الأربعاء  27 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

العرب وسوريا والولايات المتحدة بداية عصر جديد؟ ناجح شاهين

2019-01-12 04:25:41 PM
العرب وسوريا والولايات المتحدة
بداية عصر جديد؟
ناجح شاهين
ناجح شاهين

نتذكر الظاهرة الشيخ إمام/أحمد فؤاد نجم: "هتش ونتش بعلو الصوت، عن أمريكا وهول أمريكا.

زعموا الفانتوم شايل موت، سقط الموت بعلم أمريكا.

جتكوا فضيحة يا طبعة سطيحة وعاملة فصيحة وجايبة العار.

كتبنجية وفصحنجية وسمسرجية وسمسار دار."

الأعداء الأهم للولايات المتحدة هم دون مواربة ومثلما تحددهم النخب الأمريكية السياسية والفكرية على السواء هم على الترتيب: روسياً، والصين، وكوريا الشمالية، وفنزويلا، وإيران، وسوريا. وفي الدرجة الثانية يأتي أعداء من قبيل لبنان، وكوبا، واليمن. أما في الدرجة الثالثة فيأتي أعداء من قبيل بوليفيا ونيكاراغوا. لا بد من ردع روسيا والصين وكوريا، لكن لا بد من إعادة تشكيل "الشرق الأوسط" الذي تنتمي له ايران وسوريا ولبنان واليمن وفلسطين.

في هذا السياق يبدو أن الولايات المتحدة تعرف ما تريد حتى وهي تحت حكم رئيس "مضطرب، مهووس" اسمه دونالد ترامب. المطلوب حالياً تقسيم "الشرق الأوسط" وتوسيع "إسرائيل". ويلزم لذلك إشاعة المزيد من الاضطراب، وقد راهن ترامب على ان قرار نقل السفارة سيسهم في تحريك الأوضاع واثارة البلبلة. بهذا المعنى لا يجوز أن نتوقع أن تتضايق أمريكا من الحراك في المنطقة، إنه شكل آخر من الفوضى الخلاقة التي ستزعزع المنطقة، وتفتح الباب على مصراعيه أمام الأقوياء الأمريكان والإسرائيليين وأتباعهم ليعيدوا بناء الواقع وتشكيله.

بالطبع قد يظن بعض أنصار الديمقراطية أن هذا غريب بالنظر إلى حب الولايات المتحدة للاستقرار. للأسف الولايات المتحدة منذ دخلت النظام العالمي بوضوح بعد الحرب الكبرى الثانية كانت التجسيد الحي للدولة التي تختلق النزاعات، وهي مسؤولة عن الحرب التي تقع على نحو مستمر هنا أو هناك. ويقدر أنها مسؤولة عن مقتل ما يزيد على خمسة وعشرين مليون انسان منذ الحرب العالمية الثانية. ترامب ليس "مارقا" في السياسة الأمريكية من ناحية جوهرية. إنه ابن المؤسسة دون شك.

تمتلك الولايات المتحدة قوة هائلة لا مثيل لها في التاريخ. وقد رفع ترامب الميزانية العسكرية لتصل إلى ما يزيد على 700 مليار. وتمتلك القوة العسكرية الأمريكية 8000 من الرؤوس النووية، وما يقرب من 14000 طائرة مقاتلة، و1000 طائرة عمودية، و72 غواصة إضافة إلى 800 قاعدة عسكرية منتشرة حول العالم. ولدى أمريكا مليون جندي في الخدمة إضافة إلى المرتزقة الذين لا عد لهم ولا حصر.

باختصار، النقاط التالية تمثل استراتيجة ترامب التي لا يمل من تكرراها :

1. حماية أمن الولايات المتحدة وحدودها.

2. حماية ازدهار الولايات المتحدة.

3. حماية "السلام" عن طريق القوة الفائقة على نحو ساحق.

4. زيادة تأثير الولايات المتحدة في العالم، وهو ما يتطلب زيادة قوتها.

5. خلافاً للمألوف –الظاهري بالطبع- حول خطر كوريا الشمالية وإيران تبرز روسيا والصين بوصفهما العدو الاخطر للقيم والمصالح الأمريكية. ولا بد بالطبع من مواجههتمها في الساحات المختلفة، وخصوصاً في شرق أوروبا، أوكرانيا..الخ وفي شرق آسيا في ميدان كوريا الشمالية وبورما..الخ وأخيراً وعلى نحو حاسم في منطقة "الشرق الأوسط" التي اندفع فيها ترامب على نحو يتفوق على سابقيه جميعاً.

نتوهم أن الوحش الأمريكي لم يكن أضعف مما هو اليوم. وتتعرض هيمنته إلى التحدي "الواقعي" جدياً لأول مرة منذ الحرب الكبرى الثانية، لذلك يمكن أن يفعل أي شيء في سبيل الدفاع عن تفرده بالهيمنة. لكن ذلك لا يعني استطاعته تحقيق كل ما يحلم به، فقد رفضت الامبراطوية البريطانية الآفلة الاعتراف بخسارتها للهيمنة، وشنت عدوانها على مصر سنة 1956، ولكن الولايات المتحدة، والاتحاد السوفييتي أوضحوا لها على نحو حاسم أن زمن مغامراتها العسكرية الكونية قد ولى إلى غير رجعة.

لا يمكن تجنب التفكير فيما يحدث في سوريا. ولا يمكن تخيل أنه يتم بمنأى عن الواقع الذي تردت إليه السياسة الأمريكية. لوهلة، ليس في باب أحلام اليقظة، نتخيل أن زمناً جديداً يشق طريقه إلى الوجود.

خسرت الولايات المتحدة حربها في سوريا. حاولت على امتداد سنوات أن تدمر الدولة السورية وصولاً إلى تفكيكها التام، وتوليد مجموعة دويلات في خدمة "مختار" العالم وحاشيته. لكن الرياح لم تجر أبداً مثلما تشتهي السفن الأمريكية.

كانت ليبيا قصة نجاح كاملة. أنظروا إلى الوضع "الرائع" من كل الزوايا الذي يسود ليبيا حتى اللحظة، والذي يمثل فرصة كاملة للمشاريع الأمريكية والأوروبية السياسية والاقتصادية والعسكرية جميعاً.

سوريا قصة أخرى وقف فيها الدب الروسي ليصارع بقوته كلها دفاعاً عن نفسه بعد مأساة ليبيا، وبعد السياسة "الوقحة" التي وصلت إلى داخل حدوده في القرم وما وجاورها. وهي سياسة تمت في عهد الرئيس الأكثر "لطفاً" في تاريخ الولايات المتحدة، ونعني به بالطبع باراك أوباما.

دفعت الولايات المتحدة بطاقات وإمكانيات هائلة في معركة سوريا، وتم توظيف قدرات الجيران جميعاً: تركيا، لبنان، الأردن، وإسرائيل. وقدمت قطر الدعم بكل حب وسخاء. لكن المشروع تعثر، وها هو اليوم يصاب بالفشل الذي قد يكون تاماً.

صمد الجيش السوري بعد انشقاق بضعة آلاف تحت إغراء المال القطري والوهم والإشاعات السياسية عن مركب النظام الذي يغرق والذي يستلزم ان يقفز الأذكياء منه قبل فوات الأوان. وتقدمت إيران وحزب الله إلى الميدان مباشرة لمواجهة التدخل المباشر لتركيا والآردن واسرائيل وسيل المجاهدين القادمين من أرياح الدنيا السبع.

بالطبع روسيا والصين قدما الحماية بالفيتو في نطاق الأمم المتحدة، وروسيامنفردة قدمت ما هو أثمن من ذلك: الغطاء الجوي، وردع الولايات المتحدة عن القيام بأية مغامرة عسكرية واسعة ضد سوريا.

كشف التدخل الروسي الواسع حدود القوة الأمريكية المتدهورة بوضوح لأول مرة منذ صعود أمريكا الكامل بعد الحرب العالمية الثانية.

ولا بد أن العملاق الأمريكي الضخم يتعثر في مواجهة الصين، وقد انكشف عجزه أيضاً عن فعل شيءذي بال ضد كوريا الشمالية التي فرضت نفسها نهائياً قوة نووية وهيدروجينية. وقد رفضت الصين على الرغم من الدماثة السياسية الصينية المشهورة، وبعض المجاملات، رفضت بحزم عزل كوريا أو حرمانها من الوقود أو الغذاء أو المواد الضرورية. ولذلك غضب البيت الأبيض من الصين وهدد بمعاقبتها. لكن هيهات، إنه زمن العملاق الصيني اقتصادياً مثلما هو زمن روسيا عسكرياً.

في هذا السياق ظلت كردستان شوكة في حلق إيران، وسوريا، وروسيا، وحتى الحليف الأطلسي تركيا بوصفها موقعاً متقدماً للتآمر والعمل الآسرائيلي/الأمريكي ضد هؤلاء جميعاً. كانت كردستان ستغدو فيما لو نجحت "قصتها" إسرائيل أخرى في موقع أهم في هذه اللحظة من موقع فلسطين ذاتها.

لكن "الحلم" الكردستاني يتبخر، فالولايات المتحدة تنحدر على ما يبدو بالفعل. وقد تخلت عن أصدقاء خدموها "برمش العين" مثل قطر وتركيا. وهذا قد يقود إلى تحالف تركيا ذاتها مع روسيا وايران من أجل لجم المشروع الأمريكي الكردي خصوصاً أن تركيا لا تواجه رعباً سياسياً في هذا العصر أكبر من رعب الدولة الكردية.

ليس الزمن زمن أمريكا على الرغم من أن الكثير من العرب للأسف لا يدرك ذلك: في هذا الباب يبدو إيمان محميات الخليج والسعودية، ومصر والسلطة الفلسطينة والأردن...الخ بأن أمريكا ما تزال سيدة الدنيا، أحسن تعزية للعملاق اليانكي المترنح. صدق امام/نجم: إنه مجرد "هتش ونتش عن أمريكا وهول أمريكا." ويعرف الناس في دوائر صنع السياسة الأمريكية أن زمن رعب أمريكا قد ولى. نحن لا نعيش أيام التسعينيات الجميلة عندما تم تقسيم يوغسلافيا وحشد العالم كله وسوقه بالعصا ليحارب طواحين الهواء العراقية وصولاً إلى احتلال العراق في العام 2003 وتوليد الحالة الكردية التي يتم استخدامها في هذه اللحظة، لكن دون جدوى مثلما نتوقع. لكن على الرغم من ترنح القوة الأمريكية البادي للعيان، هل سيكون العرب والفلسطينيون الخاسر الأكبر في المنازلة الحالية؟ أم سيكون بمقدورهم الاستفادة من هذا المفترق التاريخي الكوني لأخذ موقع آخر لهم "تحت الشمس"؟ بالطبع نعرف ونحن نسأل هذا السؤال أن قسماً مهما من العرب هو جزء لا يتجزأ من معسكر ترامب المقاتل بالمال والرجال والسلاح، وذلك ما يفت في عضد الواقع العربي والفلسطيني على السواء، فكأن بناة "المشروع العربي" يواجهون تحدياً ضخماً جداً يتمثل في ضرورة إزاحة الأنظمة التي تتبرع بكل فيتامينات الدنيا للوحش الأمريكي المتآكل، وهو ما تفعله على حساب الأمة العربية من ناحية، وشعوب تلك الدول التي تتبدد ثرواتها التي جاءت بها الريح لتأخذها الزوابع.