سلسلة من الزلازل تجتاح الوطن العربي لم تتوقف منذ أن برزت الدولة القطرية العربية إلى الوجود أوائل سنوات القرن الماضي، قرن من الزمان تغنى المواطن العربي فيه بالحرية والاستقلال، وهو أبعد ما يكون عن كونه حراً أو مستقلا، ذلك لأن الأنظمة العربية التي أنشئت في تلك الحقبة وما تلاها حتى هذا التاريخ وتحكمت برقاب شعوبها كانت أنظمة وظيفية لخدمة أهداف القوى الاستعمارية في المنطقة العربية.
ولعل أبرز أهداف الاستعمار العربي هو إقامة وطن قومي يهودي في فلسطين يكون قاعدة عسكرية أمامية في قلب العالم العربي يشطره إلى قسمين غير متصلين بريا، ووظيفته الأساسية أولا سيطرة اقتصادية وعسكرية على المنطقة، وثانيا فرض التحالف على المنطقة العربية كاملة وعلى ثروات الوطن العربي من نفط وغاز، وإبقاء حالة التجزئة وترسيخها بتعزيز القبضة الأمنية للدولة القطرية على حدودها وبلورة شخصية خاصة لمواطني هذه الدولة تغذيه بشتى الوسائل، وتشعره بأنه مختلف عن شقيقه الذي انفصل عنه على الجانب الآخر من خط حدود وهمي رسمته الدول الاستعمارية على خارطة المنطقة.
ولعل اتفاقية سايكس بيكو التي مر عليها أكثر من مئة عام هي الدليل الواضح الذي كرس الدولة القطرية في بلاد الشام وهيأ فلسطين لتكون وطنا قوميا لليهود تولّت بريطانيا العظمى والدول الاستعمارية الغربية الأخرى تنفيذه على أرض الواقع وترجمه وعد بلفور، ومن خلال انتدابها على فلسطين نهاية الحرب العالمية الثانية، ومنذ ذلك التاريخ تكاثرت أعداد الدول العربية تحت رعاية استعمارية وتكرست التجزئة وولد الكيان الصهيوني وترعرع في منطقة لا تدري شعوبها ما يُخطط لها في الدوائر الاستعمارية وما مدى ارتباط حكامها بهذه الدوائر.
وخلال مسيرة سبعين عاما من ولادة الكيان الصهيوني؛ رصدنا تعزيز قوة هذا الكيان وبلورة شخصيته لشعبه الذي جمّع أفرادا لا يربط بينهم إلا أوهاما توراتية ومصالح استعمارية، وفي المقابل تراجع شعور المواطن العربي بانتمائه لوطن عربي واحد من المحيط إلى الخليج، بل تراجع الشعور بانتماء أبناء كل قطر عربي إلى قطرهم ونزوعهم إلى انتماء ديني أو مذهبي أو قومي، وبات كل قطر عربي مهددا بالتشظي إلى قطرين أو ثلاثة أو حتى أربعة أقطار، وبات الخلاف بين هذه الشظايا من الأوطان أكثر خطورة على مستقبل الأمة والوطن من خطر الكيان الصهيوني ورعاته من الدول الغربية والولايات المتحدة، حتى وصل الأمر بمعظم الدول العربية إلى اعتبار الكيان الصهيوني دولة أصيلة في المنطقة يجب التعامل معها وتطبيع العلاقات بها، بل والتحالف معها في مواجهة دول أصلية في المنطقة استعدتها وحرضت عليها وساهمت في حصارها.
والمراقب لحال الدول العربية اليوم، يجد أمامه دولة فاشلة وفي الغالبية الأكبر من هذه الدول لا حكومة واحدة في هذه الدول ولا حكومة قادرة على بسط سيادتها على قطرها وحفظ الأمن فيه وغير قادرة على تأمين رغيف الخبز لمواطنيها والعمل لشبابها، والأنكى من كل ذلك دولة مدمرة بالكامل بحاجة إلى ترليونات الدولارات لإعمارها وإعادتها إلى الحياة التي كانت عليها قبل عشر سنوات، في الوقت الذي تتسرب فيه أموال النفط العربية من المنطقة لشراء وحماية الرئيس الأمريكي الأكثر حمقا بين رؤساء الولايات المتحدة دونالد ترامب.
في مثل هذا الواقع تجد القضية الفلسطينية والقيادة الفلسطينية نفسها في مواجهة صفقة القرن الصهيونية الأمريكية التي تبدى منها حتى اليوم اعتراف أمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل واعتراف بالاستيطان وتنكر لحقوق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم التي شردوا منها قبل سبعين عاما، ومحاولة إلغاء دور الأونروا في رعاية شؤون اللاجئين الفلسطينيين بقطع المساعدات المالية عنها وحصار السلطة الوطنية الفلسطينية وتهديد قيادتها بالعزل والحصار والتصفية الجسدية.
وما يمكن أن تؤول إليه صفقة القرن في نهاية المطاف هو تحالف عربي مع دولة الكيان الصهيوني برعاية أمريكية والتخلص من القضية الفلسطينية بإعطاء الفلسطينيين دويلة في قطاع غزة وما تبقى من الضفة الغربية وفق كثير من المحللين.
وهنا يجب النظر بخطورة إلى المؤتمر الدولي الذي دعت إليه الولايات المتحدة في بولندا وموضوعه إيران والشرق الأوسط والاستعداد لمواجهة ما تريد إدارة ترامب تنفيذه على صعيد صفقة القرن.
وما يجب الإشارة إليه أيضا لقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والملك عبد الله الثاني عاهل الأردن في عمان، وما صدر عن الزعيمين من تأكيد على حل الدولتين دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، والأردن ومصر هما الدولتان الأكثر التصاقا بفلسطين والأكثر تأثرا بنتائج ما يسمى صفقة القرن .