الحدث- محمد غفري
ما يزيد عن النصف مليون دونم من أراضي الضفة الغربية تصنف محميات طبيعية، تقع غالبيتها في المناطق المصنفة C، الأمر الذي منح الاحتلال الإسرائيلي السيطرة الكاملة عليها.
وفي الوقت الذي يحرم فيه الفلسطينيون من حق استغلالهم لهذه المساحات الشاسعة، تنظر إليها سلطات الاحتلال الإسرائيلي على أنها كنز استيطاني استراتيجي.
9% من مساحة الضفة الغربية
وفق المعلومات التي حصلت عليها "الحدث" من سلطة جودة البيئة الفلسطينية، يبلغ عدد المحميات الطبيعية في فلسطين 51 محمية طبيعية، منها 50 محمية داخل أراضي الضفة الغربية وتشكل نسبة 9% من مساحتها، بالإضافة إلى محمية طبيعية يتيمة في قطاع غزة.
تم الاتفاق بين منظمة التحرير الفلسطينية و"إسرائيل" في اتفاق أوسلو، على تسليم هذه المحميات الطبيعية إلى السلطة الفلسطينية، وهو ما لم يحصل بشكل فعلي.
يقول مدير دائرة التنوع الحيوي والمحميات الطبيعية في سلطة جودة البيئة محمد محاسنة، إن الاحتلال الإسرائيلي سلم وزارة الزراعة الفلسطينية عام 1995، على الخرائط 19 محمية طبيعية.
لكن محاسنة أكد لـ"الحدث" أن ما سلم بشكل فعلي هو 16 محمية طبيعية، وبعد إجراء دراسة ميدانية تبين أنها 15 محمية طبيعة، هي التي تتبع للسلطة الفلسطينية هذه الأيام من بين 50 محمية طبيعية تنتشر في الضفة الغربية.
استلام بدون صلاحيات حقيقة
تواجه السلطة الفلسطينية عدة تحديات في إدارتها لهذه المحميات الطبيعة، ومدى قدرتها على السيطرة الحقيقة والوصول إليها، في ظل وجود الاحتلال الإسرائيلي، سواء تلك التي تسلمتها من الاحتلال، أو الغالبة الأخرى في مناطق C.
من بين المحميات الطبيعية التي تسلمتها السلطة هي محمية "راس جادر"، في الأغوار الفلسطينية الشمالية، لكنها لا تستطيع الدخول إليها بعد أن تحولت لساحة تدريب لآليات الاحتلال الإسرائيلي.
وفي مثال آخر، تحدث محاسنة عن محمية وادي جنات في قرية بيلتو قرب رام الله، والتي تبلغ مساحتها 3500 دونم، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي لم يسلم السلطة الفلسطينية سوى 200 دونم منها، يسرح بداخلها المستوطنون ذهاباً وإياباً.
المحميات تستغل للاستيطان
خبير الخرائط خليل التفكجي يقول إن مساحة المحميات الطبيعية في الضفة الغربية تبلغ حوالي نصف مليون دونم، صنفها الاحتلال على أنها محميات طبيعية، إلا أنها في الحقيقة تستخدم فيما بعد لعمليات الاستيطان.
ويشير التفكجي لـ"الحدث" وهو متخصص بقضايا الاستيطان، إلى ما حدث في منطقة مستوطنة "إفرات" في بيت لحم، حيث أعلنت في البداية أنها محمية طبيعية ومن ثم تحولت إلى مستوطنة إسرائيلية، وفي القدس أيضاً أعلن عن جبل أبو غنيم أنه محمية طبيعية ثم تحول إلى منطقة مستوطنات.
بالإضافة إلى ذلك فإن بعض مناطق المحميات الطبيعية تم ضمها للمستوطنات فيما بعد كمناطق نفوذ لمستوطنات.
التفكجي قال إن "إسرائيل" في قضية مصادرتها للأراضي الفلسطينية كانت تعتبرها جزءاً منها مناطق عسكرية مغلقة، ولكن عدم استغلال هذه الأراضي المغلقة دفعها لتصنيفها محميات طبيعية، وبات من الممكن الدخول إليها، لكن البناء فيها وزراعتها ممنوع على الفلسطينيين.
يتفق محمد محاسنة مع التفكجي أن الاحتلال الإسرائيلي يستغل هذه المساحات من المحميات الطبيعية لأغراض استيطانية.
وفي هذا السياق، تحدث محاسنة عن محمية وادي قانا في محافظة قلقيلية، وهي من أجمل المحميات الموجودة في فلسطين، وكلها غابات متوسطية (غابات منطقة البحر المتوسط)، وتنتشر الجبال على طول امتدادها من الجانبين، أما في الوسط فيوجد وادي قانا المليء بينابيع المياه العذبة.
ما يجري على الأرض، أن الاحتلال الإسرائيلي قام ببناء 13 مستوطنة فوق قمم جبال محمية وادي قانا، ويحرم المزارعين الفلسطينيين من حق استغلال أراضيهم، عدا عن سرقة المياه إلى داخل المستوطنات.
يؤكد محمد محاسنة، أن إجراءات الاحتلال في محمية وادي قانا، تسببت بتهجير الغالبية العظمى من السكان، وبشكل خاص بعد أن شرع الاحتلال بإعدام الأشجار هناك.
وأضاف محاسنة، أن الاحتلال يستغل هذه المحميات أيضاً في جلب السياحة الدينية والبيئة من مختلف دول العالم، وهو ما يشكل مصدر دخل للاحتلال، يُحرم الفلسطينيون بالمقابل منه، كما يجري في محمية وادي القلط وعين الفوار شرق القدس المحتلة.
المخرب الأكبر للمحميات
يحرم الاحتلال الإسرائيلي الفلسطينيين من استغلال المحميات الطبيعية، حيث يمنع كافة عمليات البناء والزراعة بداخلها، بذريعة حماية هذه المحميات.
يقول جورج كرزم مدير برنامج الدراسات والإعلام البيئي في مركز معاً، إن إجراء مقارنة سريعة بين العدوان الإسرائيلي على المزارعين الفلسطينيين وأراضيهم بذريعة "حماية المحميات"، والنشاط الاستعماري اليهودي في ذات "المحميات" المزعومة، نجد أن الاحتلال يستخدم ذريعة "المحميات الطبيعية" والأحراج كأداة لنهب الأراضي واقتلاع أصحابها الفلسطينيين منها، وضمها إلى ما يسمى "سلطة الطبيعة" أو "أحراج إسرائيل"، أو تأجيرها لما يسمى "مجلس الاستيطان الأعلى" الذي يبادر إلى اقتلاع الأشجار وبناء الوحدات الاستيطانية.
المفارقة، وفق ما ذكر جورج كرزم في مقال سابق له، نشر مجلة "آفاق البيئة والتنمية"، أن الاحتلال يتجاهل كونه المخرب الأساسي لما يسميه المحميات الطبيعية، التي تحوي أراض خصبة وتنوعاً حيوياً غنياً؛ وذلك من خلال توسعه المعماري الاستيطاني عميقاً في قلب العديد من "المحميات".
كما أن مستعمرات الاحتلال وجدرانه وتدريباته العسكرية وفق ما قال كرزم دمرت وجرفت ونهبت مئات آلاف الدونمات من الأراضي المزروعة والخصبة؛ علاوة على تدميره مساحات واسعة من الغطاء الأخضر واقتلاعه وسرقته مئات آلاف الأشجار المثمرة واجتثاثه مجموعة هائلة من النباتات البرية النادرة، وتهديده التنوع الحيوي في مختلف أنحاء الضفة الغربية.