كتبها: نضال القاسم
الجانب الآخر من الرواية فهو جانب ذو علاقة بأسرة «سعيد الدوري» المقيمة في إحدى ضواحي العاصمة الأردنية عمان والمكونة من الأم والشقيق سامي والأخت التي تزوجت وسافرت مع زوجها إلى السعودية، وقد انقطعت أخبار هذه العائلة عن «سعيد» وأخفق أيما إخفاق في تحقيق التواصل مع أهله وكانت مفاجأته كبيرة عندما عرف لاحقاً أن والدته توفيت وأن شقيقته خلود تزوجت وسافرت برفقة زوجها للسعودية، وحدثت المفاجأة الكبرى في الرواية عندما التقى سعيد بأخيه «سامي» في دمشق التي استقر بها «سعيد الدوري» مرةً أخرى من جديد بعد أن أنهى علاقته مع التنظيم وعاد إلى الجامعة لدراسة الحقوق بدلاً من التاريخ، لأنه كفر بالتاريخ والمؤرّخين لما تبين له من جرأة في قلب الحقائق، وجعل الأبيض أسود والأسود أبيض، ومع ذلك لا أحد يستطيع أن يفند ما يزعمه من يمارسون مثل هذا التزييف. وأما المفاجأة الكبرى، التي وقعت عليه وقوع الصاعقة، ما أفضى به إليه أخوه «سامي» من أنّ أمه، التي كانت قد فارقت الحياة، ودفنت في مقبرة مخيم البقعة، كانت قد تعرَّضت للاغتصاب قبل زواجها من أبيه، وأنَّ الفاعل هو ضابط في الجيش الإسرائيلي يُدعى (مردخاي) اغتصبها في أثناء سقوط حيفا عام 1948 وقبيل هجرتهم منها إلى الخليل، وأنَّ جده أخفى الحادث عن الناس، واضطر لإقناع ابن أخيه بالزواج منها بعد أنْ لاحت عليها إمارات الحمْل، ومداراةً للفضيحة قبل والده الزواج منها على ألا يعاشرها معاشرة الأزواج، وظلّ على هذا مدة ثلاثة عشر عامًا، هي الفارق بين عمر عيسى وعمره. وبهذا فإن «عيسى» يكون شقيق «سعيد وسامي» من جهة الأم أما والد «عيسى» الحقيقي فهو «الملازم مردخاي»، ويروي «سامي» لشقيقه «سعيد» من التفاصيل ما يقنعه بصحة ذلك، وبصدق المعلومات التي باحت له بها جدته لأبيه، ويزيد على ذلك أنّ «الملازم مردخاي» الذي اغتصبها أصبحَ بعد النكسة حاكمًا عسكريًا لمحافظة الخليل، وأنه استدعى جدّه لأمّه، وتحرش به، وأهانه، عندما راح يذكّره بتلك الحكاية.
أما الجانب الثاني من الرواية فهو العثور على «لفائف قمران»، وهو موضوع متصل بحكاية العثور على «حليم»، و«حليم» هذا هو واحد من الفدائيين الذين خرجوا مع المقاومة من عمان عام 1970، وقد تدرج في الرتب العسكرية إلى أن وصل إلى رتبة مرموقة، وفي أحد الأيام وأثناء وجود «سعيد الدوري» في معسكر الخمسين سمع أنيناً قادماً من تحت شجرة فركض إلى الصوت وإذا بمقاتل جريح يئنُ أنيناً لجوجاً فأسرع إليه وأنقذه وقدّم له العلاج اللازم وقبل أن يغادر «حليم» المعسكر بعد المدة التي قضاها في الخمسين واعترافا ًمنه بفضل «سعيد الدوري» عليه فقد أسرَّ لسعيد بسر خطير حول مكان وجود «لفافات قمران» وأهميتها من الناحية التاريخية والسياسية لإسرائيل. حيث قال له:- (كان لي صديق في أنصار اسمه زيَّاد... قال، ثمَّ وضع الزُجاجة على فمه وجرع الفودكا، وناولني الزُجاجة وأضاف:- هرب معنا لكنَّه قُتِل في المختارة، أخبرني عن لفافة قديمة ورثها عن أبيه الَّذي ورثها بدوره عن جدِّه الَّذي حصل عليها من رجل كنيسة لا أذكر اسمه، كان في القدس قبل سقوط فلسطين، لا أعرف بالضبط كيف حصل عليها، لكنَّه قال لي إنَّهم أخفوها في كنيسة «مارجرجس» في زحلة، تحت المزار، وكَّرر كلمة قمران أكثر من مرَّة مؤكِّداً عليَّ ألاّ أنساها....انتهى الاقتباس، الرواية ص105- 106)، وأضاف حليم أن عليهما العمل معًا من أجل الحصول على اللفائف؛ فهي من الناحية التاريخية تغير وجه التاريخ بما تثبته من أكاذيب اليهود عن حقهم المزعوم في فلسطين، ومن ناحية أخرى فإنها وثائق تاريخية لا تقدّرُ بثمن، ومن يظفر بها يستطيع أن يثري ثراءً فاحشًا في رمشة عين، حيث أن لهذه اللفافات التي (وجدها البدو في مغاور قديمة قرب البحر الميت قيمة لا تقدر بثمن وهذا ما دفع فريقاً من علماء اللاَّهوت والتَّاريخ للعمل على فك طلاسمها، وإنهم قد أخفوا الكثير منها، وأخفوا معلومات قد تغير وجه التاريخ كله إن عُرفت، وأن الكثير من الباحثين والمؤرخين قد أقاموا ضجَّة مطالبين بحقهم في الاطِّلاع على تلك الوثائق، وما زالوا ينادون بذلك، وعليه فقد حرص الفاتيكان على أن يتابع الموضوع بنفسه بطريقة غير مباشرة، ويموِّل كل الأعمال المتعلِّقة بالبحث في اللفافات بسريَّة تامَّة، وكلُّ ذلك يتم بالتنسيق مع الحكومة “الإسرائيلية” المتواطئة، التي تحاول أن تقصي أي شيء يضرُّ بزعمها التاريخي بامتلاك أرض فلسطين، وبلغت أهمية اللفافات بالنسبة للفاتيكان أن قايض بها حكومة “إسرائيل” بالسُّكوت عن احتلالها للضفة الغربيَّة عام 1967 مقابل إعطائه الحقَّ بالسَّيطرة على كلِّ ما يخصُّ متابعة دراستها... انتهى الاقتباس، الرواية ص107). وقد تبيّن أنّ ثمّة أشخاصًا آخرين، وقوىً أخرى، تبحث عن هذه الوثائق، فإلى جانب الموساد الذي جند لهذا الغرض أحمد- شقيق ليلى - ثمة مسؤولين آخرين في أجهزة أمنية، متعددة، في لبنان وفي غير لبنان، كل منهم كان يسعى للحصول على هذه اللفائف (التي تساوي ملايين الدولارات، والتي تعود إلى ما قبل المسيح، والتي حصل عليها المطران صموئيل، مطران الكنيسة السِّريانيَّة في القدس من البدو التَّعامرة، وهرب بها بعد سقوط فلسطين إلى لبنان، ثمَّ إلى أمريكا لكنَّه ترك واحدة فقط في لبنان دون أن يعلم أحد بذلك، ربَّما كضمانة لحياته الَّتي أحسَّ أنَّها مهدَّدة بسبب تلك اللفافات... انتهى الاقتباس، الرواية ص107)، ولسوء الحظ فقد تمكَّن الموساد من العثور على هذه اللفافة، وبعد سرقة اللفافة من قبل الكيان الصهيوني قرر وحيد القيام بعملية لرد الاعتبار وخطف العالم الإسرائيلي «إسحق بتروفتش» الذي سبق له أنْ ترجم بعض النصوص الواردة في إحدى اللفائف وذلك حتى يتم من خلاله الوصول إلى مكان هذه اللفائف، ونظراً لكون الأمر بهذه الأهمية، فقدْ تقرَّرَ أنْ يكون طاقم العملية مكوناً من عشرين مقاتلاً، إلا أنّ تلك العملية الفدائية بعد أنْ كادتْ تنْجح، انتهت بالإخفاق، وقُتل فيها من قتل، وجُرِحَ فيها منْ جُرح، وكان حظ «سعيد» الوقوع في الأسر وزجّ به في سجن عسقلان، وبقي فيه، مع التحقيق المتكرّر، إلى أنْ أُطلق سراحه في صفقة تبادل الأسرى. وظلت حكاية المخطوطات هذه تلاحقه كظله، أو مثل لعنة تحاصرهُ.
وقد كانت عملية البحث عن المخطوطات سببًا في تورّط «سعيد» لأكثر من مرّة، وهي التي بسببها فقد «سعيد» أعز أصدقائه «ميشيل» الذي ظل يحاول الكشف عن مكان المخطوطات، وقُتل عند حاجز للثورة بسبب خطأ تقني بسيط، حيث أنه كان يحمل هويتين، واحدة شخصية تثبت أنه مسيحي ماروني والأخرى هوية التنظيم وقد أخطأ وأخرج هويته الشخصية على الحاجز بدلاً من هوية التنظيم، وخسر ليلى، وخسر جورجيت العميلة المزدوجة التي تعمل لصالح القوات اللبنانية ولصالح الموساد، المرأة الفائقة الجمال، المرأة الأولى في حياته التي شعر معها بأنه إنسانٌ يستطيع أن يحبّ كغيره من الناس. ومن الإشكالات التي سبَّبْتها له حكاية المخطوطات ارتيابه الشديد في كلّ من يحيطون به من رفاق، بمن فيهم «أبو عبد الله» الذي قدم من ألمانيا ليؤلف كتابًا عن الفلسطينيين، ونضالهم في الجنوب. ليس هذا فحسب، فقد اضطر ذات يوم للاعتراف بأنه أخفى عن «خليل»، وغيره، من المقاتلين، حكاية المخطوطات.
أما الحبْكة الثالثة في الرواية فهي حكاية التحقيق المتكرّر مع «سعيد الدوري» الذي كلّما كان ينتهي كان يبدأ من جديد، وهي حكاية ذات صلة بالحبكة الأولى للرواية، وقد لجأ المؤلف إلى استخدام تقنية القطع في المشاهد أثناء عملية التحقيق مع سعيد، حيث أن المؤلف كان يظهر المحقق كمال والمتهم سعيد الدوري ويقوم ثانيةً بإخفاء الصورة، وفي كل مرة كان يظهر فيها المحقق كمال وسعيد الدوري كان الحديث يدور عن التهم الموجهة لسعيد والتي مفادها أنه شخص آخر غير سعيد الدوري وأن سعيداً الحقيقي قُتل في لندن إثر محاولة اغتيال موظفين أميركيين يعملان في الصليب الأحمر، وأن جثة سعيد سُلِّمت لذويه وشُيِّعت في مسيرة جنائزية ودُفنت في مخيم البقعة، وكان المحقق يحاول على الدوام الإثبات أن سعيد الموجود أمامه هو شخص آخر يُدعى «خالد مرزوق» أو «مسعود الدوري» ولكنه بالتأكيد ليس «سعيد الدوري»، وأما المسألة الثانية التي كان يركز عليها كمال فهي التحقيق في محاولة اغتيال رئيس وزراء الكيان الصهيوني المسخ «شمعون بيرس» في أثناء زيارته لعمان؟