بقلم: تحرير بني صخر
في أحد مقاهي رام الله يقابلك ضباب دخاني كثيف يمنعك من إيجاد أصدقائك لتجلس وتتسامر معهم، هي عادة مللتها مع الوقت، لكن لا بديل عنها إنها المتنفس من اللاشيء في القاع!.
الآن أنت تقف عند الباب محدقا بما حولك وداخلك حرب أبت أن تنطفئ، وكأنك النار لكل ذاك الدخان، في غمرة حربك مع نفسك، حالك كالآتي أنت تختنق تكاد تصرخ إلا أن أمامك خياران إما أن تهرب أو تكمل لتطلب الأرجيلة أو كوب القهوة والخيار الثاني سيفوز، تمعن بنظرك باحثا عن اصدقائك لتجد إشارة من بعيد، تتسع عيناك أكثر فأكثر.. إنهم هم وليسوا سرابا، تجلس على مقعدك لتأتي أرجيلتك "تفاحيتن" كالمعتاد، وقبل بدأ لعبة الطرنيب عليك أن تتفقد بقية الرواد فإن فقد أحدهم فهناك مصيبة إما مريض أو اعتقل!
بالعادة تضج المقاهي في رام الله بجموع تنقسم ما بين الأجانب والفلسطينيين، لعب ورق "شدة" وضحك وربما شكوى ووجع، وفي الزاوية هناك أحدهم اختار أن يقرأ لـ "غيوم ميسو" مسكتا كل ما حوله ولا بد من أنه ساحر امتلك زر إيقاف الوقت عنده أما ما حوله فهم غير موجودين.
ذات الجموع سنفصلها الآن، مثلا إن اجتمع الفلسطينيون دون دخيل؛ فإن الحزن والكآبة سيرتسمان على بعضهم أو كلهم، ليس لكونه خيارهم، لكن ماذا يفعل شاب يحصل على راتب لا يتجاوز 2000 شيقل وربما أقل، هل يعقل أن يفتح به بيت أو أن يرتبط بإحداهن!، أضف إلى ذلك كومة من الالتزامات المتراكمة عليه لعائلته أو إيجار سكنه، لا.. هو سيهاجر وسيكتفي بوجعه لنفسه، مع العلم أن أكثر من ثُلث الشباب في غزة يرغبون بالهجرة إلى الخارج ونسبة تقدر 17% كانت من نصيب الضفة، وحقيقة أن حال الفتاة كحال الشاب في فلسطين، فربما تتقاضى الفتاة الراتب نفسه أو أقل بالتزامات ينكرها مجتمعها الذكوري ليشار لها بكافة أصابع الاتهام "مسرفة" وكالعادة المكياج والملابس السبب، ذلك على الرغم من حصتها من الالتزامات لعائلتها أو سكنها شأن الشاب.
وأيضا ذاتهم من يعملون بمبلغ 2000 أو أقل معظمهم خريجو جامعات، لكن بعضهم لا يعمل في مجال تخصصه الجامعي أو تجده عامل بناء، ولن ننسى أن نسبة البطالة في فلسطين عالية أيضا، فبحسب مركز الاحصاء الفلسطيني أن البطالة قفزت إلى 30.2% خلال الربع الأول من عام 2018م.
اذا الحال يقول: بطالة عالية، أفق محدود، حالة يأس، مواهب مكبوتة" لكنك للأسف حين يقرأ أحدهم ما كتب هنا سيهاجم بالرفض، مثلا سيقول: "ما يدفعه داخل المقهى كفيل بتحسين حاله"، لكن السؤال هنا، هل خلقت للتعب فقط أليس لجسمك حق عليك... أيعقل أن لا تستمتع ولو ليوم واحد؟
لكن هل رواد المقاهي مستمتعون؟
البيت، المقهى وأي شيء يصبح روتينا قاتلا مع الوقت خاصة وأن لا متنفس لنا، لا بحر نشتم، ولا شيء خارق نفعله، بالطبع لن ننكر دور الاحتلال الرئيسي في ذلك وهنا لا أضع الشماعة كما سأُتهم من البعض، فغياب أي مكان للترفيه أو تفريغ الطاقات بشكل إيحابي جعلتنا كالمومياء أو الزومبي! فخياراتنا محدودة من العمل إلى البيت أو من العمل للمقاهي، لكن لحظة يوجد لدينا سينما للمشاهدة لكنها مكلفة، وأيضا توجد حدائق عامة بمبلغ مالي قليل لكنها باهتة لاشيء فيها يشعل الشغف إليها!
الجمع الثاني، أجانب يتسامرون مع الفلسطينيين، أحدهم يحدثهم عن القضية الفلسطينية، ومسيرة العودة والاقتحامات الأخيرة لرام الله والبيرة واسم رزان النجار يتردد، هو يناضل بطريقته، آخر يستمع ويبتسم فالحسناء تحدثه عن كندا، تستمر في حديثها هو يعتدل في جلسته سارحا، بضع ثوان ليختنق وجهه لكن يد الحسناء ذهبت يمنى ويسرا ليستعيد وعيه، هو وصل كندا حالما وعاد للواقع مشلولا.
هو أسير سابق اعتقله الاحتلال ومنع من السفر لبقية حياته! أنسميه محدود الحركة أو "معاق" يتحرك بإطار مرسوم إن تجاوزه بات شهيدا وربما أسيرا للمرة الثانية أو الثالثة.