صهاينة متطرفين أو معتدلين أو متصهينين غير يهود، وانتقد أشكال التضامن التي يبدونها، مقترحاً نموذجاً نظرياً لثلاثة أنواع من التضامن: الأسود-أميلكار كابرال، والأبيض-ألبير كامو، والرمادي-حنة آرنت، وأن النموذج الأول هو النموذج الجدير بالاحترام والقبول. كما أشاد برواية «وارث الشواهد» لتمكنها من استثمار هذا الإرث الهائل حول قرية عين حوض، وإنتاج حكاية مغايرة وندية للحكاية الصهيونية، وأنها شكلت محاججة رصينة في ضرورة حرمان المستعمر في اختيار الشهود، ذلك أنه إذا كان للمستعمر أن يختار الضحايا فلا يحق له أن يختار الشهود (كما تنص الرواية حرفياً). كما دعا الشيخ إلى ضرورة تأسيس دائرة لترجمة الأدب الفلسطيني في الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين، وخاصة لمن لا تمكنهم سياسات النشر والترجمة من بلوغ العالمية.
تعقيباً على قراءة عبد الرحيم الشيخ، اتفق كاتب رواية وارث الشواهد وليد الشرفا في المصادر باستثناء فيلم راحيل جونسون "500 دونم على سطح القمر". وفي سياق الحديث عن الترجمة، أكد الشرفا، أنه اتخذ قراراً بعدم الترجمة، وذلك بعد تجربتين له، الأولى في أبو ظبي حيث تم رفض ترجمة الرواية لأنها «تنفي حق إسرائيل في الوجود» كما زعمت إحدى وكالات دور النشر بالإنجليزية، وعرض عليه آنذاك ترجمة أجزاء أو صور من الرواية، أما التجربة الثانية فكانت محلية، عندما عرض عليه تعديل بعض المفاهيم للترجمة، ورفض ذلك. وأكد الشرفا، أن أي تعديل في المفاهيم هو خيانة مضاعفة، لأنها صور ونص مقدس يصعب التلاعب بها، ولن يتنازل عن أي نص، وبالتالي "بلاش الترجمة". كما تحدث الشرفا عن الخيارات الفنية للرواية، وقصديتها في نقد الرواية الدينية الصهيونية، وإعطاء الصوت الأعلى للشرعية والانتماء الفلسطيني للمكان الذي لا ينهار بانهيار المقولات الدينية الملفقة، مؤكداً أنه ينحاز لمقولة «إن شرعية الوجود في المكان الفلسطيني ثلاثة آلاف عام، هي أعلى من شرعية الغياب عنه، وإن صدقت»!
في نهاية اللقاء، كرم الروائي نافذ الرفاعي، الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب الفلسطينيين، الروائي وليد الشرفا، مؤكداً بدء الاتحاد بخطوات عملية لإنجاز ترجمات من الثقافة الفلسطينية.