الفلسطينيون لا يحبون كلمة الانقسام، ولكنهم أكثر شعوب الأرض ممارسة لها، فمنذ بداية قضيتهم وهم يخوضون مقاومة شرسة ولكنهم كانوا منقسمين على الدوام.
وحين انطلقت الثورة الفلسطينية ودخلت القضية كعنصر فعال في المعادلة الدولية، انقسموا بين رافض وقابل، وحين فتح باب موارب لإمكانية نجاح فكرة قيام دولة فلسطينية، انقسم القوم كذلك. وفي أصعب لحظات كفاحهم الوطني المعقد، وقع الانقسام الأكبر والأعمق، والذي تكرس سياسيا وجغرافيا وإداريا وحتى نفسيا.
كان بالإمكان وصف الانقسامات على أنها مظهر من مظاهر الديموقراطية والتعددية، وذلك مثل سائر الكيانات والمجتمعات التي تحدث فيها انقسامات ربما تكون أفدح من الانقسامات الفلسطينية، إلا أن تلك الكيانات غالبا ما كانت تجد حاضنة تحتوي انقساماتها، ولا توصلها إلى كارثة انقسام الوطن.
انقسامات الفلسطينيين بلا حاضنة، إلا إذا اعتبرنا الحركة الوطنية وأهدافها المجمع عليها هي الحاضنة، غير أن الوقائع أثبتت أنها مجرد حاضنة معنوية عديمة الضوابط والإلزام وما نراه الآن هو أوضح دليل على ذلك، حيث الانقسام المركب الذي لم يجد حلا له وعلى الأرجح أن لا يجد، انقسام بين شقي الوطن وانقسام سياسي حول الخيارات، وانقسام إداري كما لو أن القوم يعيشون في دولتين، ناهيك عن الانقسام في الرؤى حول كيفية استعادة الوحدة، حتى منظمة التحرير التي ادخرناها كحاضنة وحدوية أثبتت كفاءتها في الماضي هي الآن في حالة انقسام فوق أنها لم تعد كما كانت فيما مضى.
ليس ترفا أن نقول بأن المخرج من هذا الحال المائل بل والمنحرف هو إعادة الأمانة إلى أهلها، بأن يتاح للشعب الفلسطيني الذي استولت الطبقة السياسية على خياراته وحقوقه السياسية لعب دوره في الإنقاذ، من خلال انتخابات حرة نزيهة تستولد طبقة سياسية مدعومة بشرعية شعبها، ومهما بلغت صعوبات إجراء الانتخابات لأن المستريحين على جسد هذا الشعب لا يرغبون بالدخول إلى اختبار مكانة، إلا أن البديل عنها وهو بقاء الوضع على حاله أو تلفيق شرعيات غير مقنعة سيكون هو الأخطر والأكثر ضررا بالقضية الفلسطينية وحلم الشعب الفلسطيني المشروع بالحرية والاستقلال.
سنجد من يلغي الانتخابات وفق مقولة التوافق أولا، ولا جدوى من انتخابات دون توافق، وهذا معناه القضاء على شقي المعادلة حيث لا توافق ولا انتخابات.
كذلك ينبغي أن نُخرج الانتخابات من حالة التجاذب السياسي والإعلامي بين أقطاب الانقسام خصوصا بعد أن تبين لنا أن الحديث عن الانتخابات وضرورتها وصل حد الإجماع دون رؤية خطوات فعلية نحو إجرائها.
نأمل أن يكون اللقاء الذي تم بالأمس بين الرئيس والدكتور حنا ناصر هو بداية لإجراءات وليس لمجرد توجهات.
قد لا تكون الانتخابات مخرجا سحريا لمأزقنا العميق والمعقد، حيث لا مخارج سحرية في مجال السياسة، إلا أن المؤكد ووفق كل التجارب أن الانتخابات ستكون خطوة عظيمة في الاتجاه الصحيح، فالانتخابات بعد الفشل طويل الأمد لمحاولات إنهاء الانقسام تظل هي السهم الأخير الذي لا مناص من إطلاقه.