الحدث - إبراهيم أبو صفية
" صُمود في زمَن الخنوع، وَ ثبَات فِي وقت المِحَن .. آل البرغوثي عُمَر"، ترددت هذه الكلمات على مسامعنا كثيرًا، ويتردد أكثر أنهم سليل نسل جالوت الفلسطيني، وسلاحهم يصوب البوصلة في كل مرة يعتلي فيها صوت التناقض، كأنهم طفرة في "زمن الصقيع".
مع ساعات الليل الأولى من يوم الأربعاء الموافق 12/12/2018، تسللت قوة خاصة " إسرائيلية" إلى منطقة سردا، وكانت ترصد تحركات سيارة يقودها رجل بملامح شقراء، في بداية الثلاثينيات من عمره، طاردهم يومًا وأصاب 9 مستوطنين، أطلقت الوحدة " الإسرائيلية " النار على السيارة وأوقفتها، وقامت باقتياد الشاب إلى مركز التحقيق، ليعلن جيش الاحتلال في ما بعد عن استشهاد منفذ عملية " عوفرا " " الشهيد " صالح البرغوثي.
" الشهيد " البرغوثي، ابن عائلة أمضت في سجون الاحتلال أربعة عقود في اعتقالات "إسرائيلية" مفتوحة لجميع أبنائها، فوالده أمضى ربع قرن، وعمه نائل البرغوثي قضى حوالي 40 عاما في الأسر، وأبناء عمومة والده جاسر وفخري تحررا في صفقة وفاء الأحرار بعد ثلاثة عقود من أسرهم.
وشن الاحتلال حملة جديدة طالت ما يقارب 30 أسيرًا جديدًا من العائلة، عقب " استشهاد " صالح و طالت والده عمر البرغوثي وشقيقه الكبير عاصف، وطارد شقيقه عاصم البرغوثي وتمكن مؤخرًا من اعتقاله، ويتهمه الاحتلال بأنه صاحب عملية الرد السريع على استشهاد شقيقه صالح والشهيد أشرف نعالوة والتي قتل فيها اثنين من جنود الاحتلال.
قال أحد النشطاء من القرية للحدث إن "عمر الاحتلال سيكون أقصر من حياة آل البرغوثي عمر، فعمر الثوريين طويل"، فإن للاسم جذورًا تاريخية ورمزية ثورية، حتى أصبح آل البرغوثي وخصوصًا في قرية كوبر يطلقون على أبنائهم " عمر"، فالرواية التاريخية تقول بأن عائلة البرغوثي تعود أصولها للصحابي عمر ابن الخطاب، وأما الرمزية الثورية في التاريخ الحديث فتعود لمشاركة عمر البرغوثي ( أبو عاصف) ـ والد "الشهيد" صالح البرغوثي ـ منذ السبعينيات في الثورة الفلسطينية في لبنان، وكذلك نقل تجربته إلى أهله وأقاربه.
وبينت أستاذة الإعلام في جامعة بيرزيت وداد البرغوثي، للحدث، أن الاحتلال ينتقم الآن من الذين أسمائهم عمر، مشيرة إلى أن غالبية المعتقلين الحاليين في سجون الاحتلال من عائلة البرغوثي وبلدة كوبر إما أسمائهم عمر أو في رباعية الاسم تجده.
وقالت الدكتورة وداد البرغوثي إنه وفي أواخر السبعينيات كانت هناك مجموعة مشكلة من عمر البرغوثي " أبو عاصف " وشقيقه الأسير نائل البرغوثي، وأبناء عمومتهم فخري البرغوثي، وجاسر البرغوثي، وأن هذه المجموعة قامت بقتل سائق باص" إسرائيلي"، وتبين أنه ضابط في جيش الاحتلال خدم في سيناء، مشيرة إلى أن المجموعة طُوردت، حتى تمكن جيش الاحتلال من اعتقالهم في بيت قديم في بلدة كوبر، وحكم عليهم بالمؤبدات.
وأضافت بأن " أبو عاصف " الأسير عمر البرغوثي أُفرج عنه في صفقة بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال عام 1985، بينما أُفرج عن الباقي في صفقة وفاء الأحرار عام 2011، وأُبعد جاسر الى قطاع غزة، بينما فخري ونائل عادا إلى بيتهم بالضفة الغربية، إلا أن قوات الاحتلال أعادت اعتقال نائل عام 2014 وأعادت له حكم المؤبد. مشيرة إلى أن كل واحد فيهم أمضى في سجون الاحتلال ربع قرن وأكثر، فالأسير نائل البرغوثي عميد الأسرى الفلسطينيين قد دخل في عامه ال 38.
وبينت أنه وقبل حادثة الاعتقال الأولى للشقيقين نائل وعمر، حيث كانا أطفالا، اقتحمت قوات الاحتلال القرية وطالبت الأهالي الخروج من منازلهم ورفع الرايات البيضاء، وما كان من الشقيقين إلا أن اعتليا منزل بيتهما متحضرين لضرب الحجارة على قوات الاحتلال رافضين الاستسلام.
وأشارت إلى أن والدة عمر ونائل البرغوثي، قادت اعتصامات " الصليب " الأسبوعية منذ اعتقالهما في أواخر السبعينيات، وتذكر الدكتورة البرغوثي قصة حول الموضوع، وتقول: "في أحد الأيام تغيبت والدة عمر ونائل عن أحد الاعتصامات، فامتنعت أمهات الأسرى وزوجاتهم عن بدء فعالية الاعتصام إلا بوجودها، فقاموا بإرسال " تاكسي " لإحضارها.
وأشار الكاتب الفلسطيني وليد الهودلي في إحدى كتاباته أن مجموع سنوات الأسر لعائلة البرغوثي وصلت إلى 90 عاماً، فعميد الأسرى الفلسطينيين الأسير نائل البرغوثي الذي مازال قابعاً في السجن أمضى 37 عاماً في سجون الاحتلال، وشقيقه عمر البرغوثي أمضى 28 عاماً، وزوجة الأسير نائل البرغوثي، المحررة إيمان نافع أمضت 11 عاماً في الأسر".
عشيرة البرغوثي ذرية ثورية بعضها من بعض
إلا أن نضال عشيرة البرغوثي التي تتواجد بمناطق مختلفة في الضفة الغربية، شكلت نموذجًا ثوريًا مع بدء الثورة الفلسطينية الحديثة إذ انخرطت في الثورة منذ انطلاقتها، فارتقى الشهيد ربحي عصفور البرغوثي في أول عملية مواجهة نفذتها الجبهة الشعبية، مع الاحتلال في جنوب لبنان عام 1970، وكذلك الشهيد عبد الكريم رباح البرغوثي الذي يعد من أوائل شهداء الثورة الفلسطينية كما بينت د. وداد البرغوثي.
وأضافت أن هناك العديد من الشهداء من عائلة البرغوثي الذين التحقوا بالثورة الفلسطينية في الأردن مثل الشهيد سعد البرغوثي الذي ارتقى في معركة الكرامة 1968، مشيرة إلى أن والدها عادل البرغوثي اعتقل في سجون النظام الأردني على خلفية اتهامه بالتخطيط للانقلاب على النظام. وأردفت أن نضال العائلة لم يتوقف، وتحدثت عن زوجها عبد الكريم البرغوثي الذي طورد في بداية الانتفاضة الأولى واعتقل في 1991، وأعيد اعتقاله عدة مرات.
واستشهد خلال الانتفاضة الأولى من عائلة البرغوثي الشهيد علي عبد اللطيف البرغوثي من دير غسانة، و الشهيد أحمد مصطفى البرغوثي من عابود، ومحمود منير البرغوثي من بيت ريما.
وفي الانتفاضة الثانية، كانت بصمة استثنائية لعائلة البرغوثي، بدءا من اعتقال الأسير مروان البرغوثي 2002، حيث حمله الاحتلال مسؤولية العمليات التي نفذتها كتائب شهداء الأقصى الجناح العسكري لحركة فتح، وأصدرت بالحكم عليه 5 مؤبدات و40 سنة، إلى اعتقال القسامي عبد الله غالب البرغوثي قائد كتائب الشهيد عز الدين القسام في الضفة الغربية عام 2003، واتهمه الاحتلال بتنفيذ وبتنسيق عمليات أدت لمقتل 67 جندي " إسرائيلي " وجرح أكثر من 400 آخرين.
ويعد الأسير عبد الله البرغوثي صاحب أعلى حكم في العالم، حيث حكمت محكمة الاحتلال عليه بالسجن المؤبد 67 مرة.
روايات حول نسب العائلة وجذورها!
تعود جذور وأصول عائلة البرغوثي حسب الروايات التي نقلتها د. وداد البرغوثي إلى قرية برغثة في تونس، وجاءوا لفلسطين في حملات صلاح الدين وغيرها، أما الرواية الأخرى تقول إن جذور العائلة تعود للعهد اليوناني عندما احتلوا فلسطين قبل الميلاد، لافتة إلى أن البراغثة سكنوا في قرية دير غسانة ومن ثم بدأوا بالتوزع على القرى المجاورة.
ويبين المؤرِّخ الفلسطيني مصطفى مراد الدبَّـاغ في كتابه الموسوعة " بلادنا فلسطين" الجزء الثامن ص266، أن اسم عائلة البرغوثي / البراغثة جاء من إسم الجد المؤسـس ( برغوث) و الذي تعود جذوره إلى عشيرة بني زيد وهي بطن من بطون قبيلة بني حرام من جذام القحطانية، وقد ارتحل برغوث إلى دير غسَّـانه الواقعة إلى الشمال الغربي من مدينة رام الله في فلسطين. ويشير الدباغ أن الناس يعتبرون زعامة ومشيخة بني زيد في آل البرغوثي.
ويذكر الكاتب عمر الصالح البرغوثي في مذكراته في كتاب المراحل أن البراغثة يعودون بنسبهم إلى الصحابي عمر بن الخطاب، وأنهم ارتحلوا من الحجاز إلى مصر، ثمَّ ارتحلوا إلى تونس ثمَّ توجهوا إلى فلسطين استجابة لنفير الجهاد الذي أطلقه صلاح الدين الأيوبي لتحرير فلسطين. ثم سكنوا القدس وتولوا حراسة أحد أبواب القدس ( باب الحديد)، ومن ثم انتقلوا إلى دير غسانة، وتوزعوا إلى قرى ( بيت ريما - كوبر - عبوين - عابود ) .
وعند الحديث عن آل البرغوثي لا يمكن المرور بوصية الشاعر مريد البرغوثي لعشيرته دون ذكرها:
" إذا كانت الأمّ هنا، فالعائلة كلّها هناك، شرقاً أو غرباً. ابتسمي للصورة أيّتها العائلة، إنّنا نلتقطها قبل أن يعاد توزيعك على الجغرافيا أو يعاد تعريفك بإرادة سياسية".