الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

"النِّظام السِّياسي الإسرائيلي والانتخابات.. الأساطير المُؤَسِّسَة.. ومفهوم تغطِيَة مُؤخَّرَة الجيش" بقلم: رائد دحبور

2019-01-12 11:47:26 PM
رائد دحبور

من المُبكر توقع نتيجة يقينيَّة بشأنِ الانتخابات الإسرائيليَّة المقبلة؛ فثمَّة ثلاث أشهر تقريباً تفصلنا عن موعد إجرائها. لكن استطلاعات الرأي المبكِّرة تُشير حتَّى الآن إلى تقدم الليكود، وتتوقَّع تلك الاستطلاعات أيضاً، أنْ يحصل الجنرال بني غانتس – رئيس الأركان السَّابق ذو التَّوجُّهات اليمينيَّة – في حال خوضه الانتخابات على رأس قائمة حزبيَّة على عدد لا بأس به من المقاعد أيضاً – ربما يزيد عن خمسة عشر مقعداً - بحيث يكون بيضة القبَّان في تشكيل الحكومة المقبلة، ويُبدي حزب الليكود امتعاضاً من صمت بني غانتس حتَّى الآن بشأنِ توجُّهاتِه المقبلة وبشأنِ قائمته الحزبيَّة التي يعتزم تشكيلها؛ فهو ربَّما يضم إليه الجنرال غابي أشكنازي أيضاً؛ فيما يُحاول الجنرال موشيه يعلون استمالة بني غانتس والتحالف معه؛ فالجنرال يعلون بحاجة إلى الأصوات فيما سيكون بني غانتس بحاجة لضمان المزيد من المقاعد في الكنيست؛ وثمَّة أكثر من نصف مليون صوت انتخابي ستأتي من أوساط المؤسسة العسكريَّة والجيش – وهو الأمر الذي دفع وسائل الإعلام الإسرائيليَّة إلى وصف الانتخابات المقبلة وكأنّهَا حرب الجنرالات في التَّنافس على أصوات الجيش أو حرب التَّنافس مع الجنرالات من قِبَلِ الأحزاب التي تُقدِّم مُرشَّحينَ من خارج المؤسسة العسكريَّة.

ومن جانبٍ آخر تُشير تلك الاستطلاعات إلى مزيدٍ من انخفاض شعبيَّة رئيس الحكومة الحالي وزعيم حزب الليكود بنيامين نتنياهو؛ لكن الأمر الذي يبدو يقينيَّاً إلى حدٍّ كبيرٍ هذه المرَّة هو أنَّ تلك الانتخابات ستُفضي - وفضلاً عن تثبيت وتعزيز مكانة الليكود - إلى مزيدٍ من تعزيز فُرَص الأحزاب اليمينيَّة المُتوسِّطة منها والصغيرة وكذلك الشَّخصيَّات ذات الخلفيَّة العسكريَّة والأمنيَّة المرتبطة بالمستوطنين في الضِّفة الغربيَّة؛ ويأتي في هذا السِّياق انسحاب الوزير نفتالي بينت والوزيرة إييليت شاكيد من حزب البيت اليهودي وتشكيلهم حزب اليمين الجديد.

 بكل الأحوال وأيَّاً كانت نتائج الانتخابات المقبلة، وأيَّاً كان مقدار تأثير الأحزاب اليمينيَّة المتطرِّفة جدَّاً والمرتبطة مباشرةً بالمستوطنين في تشكيل الحكومة المقبلة فثمَّة حقيقة ثابتة تُؤكِّدها نتائج كثير من الانتخابات الإسرائيليَّة على امتدادِ عقودٍ مضت وهي:

أنَّه حتَّى في المرَّات التي أفلح فيها جمهور النَّاخبين الإسرائيليين بِزَخَمٍ من قوى اليسار التَّقليدي أو اليمين الليبرالي في منع أحزاب متطرِّفة جدَّاً كحركة " هَتِحيا " أو " كاهانا حاي " أو حتَّى " موليدِتْ " في بعض الأحيان من الجلوس على مقاعد الكنيست؛ إلَّا أنَّ كل ذلك الجمهور وكل تلك الأحزاب وعموم الطَّبقة السياسيَّة الإسرائيليَّة في الماضي – ووفق معادلة ومكانيزم ثالوث السياسة والجيش والمجتمع إضافة إلى اعتبارات النُّخب الاقتصاديَّة المرتبطة بالاستيطان-  لم تُفلِح ولم تستطع، أو أنَّها لم ترغب أصلاً، في إخراج مستوطن واحد من أتباع هذه الحركات من وسط مدينة الخليل، حيث يعيش بضعة مئات من المستوطنين في بؤر استيطانيَّة صغيرة ومعزولة هناك وسط مئات آلاف الفلسطينيين من سكَّان مدينة الخليل، على سبيل المثال !!. وهذا ما قد يُعطينا فكرة عن مدى عمق انتقائيَّة وهشاشة وشكليَّة الدِّيمقراطيَّة الإسرائيليَّة إذا اتَّصَلَ الأمر بواحِدَةٍ من العقائد والأساطير المؤسِّسة لدولة إسرائيل، كأسطورة " الأمن والسَّلام؛ وأنَّ الأمن، والأمن فقط هو من يجلب السَّلام " تلك الأسطورة التي كان يوظفها اليسار في حملاته الانتخابيَّة وفي برامجه السياسيَّة؛ وأُسطورة الأمن كان قد أرساها " بن غوريون " الرَّائد المُلْهِم لحركة العمل لدى تأسيس الدَّولة عام 48.

أمَّا أسطورة اليمين التي كان يجري توظيفها – سواءً من قبل اليمين الليبرالي أو اليمين القومي الدِّيني - فقد كانت أُسطورة ميثولوجيَّة تعبر عنها آيديولوجيا " أرض إسرائيل الكاملة "  بما يعني حق الاستيطان في أيِّ مكان من تلك الأرض؛ وذلك كحقٍ منحه الرَّب لشعبه وهو غير قابل للنقض تحت أي مبررات سياسيَّة، وقد كان يجري توظيف هذه الأسطورة في الماضي بشكلٍ فعَّالٍ في كثيرٍ من الأحيان لدى جمهور المستوطنين ومؤيِّديهم ولدى طيف واسع من جمهور اليمين أيضاً؛ فكيف سيكون الحال الآن إذاً وفي المستقبل أمام كل هذه المعطيات الواقعيَّة التي تؤكِّد مزيداً من اتساع ديموغرافيا اليمين، بل وحتَّى مزيداً من انزياح طيف واسع من مراتب وأفراد الجيش، إلى مربَّعات يمينيَّة ودينيَّة أكثر تصلُّباً من الماضي ؟!.

ترتبط أسباب تقديم موعد الانتخابات المُزمع إجراؤها في شهر نيسان المقبل بعدَّة قضايا لها صلة بتعقيدات الحياة السياسيَّة الإسرائيليَّة عموماً – وهكذا كان عادةً سياق الأسباب التي تدفع إلى تقديم موعد الانتخابات في السابق – ومنها هذه المرَّة التَّباينات والانشطارات داخل حكومة الائتلاف اليمينيَّة بقيادة نتنياهو حول عدَّة قضايا وربَّما أبرزُها الأسباب التي دفعت إلى استقالة وزير الدِّفاع - أفيغدور ليبرمان – في أعقاب المواجهة الأخيرة في غزَّة والصَّدع الذي سببته تلك الاستقالة داخل الائتلاف الحكومي؛ فقد برر ليبرمان استقالته كنتيجة لتصويت مجلس الوزراء المصغَّر على إنهاء العمليَّة الأخيرة في غزَّة قبل بلوغ أهدافِها خلافاً لرأيه كوزير للدِّفاع، وكذلك برر ليبرمان استقالته نتيجة للنكث بالوعود التي تلقَّاها الأخير من كلٍّ من الوزير نفتالي بينت ومن وزيرة العدل إييلِتْ شاكيد من حزب البيت اليهودي بدعم قرار استمرار وتوسيع تلك العمليَّة ضد قطاع غزَّة؛ حيث كان سيمكنه ذلك من كسب المواجهة مع نتنياهو داخل مجلس الوزراء المصغر؛ حيث كان الأخير يُريد إنهاء العمليَّة العسكريَّة على نحوٍ عاجل، وتلك على الأقل الأسباب الظَّاهريَّة المباشرة التي قدَّمها ليبرمان حيث دفعته إلى الاستقالة، وهذا السياق من الأزمات الحكوميَّة على خلفيَّة تباين الآراء حول ما ينبغي أنْ يفعله الجيش أو أنْ يمتنع عن فعله معروف في إسرائيل  بمفهوم " تغطيَة مؤخَّرة الجيش " بمعنى صرف الأنظار عن الإخفاقات في الجيش وعدم تحميله مسؤوليَّتِها وإحالة المسؤوليَّة عن تلك الإخفاقات إلى المستوى السِّياسي دائماً عِوَضاً عن المستوى العسكري – يتحدث عن هذا المفهوم البروفيسور الإسرائيلي في علم الاجتماع السياسي ليف غرينبرغ في كتابه السَّلام المُتخيَّل الصَّادر عام 2006 ويتحدث عنه أيضاً غير واحد من المتخصصين والمعلِّقين العسكريين كـ " عوفر شيلح " و " يوءاف ليمور " في كتابهما " أسرى في لبنان " الصادر أيضاً عام  2006، وكذلك البروفسور " أُوري بن إليعازر " المحاضر في جامعة حيفا في مجال علم الاجتماع والأنثروبولوجيا، وذلك في كتابه " حروب إسرائيل الجديدة " الصادر عام  2015–  وقد تكرر استخدام وتوظيف هذا المفهوم في أكثر من مناسبة ومنها استقالة حكومة غولدا مئير في أعقاب تقرير لجنة " أغرانات " التي حققت بأسباب الإخفاق في توقُّع حرب عام 73 ومنها دفع أرئيل شارون إلى الاستقالة في أعقاب غزو لبنان 1982 ووقوع مذبحتيِّ صبرا وشاتيلَّا، ومنها كذلك استقالة وزير الدِّفاع " عمير بيرتس " وتنحية رئيس رئيس الأركان " دان حَلوتس " في أعقاب صدور تقرير لجنة فينوغراد التي حققت في أسباب الإخفاق في حرب تمُّوز 2006 على لبنان ؛ لكن استقالة وزير الدِّفاع " أفيغدور ليبرمان " هذه المرَّة قد أتاحت لـِ " بنيامين نتنياهو " فرصة حيازة منصبي وزير الدِّفاع ورئيس الحكومة؛ الأمر الَّذي سيركِّز في يدِهِ سُلطات استثنائيَّة؛ وهي من المرَّات العديدة التي تكررت في تاريخ إسرائيل؛ حيث يحوز فيها رئيس الحكومة منصبَيِّ وزير الدِّفاع ورئيس الوزراء، فقد تكرر ذلك لدى كلٍّ من ليفي أشكول مؤقَّتاً قُبيل حرب عام 67 – على خلفيَّة الخلاف بينه وبين وزارة الدِّفاع ورئاسة هيئة الأركان حول وجوب الخروج إلى حرب استباقيَّة في ربيع عام 67 - وقبل أن يعود موشيه ديَّان لتولِّى وزارة الدِّفاع، أسابيع قليلة قبل اندلاع الحرب، وتكرر ذلك لدى " مناحيم بيغن " مؤقَّتاً أيضاً في أعقاب استقالة وزير دفاعه عيزر فايتسمن احتجاجاً على تعثُّر المحادثات مع مصر عقب التوقيع على اتفاق كامب ديفد قبل أنْ يُوكل بيغن أمر وزارة الدِّفاع لأرئيل شارون مطلع العام 1980، وكذلك تكرر هذا الأمر لدى " إسحق رابين " الذي أتاحت له بيئة السِّياسة الإسرائيليَّة حينذاك أنْ يُخَطِّط في انتخابات عام 92 لتولِّي المنصبين – منصب رئيس الحكومة و وزير الدِّفاع معاً؛ كونَه كان يوصَف " بالسَّيِدْ أمْن " -  حيث أصرَّ على الاحتفاظ بالمنصبين حتَّى اغتياله في تشرين ثاني من عام 1995 وقد لقي ذلك قبولاً لدى دوائر وجمهور حزب العمل الذي كان يترأسه ولدى الغالبيَّة الكاسحة من الجمهور الإسرائيلي الذي قَبِلَ عموماً بتبنِّي أسطورة " الأمن والسَّلام " في مناخ التسويات السياسيَّة الذي ساد في أعقاب حرب الخليج الأولى حيث فرضت الولايات المتَّحدة مناخ التسويات الأمريكيَّة الإسرائيليَّة في المنطقة كنتيجةٍ من نتائج حربها على العراق وتفرُّدِها بالسياسة الدَّولية في أعقاب انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السُّوفييتي وانهيار الكتلة الشَّرقيَّة؛ وحيث مثَّلَتْ أسطورة الأمن والسَّلام عنواناً عريضاً لسياسات حزب العمل في المناطق المحتلَّة وتجاه العلاقة بالإقليم والمنطقة عموماً، وشعاراً انتخابيَّاً كان يرفعه حزب العمل منذ ما بعد حرب عام 67 وسيطرة إسرائيل على الضِّفة الغربيَّة وغزَّة والجولان وسيناء. وقد كرر كل من إيهود باراك وأرئيل شارون فيما بعد احتفاظهما بالمنصبيْن وقد كان ذلك بالنسبة لباراك في أعقاب انتخابات عام 99 التي فاز فيها مقابل نتنياهو في انتخابات مباشرة لاختيار رئيس الوزراء، وكان شارون قد احتفظ بالمنصبين أيضاً في أعقاب فوزه مقابل بارك في انتخابات عام 2000 والتي جرت أيضاً على أرضية الاختيار المباشر لرئيس الوزراء من قِبَلِ المُقترعين، وقد تمَّ العودة إلى قانون الانتخاب القديم بعد انتخابات عام 2000. 

   بالعودة إلى الأسباب التي دفعت إلى تبكير موعد الانتخابات مؤخَّراً فيبدو أنَّ أبرز تلك الأسباب تتصل بأزمة ثقة بالقيادة والأداء وانعدام اليقين بأنْ يكمل رئيس الحكومة احتفاظه بمنصبه حتى انتهاء مدَّة ولاية حكومته؛ وذلك على خلفيَّة التحقيق بعدَّة ملفَّات فساد مالي وإداري تمس رئيس الحكومة مباشرة، وهي حالات تكررت مراراً في تاريخ الحكومات الإسرائيليَّة المتعاقبة ابتداءً بإسحق رابين – على سبيل المثال – مطلع السَّبعينيَّات من القرن الماضي، ومروراً بإيهود أولمرت، ووصولاً إلى نتنياهو؛ وهو الأمر الذي ربَّما دفع بنتنياهو إلى القبول بفكرة تبكير موعد الانتخابات أملاً منه أن يكون ذلك استفتاءً جديداً من قبل الجمهور الإسرائيلي – وتحديداً جمهور الليكود والمستوطنين والجمهور اليميني عموماً - بما يُعطيه فرصة جديدة لتشكيل الحكومة ويُريحه من البقاء تحت ضغط التَّحقيقات القضائيَّة التي تُلاحقه والتي هي بصدد تقديمه إلى المحاكمات مما سيرغمه على الأرجح إلى الاستقالة في نهاية المطاف.

كما أنَّ بعض تلك الأسباب في هذه المرَّة يتصل بطموحات شخصيَّة تتعاظم مع مرور الوقت لدى عديد من جيل الشَّخصيات اليمينيَّة الجديدة المحسوبة على المستوطنين وكذلك لدى عدد من الوزراء داخل حكومة بنيامين نتنياهو نفسه كالوزير نفتالي بينت، كما لدى أعضاء كبار في السلك الدبلوماسي الإسرائيلي كسفير إسرائيل في الأمم المتَّحدة، ولدى عديد من كبار العسكريين؛ حيث كان الجيش يُعتبر دائماً مدخلاً للوصول إلى أرفع المستويات في الحياة الاجتماعيَّة والسِّياسيَّة والاقتصاديَّة في إسرائيل. وكثير من هؤلاء المُنافسين المُفتَرضين لنتنياهو يُحاولون تقمَّص شخصيَّات وأقوال الرُّواد الأوائل من الجيل المؤسِّس لإسرائيل؛ مُسْتَعيرين ذات الأساطير الميثولوجيَّة والسِّياسيَّة المُؤسِّسة للنظام السياسي الإسرائيلي، كأسطورة " أرض إسرائيل الكاملة " بالنِّسبَةِ لليمين وأُسطورة " الأمن والسَّلام " بالنِّسْبَةِ لليسار.

 بالإجمال: لقد كانت الأحزابُ والنُّخَب السياسيَّة والعسكريَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة الإسرائيليَّة - وعموم الطَّبقة السياسيَّة في إسرائيل عبر تاريخها - تُخفي خلف تلك الأساطير المُؤسِّسة للنظام السياسي الإسرائيلي فضلاً عن تكريس مفهوم " تغطيَة مُؤخَّرة الجيش " كثيراً من دوافِعها الحقيقيَّة وبرامجها وكذلك إخفاقَاتِها في المجالات الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة وفي معالجة مشاكل الموازنات الحكوميَّة وتعثُّر صياغة مُعادلة متوازنة مضمونة وحاسمة لإبعاد خطر شبح الشَّيطان الطَّائفي الذي يهدد نسيج المجتمع الإسرائيلي والمتمثِّل في المُساجلات والنِّزاعات التي تنتهي حول العديد من القضايا التي تتصل بالدِّين والدَّولة والمجتمع وبكثيرٍ من التَّفاصيل التَّشريعيَّة والقانونيَّة التي تمس الحياة اليوميَّة والعابرة لأطياف المجتمع الإسرائيلي ومكوِّناتِه وعلى رأس ذلك السِّجال المستمر حول الموازنات الحكوميَّة المرصودة للمدارس الدِّينيَّة وإعفاء طلَّاب المدارس الدِّينيَّة من الخدمة العسكريَّة وازدياد دور الدِّين وفتاوى الحاخامات لجهة التأثير في مجريات الحياة اليوميَّة في بعض المدن الرَّئيسيَّة والكبرى كاحترام حرمة السَّبت مِمَّا كان يدفع أحياناً إلى افتعال أزمات ائتلافيَّة حكوميَّة من قبل بعض الأحزاب الدِّينيَّة الهامشيَّة المتشددة عندما تكون شريكة في الحكومة؛ وكذلك تجري تلك المنازعات والمساجلات على نطاقٍ أوسع وبشكلٍ مستمر في الحياة العامَّة الإسرائيليَّة بين جمهور العلمانيين والنُّخب العلمانيَّة – الأشكنازيَّة التي تتمثل في الطَّوائف أو المكوِّنات اليهوديَّة الغربيَّة - من جانب، وبين جمهور الحريديم – اليهود الشَّرقيُّون - والحاخامات الذين يُوجِّهون ذلك الجمهور؛ وهذه التباينات والمشاكل المستعصيَّة في الحياة العامَّة الإسرائيليَّة كان يجري إخفاؤُها عادةً في المواسم والحملات الانتخابيَّة تحت قناع استعارة المفاهيم والأساطير المؤسِّسَة التي أشرنا إليها؛ كما تبقى هناك ضرورة لاستعارة مفهوم تغطية مُؤخَّرة الجيش عند أيِّ إخفاقِ أمنيٍّ أو عسكري في المجالات التكتيكية أو الإستراتيجيَّة عبر إحالة أيِّ إخفاقٍ إلى المستوى السِّياسي الَّذي منوطٌ به – ووفق مفاهيم النِّظام السِّياسي والأمني والاستراتيجي الإسرائيلي - تحديد الإطار العام للإستراتيجيَّة التي يرسمها الجيش وحاجة الجيش دائماً للمُصادقة عليها من قبل حكومة مُنْتَخَبَة.. وهذا التَّخَفِّي وراء قناع الأساطير والمفاهيم التي تتضمَّنُها تلك الأساطير ما زال قائماً لدى النُّخب السياسيَّة والعسكريَّة الإسرائيليَّة؛ ومن الأرجح، بل من المؤكَّد، أن يتواصل في المستقبل أيضاً !!