الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

رام الله... تبكي وتضحك

2019-01-23 10:18:42 AM
رام الله... تبكي وتضحك

 

الحدث – ريم أبو لبن

نحن نقع في المنتصف، أي في النصف المَخفي من الحكايات، وفي النصف الآخر الذي لا حاجة للحديث عنه فهو متكئ على اتفاقيات وبنود وشعارات قد أرهقت مسمع الكاهل قبل الشاب، ومن البديهي أن يخرج أحدهم ليقول من خلف شباكه "الضيّق"، بأن رام الله تقع تحت احتلال بعد أن رصدت عيناه جيبات عسكرية أو جنوداً يتمشون عنوة في شوارع مدينة رام الله.

قد ألوذ خلسة ما بين شارع وآخر، لأصدق ألماً بأن ما قد اقترن بالأقوال قد تحقق واقعاً، وكل ما يجري على الأرض هو "الحقيقة" وهو ما نفذ وتربع في النص الآخر من الحكاية ويطبق الآن، فلماذا نستغرب من مرور جندي مدجج بالسلاح أمام مجلس الوزراء الفلسطيني القابع على أرض"الماسيون"، وللاسم هنا حكاية أخرى لم يتذوقها سوى الفلسطينيون.

لم أعهد مدينة "الشبابيك" كما سميتها هكذا، فهي تطل على حكايات الأسرى والشهداء عادة، ولكنها هذه المرة لم تنسَ أن تقولب واقعاً عسكرياً رفض التنحي عن شوارع المدينة وبسخرية مطلقة، وهو يتركز يوماً بعد يوم في مناطق متفرقة (عين منجد، الماسيون، أم الشرايط، والبيرة) بحجة البحث عن كاميرات "المراقبة"، فمن يراقبون؟ لا نعلم.

وقد يرقبون عاملاً قد استيقظ فجراً ليلتقط قوتاً حتى يسد به جوع أبنائه، أو امرأة تبحث عن ملامح ابنها الشهيد، أو طفلا قد استلقى أسفل شجرة يبحث عن والده الفقيد. عمن يبحثون إذا؟.

ويقول أحدهم: هم يريدون كسر عزيمتنا.. ولن يفعلوا.

هي المدينة "الضاحكة الباكية"، فيها تمتزج التناقضات وتتعدد الأوجه، بها العمران والرخاء، وسقفها يمتد ليتسع لجميع الوافدين شمالا وجنوبا، هي الاقتصاد بعينه وبلد الغلاء، وقد تكون في نظر البعض ممن قابلتهم عربيا "هي العاصمة"، وقد غَيب ترامب القدس عن أذهانهم بإعلانها عاصمة لـ "إسرائيل"، وهنا يلعب الإعلام الإسرائيل دوراً كبيراً  لمحو ما تمسك به الفلسطينيون وما يحلمون به.

قد نبتعد قليلاً عن الجنود المتمركزين أمام أحد مقاهي المدينة والتي تتفنن في صنع القهوة لتقدمه للزبون على طبق من ذهب مقابل 25 شيقلا وحتى أكثر، لنجد أنفسنا قد التصقنا بأسماء لـ شوارع وأحياء راقية قد تعثرت بها قسراً أقدام الجنود الإسرائيليين خلال الأيام الماضية، لنجد أحدهم يلتقط أنفاسه بعد ضحكات قد جابت مخيلته بعد أن كتب أحد أصدقائه على صفحته الخاصة على موقع "فيس بوك" وبعد ساعات من الاقتحام: الماسيون #خط_أحمر، النافورة #خط_أحمر، وكأن تلك الخطوط الحمراء لم تُطلق في المدينة سوى خلال اقتحام الأماكن "المرفهة"، وبهذا فقد انشغل البعض بالسخرية من وقوع تلك الأماكن بيد الجنود، وحتى لم يفر اسم شارع "الماسيون" من بين يدي الناشطين، غير أن البعض قد نسي الاقتحام ودق رأسه بعامود كتب عليه تساؤل وهو: "مصيون" أم "ماسيون"، وقال أحدهم: عرفت بيننا مصيون!.

وبعيداً عن التسميات، لنعد لمنتصف الطريق الذي يسلكه الفلسطينيون كل يوم، ففيه المشاهد المتناقضة والتي قد لا تدلل على حالة انكسار، وتحديداً عندما يمس "قوت يومهم"، وبهذا فلو كان لتلك الأسود المتربعة على عرش المدينة ألسنة لنطقت بكل التناقضات التي تمر بها المدينة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا.

في التاسع من الشهر الحالي؛ ارتدى الفلسطينيون كفوفاً زرقاء في شتاء يناير معلنين اعتصامهم السلمي ضد قانون الضمان الاجتماعي والذي أثقل كاهل الموظف الفلسطيني، بينما في الجهة المقابلة هناك، أي قبالة "الأسود" الصامتة، يتربص جنود الاحتلال للمارين في المدينة.

لم يصمت ذاك الأنين في أذني، تارة كنت أقذف بها لتلقي بظلها تحت قطرات المطر لتستمع لهتافات إسقاط قانون الضمان، وتارة أخرى تتسلق أذني صدى صوت كان قد لاح من بعيد ليدلل على تمرس جنود الاحتلال بالقرب من المدينة ذاتها التي تصدح بإسقاط القانون.

الاقتحامات المستمرة للمدينة، لم تغلق ذاك "الشباك" الموصد على حكايات أهل المدينة، وقد يكون الغرض من التنقل بين الأزقة هو البحث عن معتقل أو مطارد أو حتى لاثبات قدرتهم على التوغل أينما أرادوا، وفي المقابل فإن أهالي المدينة لن يغلقوا نوافذهم، حتى إنهم يستمرون حتى اللحظة برصد تحركات الجنود وبإقناعهم بأن لا شيء "يكسر" المدينة.